في نهاية إحدى السنوات جلس رجلٌ مسنٌ في مكتبة وأخذ ورقة وقلم ثم كتب: يالها من سنة سيئة وحظ سيء؛ هذا العام تقاعدت من عملي، وتوفي والدي، ورسب ابني في الاختبارات الجامعية، وأجريت عملية المرارة، فجاءت زوجته وأخذت الورقة وكتبت عليها من الخلف: يالها من سنة مميزة وحظ حسن؛ هذا العام تقاعدت من عملك وسوف تتفرغ للتأليف والكتابة بعد أن تعاقدت معك إحدى الشركات، وتوفي والدك بعد أن بلغ خمسةً وثمانين عاماً وهو بصحة جيدة، لا يشكو من أي أعراض ولم يسبب لأحد مشاكل، ورسب ابنك في الاختبارات الجامعية وسيحظى بفرصة جديدة في تخصص جديد، وأجريت عملية المرارة وتخلصت من آلامها التي لازمتك لسنوات عديدة. وهنا أعود بالذاكرة لمقولة أحد المفكرين الذين قالوا: "لا يوجد في العالم شيء حسن وآخر قبيح، إنما نظرتك للأشياء هي التي تجعل الأمور تبدو كذلك". بإمكاننا أن نجعل الأمور تبدو جميلة وممتعة؛ عندما نتعامل معها بالشكل الحسن، وبإمكاننا أن نجعلها عكس ذلك تماماً عندما نتعامل معها بسلبية وسوء تصرف، فالسعادة والحزن أمورٌ نسبية بأيدينا أن نرفع من معدلاتها وبإمكاننا أن نقلل منها، والتأني والتفكير بإيجابية والنظر من زاوية واسعة تجعل الخيارات تبدو أمامنا متعددة، وتجعلنا نتوصل لنتائج لم نكن نعرفها من قبل، وربما تكون عواقب الكثير من تصرفاتنا وخيمة عندما نستعجل لثواني معدودة فقط في اتخاذ القرار، وهناك قاعدة مميزة في هذا الصدد هي قاعدة فكر قبل أن تعمل، وقاعدة أخرى لا تقل تميزاً عنها هي قاعدة انتظر دقيقة، وتعني أنه من الأفضل عليك أن تنتظر دقيقةً واحدة قبل اتخاذ بعض القرارات العاجلة، والتي يتطلب منك الموقف البت فيها بشكل سريع، فهذه الدقيقة قد تتضح فيها الصورة أمامنا أكثر من ذي قبل، وقد تتبادر إلى أذهاننا من الحلول ما كان غائباً عنها. أما القاعدة الأولى فكر قبل أن تعمل فهي قاعدة مفتوحة الوقت، بمعنى أنها لا تعتمد على وقت معين، فهنا تكون المساحة الزمنية من صالحنا وعلينا أن نفكر قبل أن نقدم على أي عمل، ولو تأملنا في الكثير من المشكلات التي تواجهنا؛ لوجدنا أننا لا نعطي أنفسنا المساحة الكافية من الوقت للتفكير قبل اتخاذ القرار، وهو ما يعود علينا بالندم والحسرة في أحيان كثيرة. إنني أدعوكم وأدعو نفسي للتفكير بعقلية الوفرة والابتعاد عن التفكير بعقلية الشح، فالحياة مليئة بالفرص وبإمكاننا الاستفادة منها متى ما أردنا ذلك، وبإمكاننا أيضاً أن نصنع الفرص ولا نكتفي بالبحث عنها، ولو أدرك كل واحد منا أهمية دوره وقيمة وجوده في الحياة لعرف أنه كائن عظيم، فالإنسان الذي جعله الله خليفة في الأرض وأوكل إليه مسؤولية عمارتها، وتحمّل الأمانة التي أبت السماوات والأرض أن تحملها يستطيع أن يصنع الكثير. وأن يغير في العالم للأفضل عندما يفكر ويتفكر ويحسن التدبير، وفي النهاية أتمنى أن نفكر أكثر في عامنا هذا، وأن نتفكر في عامنا الماضي، وأن نحسن التدبير في أعوامنا القادمة.