يقدم الإنسان إلى هذه الحياة بغير اختياره ومع مضي السنوات يكبر جسده وعقله وتكبر معهما طموحاته وآماله فيدرك أن هذه الحياة حافلة بالتحديات وأن تحقيق الطموحات والترقي في مدارج النجاح لا يأتي بعد توفيق الله إلا عبر جسر من التفاؤل الذي ينتشر في جوانح النفس فيزوده بوقود يدفعه لتجاوز العقبات دون أن ينكسر، فمن شأن التفاؤل أن يحوّل المشكلات إلى فرص لاكتساب المهارات والمضي قُدماً في مضمار الحياة . عندما أقلب ناظريّ في واقعنا انطلاقاً من شبكات التواصل الاجتماعي ومروراً بالبرامج الفضائية وانتهاء بالصحف اليومية ألحظ ارتفاعاً هائلاً في حجم النقد لدى مجتمعنا السعودي , والمجتمع غير الناقد مجتمع خامل ساكن فالنقد خاصية ضرورية لكل مجتمع يتطلع للتغيير نحو الأفضل, ولكني أظن أننا كمجتمع وأفراد بحاجة بالتزامن مع النقد الهادف البنّاء إلى جرعة من التفاؤل فالإنسان بلا أمل كيان يائس بائس عاجز عن التغيير والتطوير فمتى ما حشد الإنسان في عقله بالصور السوداء والنماذج الشوهاء فلن يستطيع أن يقف على قدميه ويتجاوز ما يعترضه من محن وعقبات , ولو تأملنا في هدي النبي عليه الصلاة والسلام لوجدنا حرصه على بث روح التفاؤل والاستبشار في أحلك الظروف والأحوال . يأتي خباب بن الأرت رضي الله عنه وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد ضاق بالتعذيب والاضطهاد الذي كانت تمارسه قريش ضد الصحابة رضوان الله عليهم فتأتي البشارة النبوية (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يترك بيت مدر ولا وبر إلا دخله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل ). لقد كانت المعطيات على أرض الواقع لا تدل على هذه البشارة العظيمة فالصحابة قلة مستضعفة على هامش المجتمع المكّي تتلقى صنوف التعذيب والتنكيل وليست ثمة بوادر واضحة أمامهم لهذا النصر المرتقب فجاءت البشارة النبوية لتقذف في قلوب الصحابة اليقين بنصر دين الله والتفاؤل في نظرتهم للمستقبل. إن التفاؤل المحمود لا يعني تجاهل المشكلات بحجة التفاؤل ولا يعني التحريف في توصيف الواقع بحجة التفاؤل ولكنه ذلك الشعور النفسي الجميل الذي يملأ جوانحك سروراً وحبوراً وعزيمة انطلاقاً من يقينك بحسن تدبير الله وحوله وقوته , وهو تلك النظرة الإيجابية التي تبصر مواطن الجمال في الآخرين دون نفاق ورياء , وهو تلك الروح المتحفزة المبادرة التي تنقل رفاقها وأصدقاءها من بئر الإحباط واليأس إلى أفق الأمل والعمل. قبس : اليأس لا يصنع شيئاً .