تمر علينا لحظات من الحزن وأخرى من الفرح تبقى لكل منهما بصمة وذكرى مدى الحياة. مرت علي يا جدي الحبيب لحظة وفاتك وكأنها دهر، تلقيت خبر وفاتك وكأنه صاعقة لم أعرف ماذا أقول أو أفعل حينها، كنت معك قبلها بثلاثة أيام ودعتك حينها على أن أراك بعدها لكنني لم أكن أعرف يا جدي أنه الوداع الأخير، لم أكن أعرف أنني لن أرى وجهك الصبوح مرة أخرى، كنت على أمل اللقاء بك ذهبت من منزلك وأنا مشتاقة للعودة إليه لأجلك لكنني عدت إليه وأنا محملة بالأحزان أتدري لم أنا حزينة؟ أتدري لم أنا عائدة؟ عدت أيها الغالي لأحضر عزاءك، جدي عندما دخلت منزلك كان مليئاً بالناس الأعين تدمع والقلوب تتمزق على فراقك كانت دموع عيني تحجب رؤيتي ولكنني أبحث عنك فلم أجدك أبحث عن مكانك وها أنا أراه لكن لم أر جدي الحبيب هناك أدركت حينها انك بالفعل قد رحلت، رحلت وتركتنا للأحزان، رحلت وانطفأ نورنا من بعدك جدي سأقول رحيلاً وليس موتا أو وفاة لأنك لم تمت ولن تموت ما دامت قلوب أبنائك وأحفادك تنبض بالحياة مادمت تعيش في قلوبنا فإنك لن تموت أبدا. جدي هل يستطيع الثرى الذي غيَّب جسدك أن يغيِّب مآثرك؟ جدي إن كل مأثرة لك عبارة عن شجرة تمتد جذورها بعيداً في ضمير الأرض وتتطاول أغصانها عالية في سمائنا وإن كل مأثرة لك خطوة يتبعها أبناؤك وأحفادك. جدي في كل الاتجاهات نجد وجهك الباسم المطمئن إلى صدى روحك بيننا، فالسلام عليك وأنت فينا مورد قوة ونقاء وأمن واستقرار بعد الله عز وجل.. والسلام عليك وأنت في رحاب الله تنعم بغفرانه ورضوانه ووريف جنانه إن شاء الله. المصاب بفقدك يا جدي أكبر من أن يستطيع تصوره فكر أو تصويره بيان فهو مصاب فادح تقف كل نفس عاجزة أمام تصويره أو تأثيره في النفوس. ليست أسرتك يا جدي هي المفجوعة فحسب بل مجتمعك فلم أر وجها إلا وقد ارتسم عليه شبح المأساة وحفرت أخاديده فيه وما حدثني محدث أو محدثة إلا وفي حديثه غصة ونبرة أسى وأثر حزن، يتحدثون عنك يا صاحب القلب الكبير عن شهامتك عن كرمك عن عطفك على الصغير والكبير عن مواجهتك للصعاب بكل شجاعة فأين هذا الرجل الذي يحفر قبره قبل وفاته بعدة سنين ويمر من أمامه في اليوم عدة مرات، أيها الرجل الشامخ، أيها الصابر في زمن نفاد الصبر، أيها الشجاع في زمن الخوف والجبن، أيها الغني بالقيم في زمن المعوزين إلى القيم، انت الذي لم تشتك يوماً بل تتوكل على الله في كل صغيرة وكبيرة. جدي القلم يعجز عن خط صفاتك التي ستملأ مجلدات ومجلدات فاعذرني يا جدي إن لم أوفك حقك.. أما أنت يا جدتي العزيزة يا سيدة السيدات فقد كان موقفك عند الصدمة الأولى بلسماً للمكلوم مهدئاً للروع مثبتاً للجنان لأنك كنت الأشمخ بيننا وكنت في زحمة الخطب ترتفعين بنا فوق الخطب متحدثة إلى الكل ألا جزع رغم الجزع ألا خوف رغم الخوف وفي هذا وحده كان العزاء وكانت الطمأنينة وكان الدعاء عمراً يطول وإرادة تقوى وعزماً لايلين.. وإذا كان صاحبك أيتها العظيمة قد رحل عنا وعنك فما ذلك إلا ليبقى معنا على الدوام رجعاً نفخر به ونعتز به مستمدين من سجاياه معنى لوجودنا ودعائم جديدة تنفض عنا غبار الحزن المخيم على ذواتنا. ألا فليحفظك الله لنا يا جدتي ويطيل في عمرك وأن يرحم لنا جدي رحمة واسعة وليلهمنا جميعاً الصبر والسلوان على رحيله عنا. هذا هو جدي «عليان بن عوض الكودري» الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الخميس الموافق 20/6/1423ه. «إنا لله وإنا إليه راجعون» حفيدتك المحبة لك أمل بنت شافي الجحدري