يتوجب على الإدارة الأميركية الحالية توجيه اعتذار إلى جميع الشعوب والدول الإسلامية على ردود أفعالها تجاه أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، إذا أرادت الولاياتالمتحدة ومعها الغرب أن يقتنع أتباع الرسالة المحمدية الذين استشاطوا غضباً وقاموا، أو سيقومون، بردود أفعال في بعضها شيء من العنف... الاعتذار واجب حضاري وأخلاقي ومطلوب من الإدارة الأميركية لكي تصنع بذلك قدوة ورسالة. علماً بأن رد الفعل الأميركي تجاه أحداث 11 أيلول (سبتمبر) صدرت من الإدارة الرسمية التي من المفترض أن تكون أكثر عقلانية وتعقلاً من الشعوب ذوي العواطف والاتجاهات المختلفة المتسمة بعدم الانضباطية أحياناً. من ناحية ثانية، قد يصبح الفيلم المسيء لأتباع الرسالة المحمدية بداية «الربيع الإسلامي»، ما يخلق أرضية خصبة لصدام بين الإسلام والغرب، في ظل سيولة سياسية في كثير من دول العالم وتراخٍ كثير من الحكومات الإسلامية في التصدي لذلك التعدي على نبي الله ورسوله، وما يمثله من قداسة لأتباعه الذين يزيد عددهم على 1600 مليون، في وقت فشلت فيه حكومات كثير من الدول الإسلامية في صنع تنمية حقيقية ورفاهية لشعوبها، حتى أصبحت ردود الأفعال العنيفة ذريعة للعامة والدهماء لإحراج حكوماتهم ودولهم. أحداث 11 سبتمبر، التي تمثلت في الهجوم على مركز التجارة العالمي بنيويورك، أفعال إجرامية وتم استنكارها من جميع الدول والمجتمعات الإسلامية، ومع ذلك قامت أميركا بالانتقام ممن تم اتهامهم وتبنوا العمل الإجرامي، ألقت القوات الأميركية آلاف الأطنان من القنابل على أفغانستان واحتلتها، ومثل ذلك فعلت في العراق، وانطلقت الحرب الدولية على ما سمي «الإرهاب»، بقيادة الولاياتالمتحدة، وتمت ملاحقة كل من لهم علاقة مع «القاعدة» في جميع أنحاء العالم، واستضافتهم الإدارة الأميركية في قاعدة «غوانتانامو»، لسنوات من دون محاكمات، مخترقة بذلك المواثيق الدولية والقواعد الأخلاقية كافة، كما تم التضييق على الحريات والأموال والتحويلات المالية في جميع أنحاء العالم تحت ما يُسمى تجفيف منابع الإرهاب. كل ذلك والعالم الإسلامي ينظر ويراقب ويتحسر من رد الفعل الغاضب ويرى، من ناحية، إن للإدارة الأميركية بعض العذر في ردود أفعالها الانتقامية، لكن كثيراً رأوا أن رد الفعل أكبر وأكثر من الفعل نفسه، وأن كثيراً من الإجراءات بحجة الإرهاب غير مبررة أو مقنعة، حتى أن كثيراً من المراقبين رأوا في ذلك أجندة سياسية تخفيها الإدارة الأميركية بحجة القضاء على الإرهاب... ولا يزال رد الفعل الأميركي قائماً حتى اليوم بعد مرور أكثر من عقد من الزمان. الفيلم المسيء للرسول المصطفى محمد «عليه أفضل الصلاة والسلام»، خاتم الأنبياء والرسل، تم إعداده من أفراد ومجموعات متطرفة أرادت أن تستفز به مشاعر المسلمين بالنيل من معتقداتهم ومقدساتهم ورموزها الدينية، ونجزم بأن ما تم استهدافه، والاستهزاء والتشكيك به في الفيلم أكبر وأكثر قداسة وقيمة لدى المسلمين من جميع ما تم استهدافه في 11 سبتمبر وما قبله وما بعده، أيضاً. ولذا فإن اعتذار الإدارة الأميركية الصريح والواضح سيبعث صوت العقل والحكمة والتسامح وقبول الآخر، كما سيجيب عن تساؤلات لطالما سوقها الإعلام الأميركي حول أسباب الكراهية لأميركا. الاعتذار الأميركي ليس كافياً لوحده بل يجب أن يتبعه ثلاثة أمور: الأول: العمل بقوة على إصدار قانون دولي يحرم ويجرم التعرض للأديان أو الرموز والمقدسات لما في ذلك من انحدار أخلاقي وتعريض للأمن والسلم الدوليين، وكراهية وحروب بين الثقافات في مجتمع القرية الدولي، الثاني: العمل مع الدول الغربية والعالمية والإسلامية الفاعلة لمنع نشر الفيلم في جميع الوسائط التقليدية والحديثة، الثالث: المساعدة في ملاحقة من هم وراء الفيلم والتحقيق معهم، واتخاذ الإجراءات المناسبة والكفيلة بمنع تكرار مثل ذلك العمل. لا يمكن للولايات المتحدة أو الدول الغربية أن تتحجج أو تتبجح بحرية الرأي، وهم في الوقت ذاته يخنقون الرأي الذي لا يتفق ومصالحهم، وأكبر دليل على ذلك المنع بشكل قاطع لمناقشة «الهلوكوست»، أو التشكيك في تلك القصة التي يراها كثير من البحاثة مختلقة، المحامي الأميركي فرانسز باركر يوكي، على سبيل المثال، تم طرده من منصبه لانتقاداته المستمرة التي ضمنها أول كتاب نشر حول إنكار حدوث «الهولوكوست» تحت اسم «الحكم المطلق» Imperium في عام 1962. بعد كتاب «يوكي» قام «هاري أيلمر بارنيس»، وهو أحد المؤرخين المشهورين، كان أكاديمياً مشهوراً في جامعة كولومبيا في نيويورك، باتباع نهج يوكي في التشكيك ب«الهولوكوست»، وتلاه المؤرخان جيمس مارتن James J. Martin وويلس كارتو Willis Carto وكلاهما من الولاياتالمتحدة، وفي 26 أذار (مارس) 2003 صدرت مذكرة اعتقال بحق «كارتو» من السلطات القضائية في سويسرا. في الستينات، أيضاً، وفي فرنسا قام المؤرخ الفرنسي بول راسنير Paul Rassinier بنشر كتابه «دراما اليهود الأوروبيين» The Drama of the European Jews، وما زاد الأمر إثارة وصدقية أن راسنير نفسه كان مسجوناً في المعتقلات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكنه أنكر عمليات «الهولوكوست». في السبعينات نشر «آرثر بوتز»، أحد أساتذة الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب في جامعة نورث ويسترن الأميركية في ولاية إلينوي، كتاباً باسم «أكذوبة القرن العشرين» The Hoax of the Twentieth Century وفيه أنكر «الهولوكوست» وقال إن مزاعم «الهولوكوست» كان الغرض منها إنشاء دولة إسرائيل، وفي عام 1976 نشر المؤرخ البريطاني «ديفيد إيرفينغ»، الذي حكمت عليه محكمة نمساوية في 20 شباط (فبراير) 2006 بالسجن مدة ثلاث سنوات بسبب إنكاره ل«الهولوكوست» في كتابه «Hitler's War» حرب هتلر. وفي 1974 قام الصحافي الكندي من أصل بريطاني ريتشارد فيرال Richard Verrall بنشر كتابه «أحقاً مات ستة ملايين؟» Did Six Million Really Die وتم استبعاده من كندا بقرار من المحكمة الكندية العليا عام 1992. في التسعينات ظهر كتاب آخر أشد دقة من ناحية المصادر والتحليل المنطقي والتسلسل الزمني في إنكار «الهولوكست»، «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» للفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، الذي يتحدث فيه عن مجموعة من الأساطير بُنيت عليها السياسة الإسرائيلية من بينها أسطورة «الهولوكست»، فيعرض الكاتب مجموعة من الحقائق العلمية والتاريخية، ويتحدت الكتاب عن الدور الفعال للوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة للترويج لما يسمى «الهلوكوست»، والجميع يعرف ما تعرض له «غارودي»... فأين حرية الرأي والتعبير التي تتحدث عنها أميركا والغرب؟ من جانب آخر، نشرت «الحياة»، بتاريخ 12 نيسان (أبريل) 2003 قصيدة «الشهداء» للدكتور غازي القصيبي، يرحمه الله، عندما كان سفيراً في بريطانيا، فقامت الدنيا بتحريك من اللوبي اليهودي وتفاعلت الخارجية البريطانية بشكل مخل وسخيف، لا لشيء إلا لأن القصيبي وهو شاعر عبّر عن رأيه! فهل حرية الرأي مقبولة إذا كانت من غربي، أو مسيحي أو يهودي متطرف، ومنا فلا؟ على الإدارة الأميركية أن تعي أن الشعوب تطورت وتغيرت ونضجت، وأن العلاقة في المجتمع الدولي لم تعد كسابق عهدها، ولذا وجب على الإدارة الأميركية أن تعتذر للعالم الإسلامي، إما عن الفعل في الفيلم، أو رد الفعل في 11 سبتمبر، لكي تمنع، أولاً: ولادة التطرف والتطرف المضاد؛ ولا تكون، ثانياً: ملاذاً آمناً للمتطرفين باسم الحريات؛ وثالثاً: لكي تتجنب كراهية العالم لها لازدواجية معاييرها، وأشياء أخرى... يقول القصيبي: أيها القومُ! نحنُ مُتنا... فهيّا/ نستمعْ ما يقول فينا الرِثاءُ. قد عجزنا... حتى شكا العجزُ منّا/ وبكينا... حتى ازدرانا البكاءُ. وركعنا... حتى اشمأزَ ركوعٌ/ ورجونا... حتى استغاثَ الرجاءُ. وشكونا إلى طواغيتِ بيتٍ/ أبيضٍ... ملءُ قلبهِ الظَّلْماءُ. فهل يستجيب البيت الأبيض؟! * باحث سعودي. [email protected]