تثير حالة التحالف الراهنة بين التيار الصهيوني اليميني بقيادة حزب ليكود وزعامة ارييل شارون وبين التيار اليساري ممثلاً في حزب العمل تحت رئاسة بنيامين بن اليعزر سؤالاً رئيسياً في دوائر البحث العلمي والسياسي العربية حول وجود او عدم وجود فروق فكرية بين التيارين تجاه الحق العربي في فلسطين. فالتياران متحالفان اليوم في اطار حكومة ائتلافية واحدة تتخذ من شعارات الامن الاسرائيلي واجهاض الانتفاضة وخفض سقف التوقعات الفلسطينية في التسوية اهدافاً صريحة وتعمل على تنفيذها بالتعاون بين رمزي التيارين ارييل شارون رئيس الوزراء وبنيامين بن اليعزر وزير الدفاع. وهذا السؤال الذي تنشغل به دوائر البحوث العربية هو في الحقيقة ليس بجديد فقد سبق ان طرق ابواب العقل العربي بشدة منذ ست سنوات أي في عام 1996م عندما تمكن تيار اليمين الاسرائيلي من الفوز برئاسة الوزراء وازاحة حزب العمل اليساري عن السلطة. في ذلك الوقت بدا لبعض الباحثين العرب انه من الضروري التمييز بين فروق ظهرت في موقف كل من التيارين تجاه الحق الفلسطيني. لقد سبق فوز حزب ليكود تحت زعامة بنيامين نتنياهو في ذلك العام حدث سياسي هام في الساحة الاسرائيلية اكسب السؤال العربي مرتكزات موضوعية، وكانت قمة الدراما في هذا الحدث اقدام الشاب اليهودي يجآل عامير على اغتيال رئيس الوزراء وزعيم حزب العمل اليساري اسحق رابين في شهر نوفمبر 1995. وأفاد الشاب بعد القبض عليه انه اقدم على عملية الاغتيال لوقف عملية الخيانة التي يمارسها رابين والتي بدأت بتوقيع اتفاقية اوسلو والسماح بدخول رموز منظمة التحرير الفلسطينية الى الضفة وغزة وتحويلهم الى سلطة وطنية فلسطينية تم تسليمها اجزاء من قطاع غزةوالضفة الغربية وهي اراض تعتبر من وجهة نظر الشاب القائل جزءاً من ارض اسرائيل لا يجب التفريط فيه للاجانب الفلسطينيين. واذا كانت عملية الاغتيال لزعيم المعسكر او التيار اليساري تمثل القمة في الحدث الدرامي فان الحدث نفسه ومقدماته قد اخذت شكلاً من النقد السياسي العنيف لسياسة رابين تجاه الفلسطينيين من جانب بنيامين نتنياهو زعيم اليمين سواء في كتابه الذي اصدره تحت عنوان "مكان تحت الشمس" او في خطبه السياسية امام حشود الجماهير اليمينية والتي وصل في احداها الى مخاطبة الجماهير في شكل تحريضي صريح حيث قال اوقفوا هذا الرجل المدعو رابين عن تسليم قلب اسرائيل لاعدائها فانني لا استطيع ان اوقفه. وكان قصد نتنياهو واضحاً فهو لا يستطيع كزعيم لتيار اليمين في البرلمان ان يجد الاغلبية البرلمانية اللازمة لوقف سياسة رابين في تسليم مدن الضفة بالطرق السياسية، وهو الخطاب الذي اعتبره اقطاب اليسار عملية تحريض واضحة للجماهير على قتل رابين لاهداف سياسية مخالفة لسياسته. وفي كتابه المذكور اوضح نتنياهو اليميني على نحو لا غموض فيه انه يعتبر سياسة رابين اليساري تفريطا في حقوق اسرائيل على حد فهمه في الضفة الغربية، كذلك فلقد كانت مقدمات قمة حدث الاغتيال الدرامي شاملة لعملية تحريض واسعة من جانب العناصر الدينية اليمينية استخدمت فيها الاحكام الفقهية والقواعد الشرعية في الدين اليهودي لاظهار مدى مخالفة سياسة رابين المذكورة لاحكام الشريعة اليهودية. فقبل عملية الاغتيال بفترة قصيرة ضبطت السلطات الاسرائيلية بعض المنشورات التي يوزعها حاخامات الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية على المستوطنين الذين احتلوا ارض الفلسطينيين، وكانت هذه المنشورات تحتوي على نوعين من الفتاوى الدينية اليهودية المؤسسة على احكام يهودية تفيد ان ما يمارسه رابين اليساري من سياسة تسليم مدن الضفة للسلطة الفلسطينية انما هي سياسة باطلة شرعاً وتوجب قتل صاحبها حتى ولو كان رئيس وزراء اسرائيل الحالي ورئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق عام 1967 والذي حقق لاسرائيل انتصارها الساحق على جيوش ثلاث دول عربية وفتح امامها الباب للاستيلاء على الضفة الغربية. في ضوء هذا التحالف الذي مهد لحدث الاغتيال الدرامي بين اليمين العلماني الاسرائيلي الذي مثله نتنياهو واليمين الديني كما مثله الحاخامات اصحاب فتاوى هدر دم رابين، كان من الطبيعي ان يطرق السؤال حول وجود فروق بين موقف اليمين وموقف اليسار الصهيونيين من الحق العربي في السنوات العشر الاخيرة من القرن العشرين الميلادي، وكان السؤال الذي طرحته مراكز ابحاث متعددة وجمعت له الاخصائيين والمتخصصين في الدراسات العبرية وفي العلوم السياسية وفي التاريخ السياسي يحمل في حقيقة الامر طابعاً تطبيقياً سياسياً، فهو لم يكن مجرد سؤال اكاديمي بحت بل انه كان يستهدف استطلاع امكانية المفاضلة بين التيارين لمعرفة هل يمكن تفضيل احدهما سياسياً على اساس انه اقرب الى الاعتراف بالحقوق العربية من الآخر خاصة فيما يتعلق بالانسحاب من الارض المحتلة عام 1967 في الضفة وغزة والموافقة على اقامة دولة فلسطينية مستقلة على هذه الارض. لقد حضرت في جامعات عربية عدة مؤتمرات ومحاضرات في ذلك الوقت أي بعد فوز تيار اليمين بزعامة نتنياهو بعد التخلص من رابين، وكان الباحثون والسياسيون العرب ينقسمون الى فريقين عند الاجابة عن السؤال فريق ينظر بالعين التاريخية لمسار الصراع منذ بدايته عام 1948 فيرى انه لا يوجد فرق بين اليمين واليسار الصهيونيين فلقد كانا شركاء في اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها وفريق ينظر بعين سياسية مرحلية تقف عند احداث التسعينيات المذكورة فيحكم ان هناك فرقاً تجاه الحقوق العربية بين التيارين، ولكي يكون الحكم متكاملاً ونحن في القرن الجديد فانني ارى ضرورة الجمع بين وجهات النظر للماضي والحاضر والمستقبل وهو امر نناقشه في مقالات تالية.