في الصين يقولون الفرص لا ذيل لها ، إذا ذهبت لاتعود . تماماً كما فعلت ايران خلال ثمان سنوات سابقة بعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما استغلت فيها كل الفرص التي أتاحها اوباما في الشرق الأوسط و لم تكن فرصاً فحسب ، بل قدمت لها على طبق من ذهب. ذروة ذلك ظهرت في خطاب ألقاه في 2014 نائب الرئيس الاميركي جو بايدن واتهم فيه صراحةً دول خليجية "بدعم الإرهاب" ففرح الإيرانيين قبل أن يتراجع عن ذلك فيما بعد . في الوقت الذي كان يُنظر فيه لإيران في المنطقه كتهديد خطير قادم وكان هناك شبه حلف استيراتيجي عربي متشكل على أساس حماية الأمن القومي العربي من التدخلات الإيرانية ، سحب اوباما فجأةً القوات الأميركية من العراق وتركها على فوهة البندقية .. اندلعت حرب طائفية داخلية وتصاعد النزاع بين المكونات العراقية وأصبحت البيئة العراقية مناسبة للمزاج الإيراني الذي يؤسس الفكرة الدينية الطائفية كقوام للميليشيات المسلحة المنتشرة ، ثم تدخلت إيران بالطريقة التي أرادت وأحبت فيما يشبه صفقة سياسية مع إدارة اوباما نُحّيت فيها الدول والجامعة العربية فسيطرت إيران على العراق كله عبر حزب الدعوة الحاكم ثم أدارت الصراعات الطائفية على الأرض عبر ميليشات ميليشيات أسسها ودربها "الحرس الثوري" وحذر الحكومات المتتابعة بأن هذه الميليشيات لاتمس ، ولازالت البوصلة العراقية تائهة كما أرادت إيران وهذا ليس إلا لأن ايران اغتنمت فرصة لاتقدمها دائماً الولاياتالمتحدة .. أيضاً اندلعت الأزمة في سوريا في 2011 ووجدت إيران مايبرر تمددها إلى هناك تحت رأي وعين إدارة اوباما وأعادت مع روسيا الحياة إلى نظام الأسد بدعم ميليشياتها وحزب الله عندما تراجع اوباما عن ضرب نظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيمياوي ضد المدنيين في 2011 . وفي اليمن ليست الحالة مع إيران ببعيدة عما جرى في العراقوسوريا لأن المجتمع الدولي كله لم يكن يستطيع التحرك في مواقع نفوذ وتواجد عسكري اميركي بدون ان تكون الولاياتالمتحدة جادة في دعم ذلك ، وهذا مادفع إيران الى التجرؤ على دفع حلفائها في ميليشات الحوثي الى الانقلاب على الشرعية في صنعاء واحتجاز رئيسي الجمهورية والحكومة ولم يكن أكثر وضوحاً في الموقف من مطالبته دول التحالف العربي بإيقاف عملياتها العسكرية في اليمن وهذا ما أرادته إيران سريعاً ، لكن الزمن فات عليهم وعلى أوباما . وأهم من هذه الأحداث كلها ، كان توقيع الاتفاق النووي التاريخي الذي لم يكن لتتوصل فيه إيران لاتفاق مع أي ادارة اميركية غير إدارة اوباما مع دورها السلبي وغير المخفي في إشعال المنطقة وأياً تكن دوافع اوباما ، وحتى لو ابتعد بذلك عن دائرة التحالفات الاميركية التقليدية إلا أنها كانت فرصة لاتتكرر لإيران وحققت الغاية بمزيد من الحرية وتحرّكت الاموال الإيرانية العالقة ولكن ميزان القوى في المنطقة لم يمل كثيراً لأن التنمية والقوة الاستراتيجية لاتُبنى هكذا . لكن هذه الفرصة يبدو أنها ستتبدد ، في البيت الابيض إدارة جديدة وصلت منذ منتصف يناير الماضي .. ترمب رئيساً بإدارة مبنية على معاداة الراديكيالية الإسلامية المتطرفة – على حد تعبير ترمب – وإيران في مقدمة المتورطين بدعم ونشر هذا التطرف عدا التورط باستهداف المصالح الأميركية الاستراتيجية في الشرق الاوسط . هي فرصة كبيرة لنا في الخليج نحن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة . بدأت التفكير بعمق في أهمية هذه الفرصة وأنا اطالع مانشرته الاسبوع الماضي وكالة الانباء البحرينية عن القبض على تنظيم إرهابي يتلقى الأوامر والخطط والتعليمات من طهران ، بالتزامن مع دعوات للحوار وتقريب وجهات النظر بين دول الخليج وايران ولم تكن دعوات سرية بل أعلنت من داخل مؤسسات الحكم في إيران . قد تبدو في ظاهرها دعوات موضوعية ومبشرة بالنظر لما أوصل السلوك الإيراني القائم المنطقة اليه ، لكن وبمجرد النظر الى ممارسات إيران الجارية والتي وصلت الى حد العربدة تفقد هذه الدعوات موضوعيتها ، واصبحنا أمام مسارين لتعامل إيران مع دول الخليج ،، مسار يدعوا للحوار وحل الخلافات تقوده مؤسستا الرئاسة ووزارة الخارجية ، ومسار آخر على الارض يقوده الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية يمارس العربدة والتدخل المسلح في شؤون دول الجوار .. والحقيقة ان هذه الممارسات لم تتوقف منذ ثماني سنوات ، لكن الثابت هو تعامل دول الخليج مع هذه التهديدات والممارسات . التعامل الأمني قوي ولاغبار عليه ، لكن الدبلوماسية الخليجية لا أصفها بأكثر من أنها ثقيلة ومتأنية وكانت مناسبة في مراحل سابقة ، لكن اليوم وفي عهد ادارة ترمب المتحمسة لمعاقبة إيران سيكون عدم استغلال ذلك فشل ذريع أمام واقع جديد سيتجاوز دول الخليج إذا لم تستغله كما يجب . يوضح ذلك خلال السنوات الثلاث الأخيرة أن في المرات التي يلتفت فيها المجتمع الدولي الى التهديدات الإرهابية المتمثلة او المدعومة من ايران لاتكون غالباً بدفع او تأثير دول الخليج ولا على أساس تهديد المصالح الاميركية والغربية في الخليج ، وهذا خلل كبير كان الوقت يسمح بتجاوزه أما الآن فيجب تجاوزه مع الواقع الجديد .. ربما يكون السبب هو تباين الرؤى حول استراتيجية المواجهة مع ايران بين دول المجلس وهي حالة طبيعية لكن تجاوز هذا التباين والتعامل برؤية موحدة واستغلال المزاج العام الجديد في الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي هو مسؤولية القادة داخل المجلس .. أيضاً أثق أن المزاج الإيراني القائم على تصدير الثورة ونشر الفوضى الداخلية في دول الإقليم لايمكن ان تتعامل معه دول الخليج بالمثل ، ولايجب أن تنساق لممارسات تشبه ذلك ، لكنها دعوة مفتوحة لإعادة النظر في التعامل مع إيران قبل أن تضيع الفرصة التي تقدمها الإدارة الاميركية اليوم ، فالفرص لاذيل لها ، إذا ذهبت لا تعود .. غازي الحارثي @ghazy130