أجريت عدة محاولات لتوضيح دور الاتجاه المعرفي في تفسير اضطراب الإدمان كأحد الاضطرابات التي تقوم العوامل المعرفية بدور فعال في نشأتها واستمرار تفاقمها وحدوث الانتكاسات بشكل متكرر فيه، ومن ثم اتجه كل من علم النفس الإكلينيكي وعلم نفس الصحة الذي عرف قديما بعلم النفس الطبي؛ والذي يهدف إلى فهم ودراسة العوامل النفسية والسلوكية كافة التي تسهم في بقاء الأفراد ضمن حالات صحية جيدة، وكيفية إصابتهم بالأمراض والاضطرابات سواء الجسمية أو النفسية المختلفة، وأيضا كيفية استجابتهم للأمراض والاضطرابات المصابين بها وفقا لمعتقداتهم واتجاهاتهم الصحية، وذلك بهدف التدخل الوقائي لحمايتهم من الإصابة بمثل هذه الاضطرابات، إلى التركيز على العلاج المعرفي السلوكي بوصفه أولى العلاجات النفسية الفعالة في علاج الإدمان على الكحوليات وسوء استخدام المواد المخدرة. وتؤكد عديد من البحوث أن العوامل المعرفية متمثلة في المعتقدات والأفكار الخاطئة ذات الطبيعة غير التوافقية تُعد أولى المخططات أو الاتجاهات التي تعمل على دفع الفرد نحو تركيز مشاعره وانفعالاته حول عقار أو مادة بعينها، ومن ثم اتجاه سلوكه الفعلي نحو هذه المادة متمثلا في محاولات الحصول عليها، وتتسم مثل هذه المخططات بالمغالاة وتضخيم حجم الاستجابة والتمركز حول النتائج أو المترتبات اللحظية أو الوقتية الناجمة عن استخدام المادة. وقد تكون مثل هذه المخططات على مستوى تصوري أو تخيلي وبعضها الآخر على مستوى انعكاسات آلية نحو استخدام المادة فحسب، كما أن هذه المخططات تكون مبنية على خبرات خاصة ومعتقدات لا توافقية شبه مستقرة لدى الفرد تجعله يتسم بالتصلب والعجز المكتسب والقابلية للاندفاعية نحو القيام بسلوكيات غير مرغوب فيها يصاحبها انفعالات لا توافقية كالقلق والتوتر وبعض الاضطرابات كالاكتئاب والذهان أو الفصام أحيانا. هذا بالإضافة إلى ما أشارت إليه بحوث العلاج من أن اضطراب التفكير هو أساس الاضطرابات الانفعالية، وأن المشكلات النفسية لا تنشأ بالضرورة من قوى غيبية لا يمكن الإفصاح عنها، ولكنها تنتج عن عمليات مألوفة مثل أخطاء التعلم والتفكير أو تلك الاستنتاجات غير الصحيحة أو الخاطئة اعتمادا على معلومات خاطئة أو مزيفة وخبرات سلبية متراكمة. من زاوية أخرى، يقدم لنا النموذج المعرفي لتعاطي المخدرات والانتكاس تصورا مكملا، يمكن بمقتضاه افتراض أن النموذج المعرفي لتعاطي المخدرات ليس نموذجا لنشأة المرض؛ لأن الأسباب العميقة لتعاطي المخدرات متعددة ومتباينة ومتفاعلة. كالاستعداد الوراثي ومحاكاة الوالدين والأصدقاء، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية وضغوط الحياة، والمعتقدات الخاطئة عن تأثيرات المواد المخدرة، وضعف صورة الذات، والتقديرات المتضخمة للسيطرة الشخصية على المادة المخدرة، وسهولة الحصول على المادة المخدرة، والتجنب من خلال التداوي الذاتي، وعوامل أخرى عديدة يمكن أن تفسر حدوث تعاطي المخدرات ومن ثم إدمانها، ومع ذلك فالنموذج المعرفي بوجه خاص هو نظام تصوري مُعلم نفهم من خلاله استمرار سلوكيات تعاطي المخدرات والاعتماد عليها والميل إلى الانتكاس، والمجالات التي يمكن أن تحدث فيها التدخلات العلاجية. ووفقا لهذا النموذج، يمكن أن نضع تصورا يبرز التشابه بين موقف مريض الاكتئاب وموقف الشخص المدمن، فكلاهما يحدث لديه تصدع في منظومة التفكير، فتنشأ الأفكار اللاعقلانية لدى كل منهما، فيحدث لدى الاكتئابي تصدع في علاقته بالآخرين فينعزل عن العالم الخارجي من حوله، كما يحدث لدى الشخص المعتمد تصدع في علاقته بالآخرين يحاول معالجته بمزيد من الهروب نحو المخدرات والمسكرات اعتمادا على مجموعة المعتقدات السلبية غير التكيفية عن المخدرات، وبالتالي يلجأ الشخص إلى التعاطي ومن ثم الاعتماد كمحاولة لإزالة الإحباط الناتج عن هذا الفشل وكمحاولة لإعادة التوافق النفسي المفقود. ويوضح العلاج المعرفي أن أفكار المدمن وسلوكه نحو تعاطي مادة مخدرة بعينها، إنما هي نتاج مجموعة من العوامل المتعددة بعضها عوامل معرفية كالمعتقدات والاتجاهات والتوقعات، وبعضها وجدانية كالانفعالات والحالة المزاجية، ومن هنا انطلق المنظور المعرفي ليشير إلى وجود عدد من المعتقدات والإدراكات الخاصة نحو تعاطي أية مادة مخدرة تتمثل في الخبرات المكتسبة والمتراكمة في مرحلة الطفولة والمراهقة نحو سلوك تعاطي المادة المخدرة وآثارها، كما تتمثل في المعتقدات اللاعقلانية الخاصة بالمنافع والتوقعات والمترتبات الناجمة عن استمرار الاعتماد على المادة المخدرة. نخلص من ذلك إلى أن العلاج المعرفي السلوكي لعلاج اضطراب الإدمان وخفض مستويات الانتكاسات المتكررة، وضع ليفسر ويعالج مختلف الاضطرابات النفسية ومن بينها إدمان الكحوليات وسوء استخدام العقاقير النفسية والمواد المخدرة. د. ضياء الدين عادل محمد حسني اختصاصي العلاج النفسي ماجستير علم نفس الصحة الإكلينيكي جامعة القاهرة