تبدو المدارس التي تديرها الأممالمتحدة في غزة أبعد ما تكون عن أماكن للتعليم هذه الأيام في خضم صراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة دخل أسبوعه الثاني. الملابس معلقة على الدرابزين وفوق حبال غسيل مؤقتة، والأمهات تنظف الأطفال في أحواض المياه، والفصول الدراسية تحولت إلى عنابر نوم مع جمع الكراسي في الأركان وفرش الأرض بالأغطية. ولا يبدو أن أمام الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل في هذا الشريط الضيق المحصور بين إسرائيل والبحر المتوسط وقطعة صغير مع مصر خيارات كثيرة للاختباء من القصف الجوي. لذلك لجأ كثيرون للمدارس التي تديرها وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي تقدر عدد الفلسطينيين الذين يخيمون في 58 منشأة تعليمية تابعة لها في قطاع غزة بنحو 47 ألفاً. وقال حسن حبوب وهو أب لتسعة أطفال اتخذت عائلته من مدرسة الشاطئ الابتدائية المكونة من أربعة طوابق ملجأ لها "طلعنا من دورنا من غير ما ناخد فراش ولا ناخد أي شيء، دشرنا الدار بحالها وشردنا". وأضاف حبوب الذي فرت عائلته من عسقلان إلى غزة عندما أصبحوا لاجئين في 1948 "مالناش في الدنيا إلا الوكالة، مالناش دور نشرد عليها إلا الوكالة". قصف متواصل ويتواصل القصف الإسرائيلي على غزة نهاراً وليلاً منذ اشتعال الصراع في العاشر من مايو (أيار) فيما يهرع السكان في مدن إسرائيلية مثل عسقلان كل بضع ساعات أو دقائق إلى الملاجئ أو الغرف الآمنة إذا توفرت لديهم للهرب من صواريخ المسلحين. وتقول الأممالمتحدة إن نحو 450 مبنى في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه المليونين قد دمروا أو تضرروا بشدة. وتقول إن 52 ألفاً قد شردوا معظمهم الآن في مدارس تابعة للأمم المتحدة. وتقول إسرائيل إنها تقصف الأهداف العسكرية المشروعة فحسب وتوجه تحذيرات مسبقة إذا استهدفت مباني سكنية تقول إن المسلحين يستخدمونها وتبذل كل ما في وسعها لمنع سقوط ضحايا مدنيين. وقال مارك ريجيف مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لإذاعة "إل.بي.سي" البريطانية يوم الأحد، "حماس تطلق صواريخها تجاه إسرائيل من المساجد، من المدارس، من الملاعب، من المباني قيد الإنشاء، تحديدا لجعل الأمر أكثر صعوبة لنا عند استهدافهم". بلا مأوى قال مسؤولون بالأممالمتحدة إن تدمير الأبراج السكنية والمباني الأخرى جعل الآلاف دون مأوى في قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 متراً مربعاً ويعد أحد أكثر المناطق المكتظة بالسكان على الأرض. وقال مدير عمليات أونروا في غزة ماتياس شمالي، "نعم، في بعض الحالات حذروهم، حموا أرواحهم لكنهم بلا مأوى ويحتاجون إلى إعادة بناء حياتهم بالكامل". وقال إنه حتى منشآت الأممالمتحدة تعرضت لبعض الأضرار الجانبية. وأشار إلى أن الجدار المحيط بمجمع أونروا في مدينة غزة وقد لحق به تكسير وتصدع قائلاً إن انفجارا أصاب طريقاً قريباً مما أدى إلى تطاير كتل من الخرسانة وجزء من سيارة محطمة لداخل المنشأة. وفي إسرائيل تسقط صواريخ المسلحين على مساكن ومبان أخرى، ورغم وجود نظام يرسل تحذيرات عبر صفارات إنذار ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الإذاعة والتلفزيون فإن هذا أحياناً لا يعطي الناس سوى ثوان معدودة للتصرف. وفي أحد التجمعات السكنية قرب غزة أرسلت امرأة رسالة نصية لصديق تقول فيها إنها تلقت ست إنذارات في يوم واحد وثلاثة في ليلة واحدة. وكتبت "تسع إنذارات خلال 24 ساعة" قبل أن تضيف "والآن.. إنذار آخر". وفي قطاع غزة قالت الأونروا، إنها هيأت الكثير من المدارس لاستقبال المشردين بعد التصعيد الكبير السابق في 2014 بين إسرائيل وحماس التي تسيطر على غزة منذ 2007. وتصنف إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حركة حماس منظمة إرهابية، وهو ما ترفضه حماس. وترك إيهاب العطار، الذي يعيش عادة في بيت لاهيا قرب حدود غزة مع إسرائيل، منزله إلى منشآت الأممالمتحدة ثلاث مرات سابقة، في 2014 وخلال القتال في 2008-2009 وفي 2012. ومن جديد لجأ إلى مأوى بمدرسة للأمم المتحدة في 2021. وقال هذه المرة إن منزله دُمر في قصف أدى لمقتل أربعة من أفراد عائلته، ولم يتسن التحقق من تفاصيل الغارة الجوية. وقال العطار متحدثاً من آخر مأوى له في مدرسة الشاطئ الابتدائية بعد قصف منزله في وقت مبكر من صباح الجمعة "كل ما يصير حرب بيطلعونا". وأضاف "أربع حروب طلعونا من نفس البيت".