استطاع فاروق جويدة ان يحفر تيارا خاصا به في مجرى الشعر العربي الحديث حيث تتسم قصيدته دوما بالبساطة والعذوبة ورائحة الشجن وفيض الرومانسية والاشواق وعندما نال جويدة جائزة الدولة التقديرية هذا العام، تجدد الاتهام القديم للشاعر الكبير بأنه "شاعر المراهقات" الذي يكتب من اجل التواصل مع الجمهور على طريقة نجوم الغناء دون ان يلقي بالا الى ارضاء ذوق النخبة والنقاد خصوصا. على اية حال، وأيا كان الجدل حول قصيدة جويدة فان المؤكد هو ان الرجل صاحب قيمة ثقافية مهمة من خلال نقده البناء لسياسات وزارة الثقافة المصرية، واحتضانه لأصوات الشباب على صفحات جريدة (الاهرام) التي يشرف على القسم الثقافي بها، كما يجب الا ننسى ان جويدة ظل موجودا بفعالية وقوة على خارطة المشهد الشعري في العشرين عاما الاخيرة في مصر. @ ما شعورك وانت اكثر معارضي وزير الثقافة المصري فاروق حسني حينما تلقيت خبر فوزك بجائزة الدولة التقديرية؟ * فوزي بالجائزة التقديرية كان مفاجأة ضخمة لي، خاصة انني من اولئك الذين لا يسعون الى جائزة فأنا لست منضما لشلة ثقافية ولا اعشق ضجيج الحياة الثقافية.. ولست مستعدا لتضييع عمري على المقاهي وبين تجمعات الفوضى الثقافية فأنا حريص كل الحرص على ان اكثف جهدي ووقتي من اجل الابداع ومناقشة قضايا وطني وامتي وفي هذا الشأن لم ابخل بأي جهد.. وهذا يكفيني.. لذلك كانت الجائزة بالفعل مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لي، خاصة انني اصغر شعراء جيلي.. واصغر من فاز بالجائزة منذ انشائها.. وهذا تقدير كبير لجيلي كله من الوطن والحياة الثقافية.. اما كوني معارضا للوزير.. فمعارضتي ليست لأسباب شخصية، بل كانت من اجل مصر وقضايا الثقافة المصرية.. والتي سأظل اقاتل من اجلها مهما كلفني هذا الامر من خسائر. @ البعض يرى ان فوزك بالجائزة جاء لتحييد قلمك كمعارض بالدرجة الاولى؟ * هذا ليس صحيحا اطلاقا.. فأنا حاصل على اعلى الاصوات ومنذ المرحلة الاولى من التصويت والنقاد الذين اعطوني اصواتهم سواء من اعضاء المجلس الاعلى للثقافة ام مسئولي الهيئات الثقافية نخبة محترمة، حريصة على سمعتها كرموز ثقافية لذلك فالجائزة هي تقدير لي كشاعر.. علما بأنني حصلت على اكبر تقدير في حياتي من خلال تتويج الجماهير لي ولشعري طوال السنوات الماضية وهو ما اعتبره اكبر وسام على صدري.. اما عن تحييد قلمي فهذا المستحيل بعينه، لان رسالتي الاولى هي الدفاع عن مصر وقضاياها ولن تتوقف حملاتي فهي رسالة لن اتخلى عنها. @ انت الشاعر الذي يردد البعض انه الوريث الشرعي لنزار قباني.. كيف ترى هذه المقولة؟ * نزار قباني شاعر كبير وانا احترم تجربته بشدة لكنني لست صدى لاحد.. وتجربتي مختلفة تماما عن تجربة نزار قباني الذي حقق جماهيريته من خلال الاغاني اما انا فتجربتي حققتها بتفردي على مستوى القصيدة والمسرح الشعري معا.. لكن مع الاسف فان من أسوأ الظواهر التي اصابت حياتنا الثقافية هي طغيان منطق القطيع.. وسيادة الاعلى صوتا و هو ما يجتاح في طريقه كل فكر حقيقي وجاد لكن لابد ان نضع الأمور في نصابها ونحترم مشروعات ومنجزات وافكار وآراء الآخرين. @ كيف ترى المشهد الشعري الراهن؟ * لو رصدت المشهد الشعري الراهن فسأحدده في ثلاثة تيارات شعرية (القصيدة الكلاسيكية - التفعيلة - قصيدة النثر) فالاولى مازالت كما هي رغم محاولاتها التجديدية اما التيار الثاني فقد ادى دورا جيدا وكان صلاح عبد الصبور اذكى رموزه، لكنه يمر الآن بعنق زجاجة.. اما قصيدة النثر فمشروعها الشعري لم يتبلور بعد.. كاتب شعري قادر على اضافة الجديد لمسيرة الشعر العربي. @ البعض يرى انك لم تصف الكثير على مستوى التجريب او المسرح الشعري ما ردك؟ * بالعكس فتجربتي الاساس في تقديري هي في مسرحياتي الشعرية التي تعد اضافة مهمة للشعر العربي حيث جسدت مسرحياتي الثلات (الوزير العاشق، ودماء على استار الكعبة، والخديوي) بجرأة قضايا الحرية التي تهم كل الشعوب العربية وهي مسرحيات بشهادة النقاد تتضمن مساحات درامية كثيرة ومتعددة.. اما بخصوص التجريب فأنا اعطي المتلقي اولوية قصوى في قصائدي ولا اقبل استبعاده وانا بطبعي اميل الى الوضوح في قصائدي وهو امر يجسد تلقائيتي وهذا ليس اتهاما لي بل هو اسلوبي الذي ارتضيته لنفسي وقبلني به الناس وتواصلت معهم من خلاله. @ ما سر تحولك اخيرا عن قصيدة الحب الى القصيدة السياسية؟ * القصيدة السياسية موجودة في شعري منذ ديواني الاول الذي يحمل اسم "اوراق من حديثة اكتوبر" وكان شعرا سياسيا.. وتوالت قصائدي واشهرها الى سلمان رشدي التي دافعت فيها عن ديني وقضية الاسلام كرسالة سمحاء.. كما اعتز بقصائدي السياسية التي كتبتها للانتفاضة والتي ستصدر قريبا في ديوان مستقل اهديته الى شهداء الانتفاضة.. وانا ارى ان أي قصيدة تدافع عن الحرية وتناقش قضايا الوطن سيكتب لها الخلود، لان هذه قضايا انسانية لا يختلف فيها البشر، اما قصائد الاحباط والانكسار السياسي فهي التي سيطويها التاريخ من صفحاته التي لا ترحم. @ انت واحد من اشهر معارضي التطبيع والسلام مع اسرائيل على خلفية ناصريتك المعروفة علما بأنك لا تنتمي رسميا لأية احزاب سياسية.. هل ترى ان هذه الشعارات ما زالت صالحة للتداول حتى الآن؟ * انا لم ادخل أي خندق سياسي يوما لان الشاعر اكبر من السياسي والثقافة اكبر من السياسة وانا كمبدع اتجاوز حدود التصنيف السياسي، لذلك ارفض الانضمام الى أي حزب سياسي، لان أي حزب مهما كانت شموليته وروايته اقل بكثير من رحابة ورؤية نظري كمبدع.. كما أن هناك على صعيد رؤيتي ثلاث محاور للقضايا التي اتناولها: هي قضايا الوطن والامة والانسانية.. فبالنسبة لقضايا الوطن أنا حريص جدا على دور مصر ورموزها اما في قضايا الامة فأنا حريص على القضايا التي تمس الجوهر واهمها قضية الصراع العربي الاسرائيلي اما بشأن قضايا الانسان فأنا مؤمن جدا بأننا كأمة تجربة ديمقراطية كاملة، ودور سياسي كبير، وفي هذا الاطار اتحرك، ومن هنا رفضت كامب ديفيد واوسلو.. شعرا ونثرا واختلفت مع السادات وعرفات ومازلت عند موقفي وكنت ومازلت ادرك ان الفلسطينيين لن يصلوا الى شيء من خلال اوسلو، لكنهم سيصلون الى كل شيء عبر العمليات الاستشهادية والضربات الموجعة للمحتل الاسرائيلي. اما بشأن الشعارات الناصرية فأعترف بأن بعضها خذلني، لكن البعض الآخر ترسب في اعماقي وان كانت هناك قضايا مثل الوحدة العربية ومعالجة الصراع العربي الاسرائيلي وحقوق الشعب مازلت على ايماني بها ولن اتغير.