للوهلة الأولى التي أبقى فيها حائرا لا أعرف من أين أبدأ .. أريد أن أكتب عن رجل نبيل لكن الأحرف تخونني وتتطاير من بين الأسطر كلمات كثر عجزت فيها أن أصف "حسن الظاهري" الإنسان وأريد أن أرثيه وقد رحل بصمت .. كان حسن إعلاميا ممزوجا بماء الطيب والمحبة رغم أن مهنة الاعلامي مليئة بالشراسة والمغامرة احيانا بحثا عن الحقيقة وأخرى عن نفس صاحبها ..لكن "أبا ممدوح" المملوء بالهدوء وواسع الصدر.. تحمل كثيرا من الآلام والمواجع وأحيانا الظلم في المهنة ومع كل ذلك لم تفارقه الابتسامة وهو الشغوف بالثقافة والأدب ..حين عدت من الكويت إبان الغزو الغاشم لها خرجت بعد معاناة وقهر وكثير من الوجع ..عدت لوطني محاولا النهوض من جديد كان العمل الاعلامي فيها مليء بالكمائن والدسائس من اجل ان يحظى طرف بمنصب ومكانة عن الطرف الآخر ..تقدمت بثقة للعمل بإحدى كبريات الصحف ومارست العمل لأكثر من ستة أشهر اعمل مجتهدا لكن كمائن تلكم الصحيفة التي أسس فيها رئيسها هذا الخط البذيء كي يبقى على كرسيه صامدا وواثقا أن أحدا لايستطيع الاقتراب منه ..وجدت الظلم وعدم التعيين وانا العائد من هول الحرب والجوع والتشريد ..خرجت من باب تلكم المنظومة الاعلامية مكسور القلب والجناح لا أعرف أين سأذهب وإلى اين سأصل ..وندمت حينها أن عدت لوطني وتمنيت الموت في غربتي على أن أعود بهذا الانكسار ..خرجت ودموعي تحجرت في المآقي وانا اشاهد كل جهد وعمل أقدمه يتم اخفاؤه وشعرت أن استمراري لاجدوى منه ..لكن الله لايكسر قلب عبده رغم "تكالب" البعض ..خرجت هائما حتى وصلت إلى باب الخروج الذي لقيني فيه صدفه حسن الظاهري وكأن الله أرسله لي . القى علي السلام مصافحا ثم بادرني بالسؤال .. "خارج بدري" فرددت عليه وأنا لا أعرفه ..بل خارجا بلا عودة ..هنا أخذني بيده وخرج معي ..كانت حرارة يده توحي بالطمأنينة وعيناه المشعه بالأمل ترغمك ان تفتح له قفصك الصدري لتخرج منه أزيز الرصاص بعد أن خرج من فوهة القلب ليشتعل قهرا من أناس لايهمها الا نفسها ..كنت أذهب صباح كل يوم راجلا واتوقف بين التارة والأخرى رافعا يدي لمن يستكين قلبه ليقف لي وينتشلني من قارعة الطريق كي أكون أول الحاضرين رغم اني أصل وثيابي شبه مبتلة من رطوبة جدة وقسوة البعض من أهلها !! أخذني حسن الظاهري معه في سيارته إلى صحيفة البلاد .لم يكن يعرفني ولم يكن مرغما على فعل ذلك ..وقدمني إلى رئيس تحريرها وكأنه يعرفني من سنوات ..كان موقف حسن نبيلا ..لم يسألني عن خروجي ولم يلومني أو يقلل من عزيمتي بل منحني أخوة صادقة وقلب مليء بالمحبة للجميع ..بقيت احفظ هذا الموقف الجميل "لأبي ممدوح " كلما التقيته في زحمة الحياة ذكرته بموقفه معي فتلمع عيناه بالحب والاخوة الصادقة . بالأمس رحل حسن بعد ابتعاده الهاديء عن الاعلام ..رحل ذلك البدوي الاصيل في معدنه وشهامته مستمتعا بوقته وحياته الخاصة بعيدا عن كل ضوضاء حتى بلغتنا الفجيعة بفقدانه ..غادرنا ابو ممدوح وكأنه يقول لنا ..تقاتلوا على مناصب وعلى مراكز لكنكم لم تلتفتوا يوما ان تقاتلوا من أجل الطمأنينة التي نحتاج لها جميعا لم نتقاتل على ود ..وحب ..وزمالة.. بل مكائد ودسائس كانت وستبقى بعفانتها موؤدة من صدور الشرفاء وأقل مايمكن ان يقال عنها ..صاحبة الجلالة .. رحمك الله ياحسن فقد علمت كل من عمل معك ..أصول المحبة والتآخي والتآزر..وستبقى ذكراك متأصلة في نفس كل من عمل معك وزاملك.. طبت حيا وميتا ياصديقي .