تمتاز محافظة الطائف عن سائر مدن ومحاظات المملكة بعدة مقومات قل اجتماعها في مدينة أو محافظة سواها، فمن جمال طبيعتها الساحرة، وعَبق وردها النظر، إلى اعتدال مناخها اللطيف وهواءها العليل طول العام، وموقعها الجغرافي الإستراتيجي القريب والمطل على العاصمة والمشاعر المقدسة بمكة المكرمة ما جعلها تمثل البوابة الشرقية لها، وقربها ايضاً من سواحل البحر الأحمر ومحافظة جدة وموقعها الجغرافي الإستراتيجي مكّنها أن تكون نقطة وصل بين شمال وجنوب المملكة وشرقها وغربها، إضافة إلى ما تزخر به الطائف من عراقة ومكانة ضاربة في عمق التاريخ البشري. و احتضنت الطائف أقدم الحضارات العمرانية المأهولة والغنية بالآثار على أرض الجزيرة العربية، فجبالها وأوديتها تحتضن الكثير من الآثار والتراث ومعالم التاريخ العمراني الذي يدل على مكانتها وريادتها الحضارية، وعلى مضايق أوديتها أنشأت أكثر من (70) سداً تاريخياً بنيت في عصور مختلفة من قبل الإسلام إلى عصر صدر الإسلام والخلفاء الراشدين مروراً بعهد الدولة الأموية والعباسية والفاطمية، ولا زال منها أكثر من (20) سداً قائماً، في أطر معمارية مختلفة وتصاميم هندسية فريدة، منها ما هو مؤرخ بناءه بلوح تأسيسي نقش على الصخر ليبقى شاهداً على عظم قدرة الإنسان العربي المسلم الذي سكن هذا الجزء الغالي من الوطن الكبير، وطوع بيئته لتكون مسكناً وملاذاً أمناً له بعد الله . وكالة الأنباء السعودية وقفت على اللوح التأسيسي لأشهر السدود التاريخية بمحافظة الطائف وواحد من أقدم الإنشاءات البشرية على مستوى الوطن العربي والإسلامي، (سد معاوية) أو ما يعرف (بسد سيسد) الواقع على بعد 12 كلم جنوب شرق الطائف، في وسط منطقة تضاريسها عبارة عن مجموعة من الشعاب والجبال التي تصب مياهها وقت الأمطار في وادي سيسد الذي بني عليه السد . وبني سد سيسد في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان سنة (58ه) ، بناه عبدالله بن صخر، ويدل على تاريخ بناء هذا السد نص مؤرخ لوقت بناء السد نقش على صخرة كبيرة في أسفل الجبل الذي شيد عليه يمين الواجهة الأمامية للسد ، والنص عباره عن خط عربي مجازي مزوي غير مورق (غير منقط) يتكون من ستة أسطر وهي كما يلي : السطر الأول : هذا السد لعبدالله معاوية السطر الثاني : أمير المؤمنين بناه عبدالله بن صخر السطر الثالث : بإذن الله لسنة ثمان وخمسين السطر الرابع : اللهم أغفر لعبدالله معاوية السطر الخامس : أمير المؤمنين ذنبه وانصره ومتع السطر السادس : المؤمنين به كتبه عمرو بن حباب . ويعد هذا النقش أول لوح تأسيسي في الجزيرة العربية للمشاريع التنموية، و ذكره العديد من الباحثين أمثال: مايلز وجروهمان، ويدل هذا المشروع التنموي على اهتمام الخلفاء المسلمين في بداية عصر الدولة الإسلامية ببناء السدود والمشاريع الإستراتيجية التي تساهم في حفظ المياه للاستفادة منها في الزراعة و الري ولتوفير مياه الشرب للعامة . ويتكون بناء السد من صخور (جرانيتية) يبلغ طول الجزء الباقي منه (58 م)، ويتراوح ارتفاعه ما بين (10.25 إلى8.50) ، ويبلغ عرض السد (4.10)، والجزء الظاهر من واجهته الأمامية ليس بها أي أثار "للجص" أو غير ذلك، ويعتقد أن هذه الواجهة كانت مكسوة بطبقة من "الجص" أو "النورة" ولكنها تساقطت بسبب عوامل التعرية، أما واجهة السد الخلفية فهي عبارة عن سلسلة مدرجة بعرض (20 سم) تضيق كلما ارتفعت إلى أعلى السد، ووضعت الواجهة بهذا الشكل المدرج ليقاوم تدفق مياه السيول للواجهة الأمامية، وجدار السد مشيد بحجارة مستطيلة الشكل كبيرة الحجم بنيت على هيئة (مداميك) أفقية مازالت عليها أثار (المونة) حتى الآن، وهذا ما جعل السد أكثر متانة وتماسك ومحتفظاً بهيئته حتى وقتنا الحاضر، وقناة السد توجد عند الطرف الشمالي الغربي للسد فقد شقت بالصخر لتكون قناة (مفيض الماء)، ويوجد في مواقع متفرقة على صخور السد نصوص وكتابات غير واضحة والمرجح أنها تعود أيضا إلى منتصف القرن الهجري الأول . ويقع السد في منتزه سيسد الوطني الذي يتميز بإحاطته بالمرتفعات التي تنمو عليها الأشجار الكثيفة، إضافة إلى جريان العديد من الأودية بداخله مثل وادي سيسد ووادي العرج ووادي نخب التي تمنح الزوار مزيج رائع مع الطبيعة الخضراء المحيطة، وسمي المنتزه بهذا الاسم لارتباطه بسد سيسد الأثري الذي أنشأه الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان سنة 58ه وقد أعيد ترميمه عام 1419 وأفتتح المنتزه في عام 1420ه. ومن سدود الطائف التاريخية سد السملقي الذي يقع بوادي ثمالة جنوب غرب الطائف ، بين جبلين في وادي تكثر به أشجار السدر والطلح في الواجهة الأمامية للسد، أما في الخلف فقد أقيمت مزارع للعنب ومزارع للبرسيم والطماطم والخضروات المختلفة، وتقدر طاقته التخزينية بحوالي 500 ألف متر مكعب، وبني الجزء الشمالي الغربي من السد بين بروز صخري يمثل أضيق نقطة في الوادي، ويلاحظ اثر الانكسار الذي أحدثه انجراف السد . وأول ما يشد الناظر إلى هذا السد ضخامة الأحجار التي شيد بها وكيف استطاع إنسان ذلك الوقت رفع هذه الأحجار الكبيرة جداً إلى حيث مواضعها، ويبلغ طول السد 212متراً وارتفاعه 25 متراً وعرضه عند القمة 10 أمتار، ويشبه في أسلوب بناءه بقية السدود التاريخية بالطائف من حيث الجدارين المتوازيين الذين يتوسطهما "رديم الدبش" والواجهة الخلفية للسد المبنية بكتل حجرية أكبر من تلك التي في الواجهة الأمامية للسد، كما يلاحظ التدرج في الواجهة الخلفية للسد كما هو الحال في سد سيسد وهذا التدرج يساعد السد على تحمل قوة تدفق مياه السيول القادمة بقوة عند اصطدامها بجدار السد الأمامي . وفي ذلك السياق، أوضح الكاتب والباحث حماد السالمي أن سد معاوية يعد أحد السدود التاريخية الأثرية الموجودة بالطائف و التي مازالت قائمة على هيئتها لوقتنا الحاضر نظراً لمتانة بناءه وقوة تماسك جدرانه، مشيراً إلى هناك مجموعة أخرى من السدود الأثرية التاريخية المشابهة لسد معاوية، منها : سد عرضة، سد اللصب، سد ابن سلمان، سد الدرويش، وسد قريقير، وسد وديمة، وسد العقرب، وسد السملقي، وسد ثلبة، وسد صعب، وسد القصيبة، وسد سداد، وسد الخير، وسد الداما، وسد غروق، وسد السلامة، وسد أم البقرة . بدوره أكد مستشار سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد أن محافظة الطائف تتميز بموقع جغرافي استراتيجي، وطبيعة طوبوغرافية متنوعة التضاريس، فيها المنطقة الجبلية في الجنوب الغربي حيث مرتفعات جبال السروات، والإقليم الصحراوي في الأجزاء الشمالية والشرقية، وتتميز المنطقة بكثافة الغطاء النباتي، والغابات الطبيعية التي تحتضن أنواع مختلفة من الأشجار والعشائر النباتية التي تصل إلى (120) نوعاً من (85) فصيلة من المزروعات الطبيعية. وأشار إلى أنه تنتشر في الطائف العديد من الأودية في الجهات الجبلية في الغرب والجنوب الغربي، وتتجه سيولها نحو الشرق والشمال الشرقي، ويقدر عدد الأودية بالمحافظة (38) وادياً، شكّلت متنزهات طبيعية جاذبة، للاستقرار السكاني في المناطق المحيطة، على مر العصور،ومن أودية الطائف المشهورة: وادي نخب،ووادي ليه،ووادي وج، ووادي جليل، ووادي سد سيسد، وغيرها، مبيناً أنه على سفوح المرتفعات الجبلية المحيطة بأودية الطائف وفي صدور جبالها، انتشرت القرى والحصون والمراقب، وعلى مضايق الأودية أنشئت السدود، بغرض صد السيول الجارفة من جهة وتوفير بحيرات مائية ساعدت في حفر الآبار والعيون، وفي ري المزارع ، والشواهد الأثرية تدل على ذلك، ولعل وجود الرسوم ، والكتابات والنقوش القديمة والإسلامية على الواجهات خير دليل على قدم الاستقرار البشري بالمنطقة. وذكر الدكتور الراشد أننا ننظر إلى الطائف بمكونها الجغرافي والسكاني بأنها من مواقع التاريخ الإسلامي التي لها أولوية، في صلتها بالرسول صلى الله عليه وسلمّ قبل نبوته، وخلال دعوته الناس للإسلام، في مواسم أسواقهم، والأحداث التي واكبت غزوة حنين، وحصار الطائف، ثم إسلام ثقيف عن بكرة أبيها، لتصبح الطائف منعة وقوة للإسلام، ويعلو شأنها بطريقة متصاعدة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين، وفي عهد الخلافة الأموية، ثقافة وحضارة واقتصاداً. وأضاف الدكتور سعد الراشد أن ما حفظته لنا المصادر من معلومات متناثرة ومتفرقة يجعلنا نرسم الإطار التاريخي لمحافظة الطائف، والتعرف على المكانة التاريخية لهذه المنطقة بشيء من الاطمئنان، آخذين في الاعتبار المصدر الأهم عن الطائف ونطاقها الجغرافي وهو الآثار المادية والتراكم الحضاري الذي شهدته المنطقة على مرّ العصور.