قرأت عن لاعب تنس شهير عانى من مرض الإيدز بعد نقل دم ملوث له في أثناء عملية القلب المفتوح. فكتب إليه المعجبون مواسين. وتساءل أحدهم: لماذا اختارك الله لتعاني من هذا المرض اللعين؟ كان جوابه مفعماً بالإيمان والحكمة! فقد كتب: من بين 500 مليون بدأوا ممارسة التنس، لم يتعلم قواعد اللعبة إلا 50 مليونا، وأصبح 5 ملايين منهم لاعبين محترفين، ووصل من هؤلاء إلى ملاعب المحترفين 50 ألفا، ووصل من هؤلاء 5 آلاف للمنافسة على بطولة "الجراند سلام" في فرنسا، ومن هؤلاء وصل خمسون للمنافسة على بطولة ويمبلدون في بريطانيا، فوصل أربعة إلى دور ما قبل النهائي، ومنهم وصل اثنان إلى النهائي، ففزت أنا، وأخذت كأس البطولة ورفعته فرحاً. وفي تلك اللحظة لم أسأل ربي: لماذا أنا؟! كثيرون منا لا ينظرون إلى النصف المملوء من الكأس بل إلى النصف الفارغ! وقد قرأت عن كاتب تقاعد فجلس في بيته وراح يعدد ما حصل له: في العام الماضي تمت إزالة مرارتي ولازمت الفراش عدة شهور، وبلغت الستين من العمر فتركت وظيفتي التي ظللت أعمل فيها ثلاثين عاما، وتوفي والدي، ورسب ابني في بكالوريوس كلية الطب لتعطله عن الدراسة عدة شهور بسبب إصابته في حادث سيارة. وختم كلامه بعبارة: يا له من عام سيئ. فدخلت زوجته غرفة مكتبه، ولاحظت شروده، فاقتربت منه، ومن فوق كتفه قرأت ما كتب، فغادرت الغرفة. ثم عادت ومعها ورقة أخرى وضعتها في هدوء بجوار ورقته! فتناول ورقتها وقرأ: في العام الماضي شفيتَ من آلام المرارة التي عذبتك سنوات طويلة. وبلغتَ الستين وأنت في تمام الصحة، وستتفرغ للكتابة والتأليف بعد التقاعد. وعاش والدك حتى بلغ الخامسة والثمانين دون أن يسبب متاعب لغيره، وتوفي في هدوء دون أن يتألم. ونجا ابنك من الموت في حادث سيارة، وشفي بلا عاهات. وختمت عبارتها: يا له من عام تغلب فيه حظنا الحسن على حظنا السيئ. وهذا كاتب ينظر إلى النصف المملوء وهو يصف حاله عندما تزوج قبل نهاية الستينيات من القرن الماضي. فقد استأجر شقة لم يستطع حشوها بالأثاث، وكان يأكل اللحم مرة في الأسبوع. أما وسيلة المواصلات المتاحة له فهي قدماه. ولم تكن زوجته تشكو أو تضيق أو تتبرم، فقد رزقها الله القناعة والرضا. ويتابع: حين كنا نسافر كنا نجذب باب الشقة خلفنا ونمضى، إذ لم يكن فيها ما نقلق أو نخاف عليه، ولو داهم اللصوص الشقة فلن يجدوا شيئا يسرقونه، بل ربما تركوا لنا شيئا من باب الشفقة. ومضت الحياة هادئة وادعة، بحلوها ومرها، ورزقنا الله البنات والبنين ونعماً كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولله الفضل والمنة، لكننا بقينا على حالة الزهد لا نفارقها ولا تفارقنا، إلا لماماً. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز