عندما يتبادر إلى ذهن أي فرد البدء في مشروع استثماري صغير، يبرز له سؤال عن المجال والحجم المالي الممكن استثماره تحت هذا التصنيف المرن والمطاطي، لأن مبلغ 50 ألف ريال قد يكون صغيراً في تخصص، ومليون قد يكون هو الآخر صغير في مجال آخر، وقد تصبح 50 مليون أو 100 مليون صغيرة هي أيضا في المجالات الأوسع، وهذا ما نعنيه بالمرونة، بحيث تتشتت الأفكار وتنتهي إلى اليأس، لوجود كيانات اقتصادية كبيرة تغطي كل المشاريع المستهدفة، مما يجعل التصور عدم القدرة على الصمود أمامها في أي مجال يطرقه. وهذا الاعتقاد فيه شئ من الحذر المحبط للعزيمة في اتخاذ القرار، حيث لو نظرنا إلى الأفق الأبعد لاتسعت الرؤيا وتعددت الأفكار وتنوعت الاطروحات، فلو تمعنا جيدا في هذه الكيانات الكبيرة لوجدناها هي المفتاح الحقيقي للمشاريع الصغيرة، وقد تكون هي الحاضنة لها، وهي التي سوف ترعاها وتنميها عكس التصور بأنها تنافسها. فلو أخذنا بالقياس مصانع السيارات وحددنا مدخلاتها في الإنتاج، لوجدنا مئات المواد من حديد، ألمنيوم، جلد، بلاستك، زجاج، قماش، مطاط، كهرباء من أسلاك، مفاتيح، بطاريات وفيوزات، وكذلك الميكانيكا ومشتقاتها من خراطة، كبس، فك وربط والبويات والزيوت، وغيرها الكثير التي تشكل عناصر أساسية لاستكمال صناعة السيارة، وهي خارجة عن الأصل، وهو تصميم المحرك والهيكل العام للسيارة، ومن مهمات المصنع وضع المواصفات لتلك المدخلات، ليتم دمج هذه المدخلات لتتوائم مع التصميم، وهو يقوم أيضاً بمراقبة تجانسها وتآلفها في وحدة المنجز، ومراقبة كلفة الإنتاج، وملاءمتها لمنافذ التصدير، وقدرتها على المنافسة، وإيجاد وكلاء للمناطق، وتوسيع رقعة الانتشار في أرجاء المعمورة. ولهذا فهو لا يستغني عن تلك المنشآت الصغيرة، بل يسعى جاداً لاحتضانها وتشجيعها للاستمرار والازدهار، ليضمن الجزئية الأساسية في مدخلات إنتاجه، فهو لم ولن يكون منافساً، بل رافداً وممولاً في كثير من الأحيان. وعلى هذا المنوال يمكن قياس بقية المصانع الضخمة، التي تسير على نفس النهج في مدخلاتها، ولدينا من الأمثلة في مصانع سابك ما يعطينا القناعة الكافية، عندما تحولت مدينة الجبيل وينبع إلى ورش وخدمات مستظلة تحت دعم ومؤازرة سابك، ناهيك عن المشروعات التي تولدت من هذا التزاوج الإنتاجي بين مصانعها الضخمة، التي فرخت مشروعات أصغر وأصغر، بما يخدم مصالح الجميع. فإنتاجك قد يكون أحد مدخلات منتج آخر، وهكذا يدور الفلك الإنتاجي، ولو أخذنا مثالاً أصغر من سابك، وهو مصنع مكيفات، وتعرفنا على مدخلاته، لوجدناه يحتاج إلى فلاتر، أسلاك، إطارات الألمنيوم، الترموستات، شبكة الفريون النحاسية، المسامير والبراغي وغيرها الكثير، وكل واحدة منها تحتاج إلى ورشة إنتاج مستقلة، ولا يمكننا أن نطلق عليها منافسة لمصانع التكييف، وفي نفس الوقت لا يمكن لتلك المصانع الاستغناء عنها، بل هي مجبرة على تشجيعها واحتضانها، ومد يد المساعدة لها، لأنها تغطي جزئية مكملة لإنتاجها. ومن هنا نأتي إلى المحاذير التي تعرقل الأفكار من بدايتها، دون التبصر في ماهيتها، وهل هي محاذير سالبة لاتخاذ القرار أم موجبة، مما سبق يتضح أنها مخاوف وتردد غير مبرر، لأننا لا نعطي الفكرة مداها الحقيقي في التقصي عن جدواها الفعلية وإمكانياتها في الإبحار، للوصول بها إلى شواطئ الأمان الذي يجعلنا مطمئنين لتنفيذها.