الفرضية الأساسية التي تقوم عليها استراتيجية الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة هي أن هناك مدينة من الأنفاق موجودة أسفل المدن والبلدات الفلسطينية في القطاع الموجودة على الحدود مع إسرائيل، وفي سبيل القضاء على هذه الأنفاق فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يرى في تدمير المنازل الفلسطينية المقامة فوق الأرض هدفا مشروعا. وتقول وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن ما يزيد عن ربع مليون فلسطيني أجبروا على إخلاء منازلهم في المناطق الحدودية في القطاع وإنهم لجؤوا إلى أكثر من 90 مدرسة حولتها الوكالة إلى ملاجئ لإيواء هؤلاء الفلسطينيين الذين يعتقد بأن قسما كبيرا منهم قد هدمت منازلهم بالفعل. وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) فإن 280 ألف فلسطيني لجؤوا إلى مدارس حكومية ومؤسسات حولتها وكالة (الأونروا) إلى ملاجئ بعد أن طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الفلسطينيين المقيمين في منازل بعمق 3 كيلومترات من الحدود مع إسرائيل إخلاء منازلهم وإلا فإنهم يعرضون أنفسهم لخطر الموت. وقالت(أوتشا) "في كل ملجأ من هذه الملاجئ التسعين هناك ما لا يقل عن 2800 فلسطيني رغم أنه لا يفترض بها أن تستوعب ما لا يزيد على 500 شخص". وأضافت "وهناك ما يقارب 18 ألف فلسطيني في 19 مدرسة حكومية إضافة إلى 7 آلاف شخص لجؤوا إلى مؤسسات حكومية". ومع بدء الحرب الإسرائيلية قيل للمواطنين الفلسطينيين في هذه المناطق عبر رسائل صوتية في الهواتف الأرضية والنقالة ومن خلال بيانات تم إلقاؤها من طائرات حربية في السماء إن إخلاءهم لهذه المنازل سيكون مؤقتا، ولكن بمرور عدة أسابيع على هذه الإنذارات فإن عشرات الآلاف ما زالوا في الملاجئ. الهجمات الإسرائيلية على المنازل الفلسطينية في هذه الأحياء والبلدات ومن بينها الشجاعية وخزاعة أظهرت حقدا وانتقاما، إذ أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه في يوم واحد فقط من الهجمات على حي الشجاعية ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية 120 قنبلة كل منها بزنة طن. وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر "منذ بداية النزاع فر أكثر من 350000 شخص ولاذوا بالمخيمات والمدارس ودور العبادة ومساكن الأقارب بحثاً عن مأوى، ولكن تولّد لدى الكثيرين شعور بأنه ليس ثمة مكان آمن تماماً، ومن ثم يعيش الناس في خوف دائم من الموت بسبب العنف، وأُنهكت قوى عدد كبير منهم بسبب عدم النوم لمدة أيام عانوا خلالها من ليال مروعة مدوية بضجيج القصف". وليس ثمة حاجة لتدقيق كبير لاكتشاف نتائج هذا القصف إذ تحولت الآلاف من المنازل في الشجاعية وخزاعة وعشرات الأحياء والبلدات الأخرى إلى أكوام كبيرة من الحجارة وبدأت تثار أسئلة كبيرة على مصير من تبقى من أصحابها بعد انتهاء الحرب سيما أن الموسم الدراسي قد اقترب في ظل بقاء عشرات الآلاف من العائلات في هذه المدارس"الملاجئ". فاستنادا إلى معطيات دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية فإن الاحتلال الإسرائيلي دمر ما لا يقل عن 3050 منزلا في قطاع غزة منذ بدء الحرب فضلا عن تدمير 5238 منشأة بشكل كامل و4373 بشكل جزئي.
تدمير المساجد والمدارس كما تشير الدائرة الفلسطينية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دمر 136 مدرسة و8 مساجد بشكل كلي و80 مسجدا بشكل جزئي إضافة إلى تدمير جزئي لكنيستين ومقبرة. وتقول"تم تدمير 13 مستشفى و10 عيادات، وتسبب التدمير الإسرائيلي في إغلاق 34 منشأة صحية، كما تم تدمير سيارة إسعاف وأصيب 38 وقتل 15 من أفراد الطواقم الطبية". هذه المنازل والمنشآت والمساجد كانت بلغة أرقام جيش الاحتلال الإسرائيلي "أهدافا إرهابية"، إذ قال في بيان إنه "منذ بداية العملية تم استهداف 4500 هدف". وللمرة الأولى في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فقد أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف وتدمير مساجد من بينها 5 مساجد قال جيش الاحتلال إنه استهدفها مساء الجمعة لأنها "استخدمت كمخازن للوسائل القتالية"، وهو ما ينفيه السكان المحليون. وفي ظل انقطاع الكهرباء الناتج عن قصف الاحتلال الإسرائيلي لمخازن وقود تابعة لمحطة توليد الكهرباء، فضلا عن نقص المياه والمواد الغذائية تقول (الأونروا) "إن هنالك خوفا حقيقيا من حدوث كارثة صحية عامة من خلال تفشي الأمراض بسبب نقص مرافق المياه والصرف الصحي الملائمين في الملاجئ المخصصة". وقد كانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت أن الهدف من حربها على غزة هو القضاء على هذه الأنفاق ولكن مع اقتراب مرور شهر على هذه الحرب فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي ما زال يقول إنه يقترب من القضاء على هذه الأنفاق. ويقول افيحاي ادرعي، الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، على شبكة التواصل الاجتماعي "حرصت حماس خلال سنوات على إنشاء منظومة أنفاق استراتيجية، ولكن الآن وخلال عدة أسابيع يتم استكمال تدمير الجزء الأكبر منها" وأضاف "منظومات حماس الاستراتيجية تضرب ساعة بعد ساعة 4 سنوات من الإنشاء يتم تدميرها في بضعة أيام وحماس تفهم ما حجم خسائرها". ولكن وزارة الإعلام الفلسطينية تؤكد أن هذا ليس سوى ادعاء، فتشير إلى أن "إسرائيل تسعى لتدمير كافة القرى والبلدات على طول حدود القطاع بعمق 3 كيلومترات أي 170 كم من مجموع مساحة القطاع البالغة تقريباً 360 كم، وهو ما يعني إعادة احتلال 47% من مساحة قطاع غزة، وتهجير ما يقارب 800 ألف مواطن فلسطيني ودفعهم نحو العمق مما يعني اكتظاظاً شديداً في مساحة هي بالأساس الأكثر اكتظاظاً سكانياً في العالم". وبحسب وزارة الإعلام فإن من شأن ذلك "تدمير عشرات القرى والبلدات، وضرب الزراعة بشكل كبير، واستنزاف المياه الجوفية المستنزفة أصلاً"، وقالت "باختصار فإن الهدف هو تحويل قطاع غزة من "معتقل" بفعل الحصار الإسرائيلي إلى زنزانة لنحو مليون وثمانمئة ألف مواطن فلسطيني".
76 عائلة فقدت 3 من أفرادها ولم تكن خسائر البشر بأقل من خسائر الحجر، إذ تشير وكالة (أوتشا) إلى أن 76 عائلة فلسطينية فقدت 3 أو أكثر من أفرادها في حدث واحد، مشيرة إلى أنه يصل عدد هؤلاء إلى 400 شهيد. وبحسب (أوتشا) فإن من بين 1763 استشهدوا حتى صباح أمس فإن ما لا يقل عن 926 شخصا هم من المدنيين من بينهم 286 من الأطفال و187 من النساء، فيما أصيب 8950 شخصا غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن. وفي شهادته أمام مجلس الأمن الدولي على ما يجري في غزة قال المفوض العام للأونروا بيير كرينبول "لقد رأيت الأضرار الواسعة النطاق التي لحقت بأحياء كاملة وأصابت البنية التحتية الأساسية، وشهدت بشكل خاص التكلفة البشرية الكارثية لهذه الحرب، في جناح طب الأطفال في المستشفى الرئيسي في غزة، حيث الأجساد المهشمة التي تمثل النتيجة الفعلية – وغير المقبولة – لنزاع مسلح يشن باستعمال القوة المفرطة – وغير المتناسبة أحياناً – في أماكن حضرية مزدحمة بالسكان". وأضاف "من بين العديد من الأطفال الممددين في الغرف والممرات، كان هناك يوسف، ابن الأشهر الخمسة الذي نجا بالكاد وليس بشكل نهائي بعد من قصف مبنى مدرسة الأونروا في جباليا يوم أمس. أنا نفسي لديّ أطفال، كما هو حال الكثيرين منكم حول مائدة الاجتماع، وما رأيته اليوم من جروح مروعة قد حطمني. أنا أشير إلى الصغير يوسف لأنني أرفض دائماً إغفال الأسماء في حالات الوفاة والإصابة. ففي كثير من الأحيان تشير التقارير الآتية من مناطق الحروب إلى قوائم بالأعداد. ولكن الأطفال الفلسطينيين الذين رأيتهم اليوم ليسوا إحصاءات، ووراء كل وفاة وكل إصابة توجد رواية ويوجد مصير ينبغي احترامه".
استهداف الملاجئ ليس ثمة احترام إسرائيلي لا لرواية ولا لمصير الشهداء من الأطفال، إذ فضلا عن استهداف الأطفال في بيوتهم فقد تم استهدافهم في الملاجئ التي لجؤوا إليها من آلة الحرب الإسرائيلية كما تمت ملاحقتهم في حديقة ترفيهية في اليوم الأول من عيد الفطر بينما كانوا يلهون ببراءة بمناسبة العيد. جيش الاحتلال ادعى أن القصف كان مصدره فلسطينيا، وهو ما نفاه الفلسطينيون والمؤسسات الدولية حتى الصحفيون، بمن فيهم الدوليون، الذين كانوا شهود عيان على المجازر الإسرائيلية. ويقول المفوض العام للأونروا بيير كرينبول "بالنظر إلى تعرض مدارس الأونروا للقصف في 6 مناسبات، فإنني أرى أن السكان يقفون على شفا هاوية، وأناشد المجتمع الدولي أن يتخذ الخطوات الضرورية لمعالجة هذا الوضع البالغ الخطورة. وفيما إذا حدث المزيد من التهجير على نطاق واسع، فسيكون على دولة الاحتلال، وفقاً للقانون الإنساني الدولي، أن تتحمل المسؤولية المباشرة عن مساعدة هؤلاء الأشخاص". وبمقابل المجزرة المفتوحة التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين فقد مني جيش الاحتلال الإسرائيلي بخسارة غير مسبوقة في صفوفه. فقد أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 63 من جنوده وضباطه في هجمات نفذها مسلحون فلسطينيون في قطاع غزة في غضون أسبوعين فقط من بدء العدوان البري الإسرائيلي على قطاع غزة، في حين تشير معطيات مستشفيي برزلاي وسوروكا الإسرائيليين إلى إصابة ما يزيد على 1000 جندي إسرائيلي في هجمات الفلسطينيين. أضف إلى ذلك أن المقاومين الفلسطينيين نجحوا في اختطاف جنديين إسرائيليين لم يتضح بعد ما إذا كانا على قيد الحياة أم لا وإن كان الجيش الإسرائيلي رجح مقتل أحدهما. ويتضح من تقارير إسرائيلية أن ثمة 3 عوامل ساعدت في إسقاط هذا العدد الكبير جدا من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي وهي الأنفاق حيث كان المسلحون يخرون من الأنفاق ويطلقون النار على الجنود الإسرائيليين ومن ثم يعودون إلى داخل قطاع غزة، أما العامل الثاني فهو الصواريخ المضادة للصواريخ (الكورنيت) التي أدت إلى مقتل ما يزيد على 20 جنديا فيما أن العامل الثالث هو قذائف الهاون التي كانت الأكثر فتكا بالجنود الإسرائيليين وتحديدا في المناطق الإسرائيلية على حدود قطاع غزة. وبحسب التقارير الإسرائيلية فإن أداء المقاومة الفلسطينية أذهل دوائر صنع القرار في إسرائيل بمقابل أدائها في الحربين السابقتين عام 2009 و2012، وهو ما دفع صناع القرار في إسرائيل إلى تجنب اتخاذ القرار بتنفيذ عملية برية واسعة في قطاع غزة.
نجاح المقاومة ونجحت المقاومة الفلسطينية في استمرار إسقاط الصواريخ على جنوب ووسط وشمال إسرائيل منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة قبل نحو الشهر، حيث أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن الفلسطينيين أطلقوا ما يزيد على 3034 صاروخا على إسرائيل منذ بدء الحرب. وأعلنت نجمة داود الحمراء أن 3 مدنيين إسرائيليين قتلوا نتيجة سقوط الصواريخ على إسرائيل التي تسببت أيضا في تدمير عدد من المنازل والسيارات والمباني. ثمة العديد مما هو جديد في الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة أبرزها وحدة الموقف الفلسطيني كما تم التعبير عنها في إرسال وفد فلسطيني موحد إلى مصر للتفاوض حول وقف إطلاق النار ومشاركة جميع الفصائل في صد العدوان الإسرائيلي على غزة وأن دول أميركا اللاتينية هي النصير الأول وربما الوحيد للفلسطينيين في هذه الحرب. عندما اشترطت إسرائيل ما أسمته حقها في ضرب الأنفاق خلال فترة التهدئة اعتبر الفلسطينيون ذلك محاولة إسرائيلية لحفر نفق أسفل جهود التهدئة وحذروا الأميركيين والأممالمتحدة من أن ذلك دليل على أن إسرائيل غير معنية بتثبيت التهدئة وأن إسرائيل تستغل حجة الأنفاق لتدمير المنازل والمساجد والمدارس وأن أي مقاومة فلسطينية لهذه النشاطات ستكون دفاعا عن النفس. لم يستمع الأميركيون والأممالمتحدة لأقوال الفلسطينيين وتم إعلان التهدئة لمدة 72 ساعة وفي صبيحة يوم إعلان التهدئة قصفت إسرائيل المنازل والمساجد في رفح بحجة أن ذلك من حقها مما أدى إلى تفجير جهود التهدئة تماما كما توقع الفلسطينيون. الرئاسة الفلسطينية أوفدت وفدا يمثل كل الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة للبحث في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حين أعلنت إسرائيل أنها لن تشارك في مثل هكذا محادثات بعد الآن. الكل مستهدف في "القطاع" قصة من الواقع في غزة أوردتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عند منتصف الظهيرة في أحد الشوارع أمام مبنى من سبعة طوابق شمال قطاع غزة كان صبي يلعب بالكرة بمفرده عندما مر به رجل وجلس على ركبتيه أمام الطفل وأمسك بيده الصغيرة كأنه عم حنون وقال له "الله يحميك". لاحظ والد الطفل ما فعله ذلك الرجل المنحني أمام ابنه فلم يعجبه الأمر لأن الرجل الغريب هو أحد المقاتلين المستهدفين ويعتبر "صيدا ثمينا" والكل يعرف ذلك. وما كان من الأب إلا أن نادى ابنه وأرسله إلى البيت عند أمه في الطابق الرابع. وما هي إلا دقائق معدودة حتى انشطر المبنى إلى شطرين من جراء غارة جوية. ولم يعد هناك طابق رابع. وعندما استيقظ الأب في المستشفى – وهو المستشفى ذاته الذي تعرض للقصف قبل بضعة أيام مما أدى إلى مقتل عدد من المرضى وجرح العشرات من المدنيين بمن فيهم الطواقم الطبية – كانت أولى كلماته "أين عائلتي"؟. أخبره الأطباء أن عائلته قتلت ومن بينهم ابنه الصغير وزوجته ووالدته. وأخبروه أيضا أنهم قد بتروا ساقه اليسرى إلى ما فوق الركبة. وكانت ترقد على السرير المحاذي لسريره في ذلك المستشفى طفلة في الثالثة من العمر اسمها فاطمة وكانت تتلوى من الألم. ولقد أصيبت هذه الطفلة بشظية في عمودها الفقري وكانت تقف بجانبها ابنة عمها التي تبدو عليها الصدمة من جراء القصف.