إن طبيعة التغيرات الاقتصادية تستلزم تفكير استراتيجي عميق ورؤية ثاقبة للتحول من القيد النفطي إلى الاقتصاد المتنوع الذي يعتمد على القوى الداخلية وتوجيه كل الطاقات إلى الاستثمار أكثر منها إلى الادخار. لذلك فإن هذا التحول يتطلب تغييرات جذرية بدءاً من طبيعة المنظمات والبنى التحتية والتشريعات والقوانين، والاستعداد المعرفي والقدرة الابتكارية والتقنية؛ وذلك لأن التنافسية الاقتصادية في عالم اليوم تعتمد على جودة وحسن استغلال رأس المال الفكري. وهذا ما أشارت إليه خطط التنمية المتعاقبة من خلال تعزيز التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، بدعم الاهتمام بالبحث والتطوير، حيث تأمل المملكة بحلول 2030 أن تصبح مجتمعاً معرفياً من خلال تحقيق بعض السياسات منها نشر ثقافة الاقتصاد القائم على المعرفة وتمويلها وتمكين الموارد البشرية منها وتنمية القدرات المعرفية للقوى العاملة الوطنية علماً ومهارةً وإنتاجاً. إلا أن هذه التغيرات تتطلب تبني سلوكيات محددة،فالاقتصاد المعرفي لا يقوم فقط على ثقافة تنظيمية مفتوحة؛ بل يعتمد على القيم والأفكار والسلوكيات والمعتقدات التي تدعم التحول إلى الاقتصاد المعرفي مثل التعلم والمعرفة ونقل الخبرات والمشاركة. وهذا الفكر يختلف عما كان عليه في السابق حيث كان سر التميز والتقدم في المنظمات يكمن في مقدرتها على المحافظة على سر جودة منتجاتها، أما في وقتنا الراهن وما يتميز به من انفجاراً تقنياً ومعرفياً أضحت الجودة كتاباً مفتوحاً واتجهت المنظمات لبناء ثقافتها الخاصة بها، التي لا تشترط توحيدها في المنظمة الواحدة، بل تعتمد على تنوع الأفكار وتكاملها وتكيفها بحسب أنشطتها. كما أن هذا التكيف الثقافي يشكل جزءاً من التحدي،خاصة عندما يملي هذا التحول معايير معينة لا تلبيها المعايير الحالية لبيئة المنظمة. لذلك ينبغي إدراك متى يتم التكيف، ومتى يتم التجاوز بشكل مقنع، ومتى يتم دمج القواعد والممارسات أو المنظورات المتنوعة فكرياً. فالتنوع الفكري ضروري للتكيف والاستعداد لاستغلال الفرص والانفتاح على خبرات جديدة ودعم الإبداع والابتكار، وتحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة صريحة ونشرها واستثمارها وتبادل الخبرات المعرفية. وتأسيساً على ما سبق فأنه يجب أنلاتُغفل المنظمات تطلعات رؤية المملكة 2030 في التحول للاقتصاد المعرفي الذي يهدف للتنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، ويعتمد على الاستثمار في رأس المال الفكري. كما أن الأساس الذي ينطلق منه هذا التحول لاقتصاد المعرفة هو طبيعة المنظمات وثقافتها. وختاماً يمكننا القول بأن التحول للاقتصاد المعرفي لم يعد خياراً؛ بل ضرورة تفرضها التغيرات الاقتصادية وطبيعة العصر، فهل ثقافة منظماتنا تتبنى تحقيق هذه الضرورة؟ *ماجستير إدارة وتخطيط تربوي