برزت في السنوات الأخيرة العديد من التغيرات في ميدان التعليم، ولعل من أهم تلك التغيرات التحول نحو الاقتصاد المعرفي، والذي يقصد به إنتاج ونشر وتوظيف المعرفة والمشاركة فيها واستخدامها. ويهدف إلى تحسين نوعية الحياة من خلال الإفادة من خدمة معلوماتية ثرية، وتطبيقات تكنولوجية متطورة، واستخدام للعقل البشري كرأس للمال، وتوظيف البحث العلمي لتحقيق التنمية الشاملة في شتى مجالات الحياة، وفي هذا الصدد يقول أحد المفكرين اليابانيين إن معظم دول العالم تعيش على ثروات تقع تحت أقدامها، أما نحن في اليابان فنعيش على ثروة فوق أقدامنا تزداد وتعطي بقدر ما نأخذ منها، فالمعرفة رأس مال لا ينضب بل يزداد باستخدامه. ولقد أصبح التوجه نحو الاقتصاد المعرفي توجهاً عالمياً، حيث يعد من أهم أهداف منظمات عالمية مثل اليونسكو والاتحاد الأوربي والاتحاد الدولي لمعالجة المعلومات، كما أشار التقرير الذي أعده البنك الدولي بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (2013م) أن زيادة الاستثمار في الاقتصاد المعرفي سيكون مطلباً مهماً لمواجهة التحدي الذي سيواجه البلدان العربية، وهذا يتطلب إصلاحات في مختلف القطاعات، ولاسيما قطاع التعليم الذي يعد مسؤولاً عن إعداد الطلاب ليكونوا فاعلين في عالم الاقتصاد المبني على المعرفة. وفي المملكة العربية السعودية تبنت خطة التنمية التاسعة (2010م- 2014م) التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة إذ أكدت الخطة على أن التعليم يشكل المنظومة الرئيسة لنشر المعرفة في المجتمع، كما ركزت الخطة المستقبلية للتعليم الجامعي(آفاق) على توجهات من أهمها التوجه نحو الاقتصاد المعرفي. إلا أن بعض المؤشرات الدولية والداخلية التي تهتم بقياس مخرجات التعليم في المملكة العربية السعودية أشارت إلى تدني مستوى تلك المخرجات في بعض مهارات الاقتصاد المعرفي؛ ولكي يتحقق التحول نحو الاقتصاد المعرفي ينبغي علينا العمل على تحقيق متطلباته، ومن أهم تلك المتطلبات تحديد معايير الاقتصاد المعرفي في البرامج الأكاديمية، والعمل على تقويمها وتطويرها في ضوء تلك المعايير، وتطوير المناهج وفق اقتصاد المعرفة بحيث تنطلق من رؤية تربوية معاصرة تتوافق مع المستجدات والتطورات العلمية، وتبنى بطريقة وظيفية تتضمن خبرات متنوعة، وتراعي الجانب التطبيقي، وتراعي طبيعة المادة، وخصائص المتعلم، وفق المنهج المحوري، وتركز على تنمية المهارات والاتجاهات التي تساعد المتعلم على التكيف مع متطلبات العصر من خلال استراتيجيات متنوعة للتعلم والتعليم، والتركيز على مهارات الاقتصاد المعرفي كمهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات واتخاذ القرار، وتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعمل الجماعي والتعاون والإبداع والابتكار، والتعامل بفاعلية مع التنوع المعرفي، والتمكن من مهارات البحث العلمي؛ من أجل تعزيز قدرة المتعلم على متابعة التعلم مدى الحياة، وإعداد متعلم صالح متكامل الشخصية يسهم في بناء المجتمع وتطويره، قادر على التفاعل الايجابي مع الثقافات الأخرى والأسرة الدولية، ومتغيرات العصر، ومحافظ على هويته الإسلامية وانتمائه الوطني.