على مدى يومي السبت والاحد 7 و8 سبتمبر عقد اتحاد الكتاب المصري ندوة موسعة حول (قصيدة النثر.. هل هي شعر ناقص) شارك فيها بالنقاش في الجلسة الاولى الناقد الكبير د. محمد عبدالمطلب والشاعر المصري رفعت سلام وادارها حلمي سالم، الذي افسح المجال واسعا امام جيل الشباب ليسمع صوته للمنصة ممثلا في شاعرين شابين هما كريم عبدالسلام ومحمود خير الله. ورغم ان الندوة بدأت بداية هادئة استجابة لدعوة الروائي فؤاد قنديل، المشرف الثقافي في الاتحاد الا انها ما لبثت ان تحولت الى معركة حامية قادها من الصالة بعض الحضور الرافضين هذه القصيدة وحاولوا اكثر من مرة المصادرة على المنصة، وهو الامر الذي احرج الشاعر رفعت سلام عند هدوئه الذي حاول جاهدا الاحتفاظ به قائلا لبعض جمهور القاعة ان هذه الغوغائية ونفي الآخر هما لب مشاكلنا ليس على المستوى الثقافي والابداعي فقط، بل على كل المستويات سياسيا واقتصاديا، وان كل واحد منا يريد نفي الاخر وذلك احد تجليات غياب الديمقراطية. مدير الندوة حلمي سالم، كان الاكثر هدوءا وديمقراطية في محاولة منه للخروج بالندوة في جزءيها الى بر الامان، وكان قد حدد ورقة ليدور حولها النقاش داعيا المنصة والجمهور الى التزام الموضوعية حتى يمكننا الخروج بما يمكن ان نتوافق حوله ويشكل محورا يثري حياتنا الثقافية بشكل عام، وحول قصيدة النثر بشكل خاص المدهش في الامر ان موضوع الندوة بعنوانها الذي عقدت حوله يبدو احياء لمعركة قديمة حول قصيدة النثر ومدى شعريتها، وتبدو في بعدها الاعمق ردا على مقالات حجازي التي تعتبر ان قصيدة النثر شعر ناقص، كما لم تخل الندوة من مفاجآت تمثلت في اعتراف الشاعر محمد التهامي المتهم بكونه احد عتاة التقليديين بأن قصيدة النثر هي تطور طبيعي كما سنوضح ذلك لاحقا. وتمثلت اسئلة حلمي سالم حول قصيدة النثر في الآتي: هل هناك تناقض في تسمية (قصيدة النثر)؟ هل قصيدة النثر شعر ناقص؟ وما الشعر الكامل إذا؟ وهل هناك شعر كامل. * ما الفارق بين الوزن والموسيقى؟ هل قصيدة النثر العربية المعاصرة هي وليد غربي؟ والى أي مدى يمكن القول ان لها بذورا او جذورا في تراثنا العربي؟ وهل قصيدة النثر هي فقط النص الخالي من الوزن.؟ وهل التراث العربي هو مانح الشرعية الوحيد لاي شكل ادبي او فني معاصر؟ وهل يمكن ايجاد وشيجة بين تطور المجتمعات العربية وبين ظهور قصيدة النثر؟ وما الشعر في قصيدة النثر؟ ومن اين يأتي الشعر في قصيدة النثر؟ ما الشعر اصلا؟ واضح من كم الاسئلة انها لا تصلح لجلسة نقاشية حتى لو امتدت على مدى يومين في ست ساعات، بل هي تلخص مجمل الصراعات الادبية في الواقع الثقافي المصري تحديدا، لان الكثير من البلدان العربية قد تجاوزت مثل هذه الاشكاليات حول المصطلح، واشكالياته، خاصة حول قصيدة النثر، وانتبهت الى تنمية ابداعها بصرف النظر عن مدى توافقه ام تعارضه مع ما يطرح على الساحة من محاولات تنظير وتقعيد تعوق الابداع اكثر مما تسهم في تقدمه، وهي من هذا المنطلق قد قطعت اشواطا كبيرة في جماليات الابداع، ويبدو انه مكتوب علينا وحدنا في مصر الغرق في مثل هذه المناقشات التي لا تقدم ولا تؤخر في المسيرة الابداعية الشعرية. من جانبه حاول د. محمد عبدالمطلب احد منظري قصيدة الكبار، ويكاد يكون الوحيد الذي اشتبك معها نقدا ونظرا عبر دراساته وكتبه، حاول التركيز على منجزات نصوص قصيدة النثر في نماذجها الجيدة، معتبرا ان السؤال الصحيح الذي ينبغي طرحه هو: سؤال الخصيصة، أي ما خصائص هذه النصوص؟ وما مميزاتها؟ لا سؤال الوجود أي نفي او اثبات قصيدة النثر في الشعرية العربية، لان هذه القصيدة هي اكبر دليل على وجودها، ومن الخصائص والمميزات التي طرحها د. عبدالمطلب لقصيدة النثر: الولوج الى غير المألوف أي ما يمكن ان نسميه جماليات القبح. ان الشاعر من العموم يرى ما حوله وينقله الى شعر، اما شعراء قصيدة النثر فلا يهتمون بالرؤية، أي بمشاهدة المادة الخام في الكون وتكوين موقف منها، لكنهم يختارون المواقف غير العقلية او الخرافية، بمعنى آخر هم لا يهتمون بالرؤية الكلية للكون بل بالرؤية الجزئية.. وهوما انتج ما نسميه بالمشهدية، وضرب على ذلك مثلا بقصيدة للشاعرة لينا الطيبي بعنوان (مساء رجل): وهو يصعد اكل الرجل الدرجة (اكل اكره الباب/ اكل في الصحن ربطة عنقه/ اكل الشوكة والملعقة والسكين/ اكل الرجل كثيرا وتعب/ اكل الرجل زوجته ونام). قصيدة النثر لاتشغلها السيمترية ولا المجاز المجفف. وهي كذلك لا ترصد التحولات وانما تمهد الطريق امام هذه التحولات وهو متغير خطير جدا في تاريخ الشعرية العربية. ثم يردد د. عبدالمطلب على خصوم قصيدة النثر..؟ بالاضافة الى ان هناك تداخلا بين الاجناس الادبية، حيث انداحت الحدود الفاصلة بينها واسقطت الشروط المسبقة والتعريفات الحديدية، ثم ان اعداء قصيدة النثر يعيبون عليها عدم الايقاع، وهم بذلك يعتبرون الايقاع هدفا في نفسه، ناسين انه اداة ضمن ادوات اخرى تمنح الكلام شعريته. الشاعر رفعت سلام ركز رأيه في نقاط محددة هي: * نقده لاعادة انتاج مناقشة القضايا ليس في المسألة الابداعية فقط بل في كل قضايانا. * الدنيا تتقدم في كل المجالات وان هذا التقدم والتطور هو عملية اساسية لا يستطيع احد ايقافها او شدها الى الوراء. * نقده لزمرة التجديد في حياتنا الشعرية المعاصرة التي تجعل بعد المجددين سابقا يتخذون مواقف تقليدية، وغير مؤيدة لحرية الابداع. * ربط بين هذا التكلس ليس بالمسألة الشعرية فقط وانما بكل قضايا المجتمع العربي في كل قضاياه: تعليما وثقافة، وسياسة وصناعة، مختتما كلمته بأن قصيدة النثر وما يدور حولها من مناقشات تخلص كل مآسينا الثقافية والاجتماعية، وذلك ليس حركة او تطورا بل هو ثبات من قبيل عدم الخروج على سنة الحياة العربية الراكدة. اما مفاجأة الشاعر محمد التهامي فتمثلت في اعترافه بسنة التطور وان ذلك من طبيعة الحياة وانه لم يقف يوما ضد قصيدة التفعيلة وان العقاد اخطأ في موقفه القديم حينما قال وليته ما قال ان المقيدة تحطم ما سبقها من اصنام، ولسوء حظ الثقافة المصرية والعربية انها اصبحت دستورا.. كل مدرسة تحاول ان تأكل الاخرى حتى ضعنا في غبار المعارك، وحينما يعلو الغبار تختفي الحقيقة ويستفيد اهل الباطل. ثم اضاف التهامي انه متهم ظلما بممارسة شعر التفعيلة ودلل على ذلك بأنه عندما كان عضوا في لجنة الشعر بالمجلس الاعلى للثقافة كتب بخط يده ثلاثة تقارير منحت بناء عليها ثلاثة دواوين من شعر التفعيلة جائزة الدولة التشجيعية داعيا في النهاية الى انه لابد من ان تتعايش كل المدارس جنبا الى جنب دون نفي او اقصاء. بعض الحاضرين خاصة من الشعراء عللوا اعترافات التهامي تلك بأنها اقرار بالهزيمة ومحاولة لمصالحة مع التيارات الجيدة، ولكنها اتت متأخرة فهو الذي دأب على مهاجمة الشعر الجديد خاصة قصيدة النثر.