فهد الطريسي لا شك ان الامن الوطني خط احمر فللامن الوطني في الداخل رجاله ولتجاوزات الخارجية رجالها، لذلك جاء القرار السعودي مؤيدا ومرحبا به شعبيا لارتباطه بسيادة هذا الوطن وهذه الارض وعزة الامة السعودية التي تجاوزت اقليمها الى النطاق العالمي. هناك دائما اعتقاد انطباعي بأن الدول الغربية عموما حسنة النية عندما يتعلق الأمر ببعض سياساتها الخارجية على أساس أنها دول تتمتع بشفافية او كما يقال بديموقراطية وحريات مكفولة للجميع. الحقيقة أن هذا الأمر هو الصورة التي يعكسها الإعلام الغربي من خلال الميديا بشكل محترف جدا ، بحيث تخفي هذه الصورة المبهرة والمربكة خلفها حقائق لا يراد لها أن تظهر الى العلن. إن الدول الغربية في الواقع لا يمكن أن تعتمد فقط على فكرة حكم الشعب ، فهذه الفكرة شديدة الطوباوية والمثالية لا تقف على قدمين عندما يتم انزالها على أرض الواقع وذلك من محورين: المحور الأول: أنها فكرة مناهضة لواقع التاريخ البشري ، والذي ظلت عبره الدول والامبراطوريات تخضع لتدابير أمنية واستخباراتية تمنع دون تحول النظرية الى سبب للفوضى. أما المحور الثاني ؛ فهذه النظرية عند تطبيقها أو اعلان تطبيقها على أرض الواقع ستجابه بدون شك بالنزعات والمصالح المتعارضة وهو ما قد يلقي بالدولة الى الهشاسة ثم دخولها في تصنيف الدول الفاشلة. ربما يمكننا أن نقرب هذا الأمر الى الأذهان بالحروب التي خاضتها بعد الدول الغربية من أجل استنزاف الدول الأضعف ؛ حيث يقابلنا سؤال جوهري: هل شاركت شعوب الدول الغربية في اتخاذ قرارات حكوماتها باحتلال هذه الدول؟ الإجابة المؤكدة أن هذه الدول لا يمكن أبدا أن تسمح بتقليص نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني بمجرد اتاحة الفرصة لشعوبها الطيبة لكي تناهض هذه القرارات ضد المصالح ذات الطابع العسكري. مالذي يجعل الحديث عن اليهود وعن حقيقة المحرقة اليهودية (الهولوكوست) قضية لا يجوز ابدا ان تطرح حتى في حلم أي مواطن غربي؟ ولماذا تسن دول غربية كثيرة من ضمنها كندا قوانين تمنع انكار المحرقة النازية أو حتى التعرض للماسونية الصهيونية المسيطرة على دفة مركب التفاعلات الدولية منذ اكثر من قرنين من الزمان؟... لا يمكنك-في كل الدول الغربية وحتى أكثرها زعما للحرية- أن تعتمد على ما يسمى بحرية التعبير حينما تمس قضايا ذات صلة بالصهيونية العالمية. في كتابه القيم المثقفون المزيفون ، سرد باسكال بونيفاس كيف يتم قمع حرية التعبير عندما يكون هذا التعبير منصبا على مناهضة المشروع الصهيوني والكولونيالي في دول الغرب. باسكال نفسه لم يسلم من القمع والاضطهاد والاقالة من العمل بل وصل الأمر الى محاصرته اقتصاديا وادخاله في قضايا ومحاكم كثيرة جدا بغرض تقويض نزعته وتحييده ليندمج مع الخطاب الزائف الذي يعتمد عليه المثقفون الغربيون كسلم ارتقاء نحو الأضواء. باسكال تحدث عن مسألتين مهمتين يمكن للمثقف المزيف أن يستغلهما عبر كتاباته لكي يحصل على الإهتمام والأضواء وهما: – النواح على ضحايا الهولوكوست. -والطعن في الإسلام. والسؤال: أين الشعوب الغربية من هذه الخطوط الحمراء التي تضعها أجهزة صنع القرار في دولهم؟ وهل شاركوا فيها؟ وهل تقبل هذه الشعوب تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير على نفسها؟ هذه الحقيقة الخطيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالدور المرسوم لكندا منذ ما يسمى بالربيع العربي. فكندا مثلا اتخذت قرارات شديدة الخطورة بعد ثورة الثلاثين من يونيو في مصر ؛ ومن أهم تلك القرارات تسهيل منح اللاجئين المصريين الحصول على اللجوء في كندا دون حتى المرور -كباقي المهاجرين من الدول الأخرى- على القضاء الكندي وهو السلطة الوحيدة التي كان مخولا لها الفصل في طلبات اللجوء. كان واضحا تماما أن كندا تلعب لعبتها الاستخبارية وتوظف طاقاتها لاستقبال اللاجئين من تنظيم الاخوان المسلمين الإرهابي وخلال بضعة سنوات استقبلت كندا آلاف من اعضاء تنظيم الآخوان ومنحتهم -فورا- وبدون قيد او شرط حق اللجوء والتمتع بالامتيازات الكندية. اعترضت مصر على ذلك ؛ فأوفدت كندا في عام 2017 وزير الهجرة ذو الأصول الصومالية أحمد حسين الى مصر لكي ينفي ما هو معلوم بالضرورة من أن منح هؤلاء الإخوان اللجوء الفوري لم يكن بسبب الطعن في الأمن المصري. طبعا هذا كلام فارغ ؛ فاللجوء إما أن يكون لأسباب سياسية أو انسانية ، ولا يمكن بالتأكيد أن تكون كل هذه الألوف من اللاجئين يعانون من حالات انسانية ، وفوق هذا فإن العالم به مجتمعات كثيرة تعاني من الفاقة ومع ذلك لم تفتح كندا ابوابها الرحيمة لهؤلاء الفقراء. أحمد حسين وزير الهجرة ؛ شخصية غامضة جدا ؛ وقد انطلق بسرعة الصاروخ وبدون تدرج متصاعد منطقي الى سدة السلطة في كندا ؛ لكن الشيء الوحيد الذي جعله متميزا هو قدرته على اختراق اللاجئين من خلال نشاطاته التي تبدو حقوقية في الظاهر ، وبالتأكيد أمنية في الباطن. فهناك ملايين ممن هم أكثر كفاءة وخبرة من أحمد حسين ، ولكن كما قلت سابقا ، هذه الدول ليست فوضوية أبدا ؛ فكل شيء مرسوم بدقة. وبالتأكيد يحقق تنصيب أحمد حسين فوائد كثيرة من ضمنها استقطاب الجاليات المسلمة والأفريقية والعربية ؛ ولكن الأهم من ذلك فهم أحمد حسين للثقافات الاسلامية والعربية ومن ثم العمل على التأسيس لبنية داعمة لاتخاذ قرارات مدروسة تجاه دول معينة ومحددة على وجه الدقة. اعلان الحكومة الكندية المتعلق بالمملكة لم يخرج عن هذا المطبخ الاستخباراتي وهو -على ما اعتقد- مقدمة وتمهيد لقرارات قادمة كثيرة المقصود منها خلق توتر مجتمعي داخل المملكة واحداث حالة انقسام والهدف النهائي استقبال تنظيمات ارهابية كتنظيم الآخوان وغيره على الأراضي الكندية حيث يتم استخدام هؤلاء في اللحظة المناسبة. هذا الغرب الذي يبدو لنا جميلا بل ورائعا من الأعلى لم يعتمد طيلة تاريخ تشكله سوى على الدسائس والمؤامرات ضد الدول العربية والإسلامية ؛ بل والأنكى انه تشكل على جماجم السكان الأصليين في تلك الرقاع التي تم احتلالها باستخدام القوة والابادة الجماعية. علينا كشعب سعودي أن ننتبه جيدا لهذه المخططات وأن نعمل يدا بيد لتقويضها وكشفها. وسننتصر نحن أيضا بإذن الله.
د.فهد بن نايف الطريسي استاذ القانون المشارك بجامعة الطائف