تعقيبًا على حديث وزير المالية بشأن أهمية وجود نظام للإفلاس في المملكة العربية السعودية، وما ذكره معاليه من أن هناك بنوكًا وشركات تتعرض للإفلاس في كافّة الدول الأخرى، ولعل سؤال معاليه عن وجود محامين في اللقاء الذي جمعه مع رجال وسيدات الأعمال بالمنطقة الشرقية كان له مدلوله ومغزاه، لكون ما ذكره من صميم تخصص القانونيين. إنّ قوانين وتشريعات الإفلاس من الركائز المهمّة لنمو وازدهار الأنشطة والأعمال الاقتصادية، ومما يحفّز البيئة الاستثمارية في الدول، ويعزّز الاستقرار في سوق العمل، وله من الخصائص والمزايا التي تجعل غيابه يشكّل فجوة حقيقية تستوجب تداركها في أسرع وقت، وهو من التشريعات التي تقتصر على الشركات والمؤسسات التجارية والأفراد ممن يمارسون الأنشطة التجارية. ومن مزايا نظام الإفلاس ما يتعلّق بالمفلس، ومنها ما يتعلّق بالدائنين، ومنها ما يتعلّق بالاقتصاد الوطني بشكل عام، حيث إن إيجاد نظام للإفلاس يمكّن المفلس المتعثر من تصحيح شؤونه المالية بالتوصّل لتسوية مع دائنيه يستطيع بعدها الوقوف مرّةً أخرى في سوق العمل والعودة بقوة لممارسة أنشطته التجارية من جديد وذلك من خلال التسوية الوقائية وإعادة التنظيم المالي، بالإضافة إلى أن نظام الإفلاس من شأنه إيجاد أحكام تمكّن المنشآت الصغيرة التي تتعرض إلى تعثّر في أحوالها المالية من الحصول على التمويل من الأسواق الائتمانية بشكل ميسّر، ومنها ما يتعلّق بالدائنين في ضمان الحصول على مستحقاتهم وتعزيز الثقة في التعاملات التجارية مما يرفع الكفاءة في الأداء وإنجاز المعاملات بسهولة ومرونة، ومن مميزات ايجاد نظام الإفلاس أنه يجعل البيئة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية جاذبة ومحفّزة ويضبط الرقابة على القطاع المالي، ويحفّز القطاعات الحكومية على توسيع التعاملات التجارية مع القطاع الخاص. كذلك فإن من أهم مزايا نظام الإفلاس أنّه يعزّز الأنظمة التجارية ويعمل على تقليص القضايا في المحاكم التجارية التي تنامت بشكل كبير نتيجة للفجوة الحالية في التشريع المتعلّق بالإفلاس، ولنا سابق تجربة في هذا المجال حيث تبرز الإشكالات في أعمال تصفية الشركات والمؤسسات التجارية الناتجة عن تعثّر وضعها المالي وزوالها عن سوق العمل بشكل مفاجئ مخلّفة وراءها الكثير من المستحقات المالية للغير، مما يشغل أروقة القضاء بالقضايا و يجعل الأحكام القضائية مجرد أوراق يستحيل تنفيذها. خلاصة القول إن ما ذكره وزير المالية من واقع تخصصه القانوني من أهمية وجود نظام للإفلاس، فهو كلام في غاية الأهمية خصوصًا وأن التشريعات في البلدان المختلفة سواء كانت في محيطنا الخليجي والعربي أو غيرها من البلدان عمدت إلى الاهتمام بقوانين الإفلاس لأهميتها، ولعل المرحلة القادمة في تاريخ المملكة العربية السعودية ورؤيتها لدعم منظومتها الاقتصادية يحتّم علينا الاهتمام بالجوانب التشريعية التي تواكب هذه المرحلة المهمّة.