تكمن قوة دولة مهمة مثل المملكة العربية السعودية، في أصول الإدارة والحكم التي تدار بها البلاد، وتزداد قوتها في فعاليتها، وشرعيتها، والقبول الذي حظيت به في الداخل والخارج، وقدرتها المتنامية على البقاء والتطور، في الوقت الذي تعصف فيه رياح الخراب والدمار والإرهاب بكثير من الدول، فبدل استقرارها اضطراباً، وأمنها خوفاً وخراباً، وسعادتها شقاءً وتعاسةً. يحسب للمملكة في الوقت الذي تعقدت معه المسائل الأمنية، والمشاكل السياسية، بكافة أبعادها، ومستوياتها، على مختلف المستويات والأصعدة، حتى غدت أكثر دول المنطقة محاصرة بالأفكار والمهددات، أنها لم تكن لتنأى بنفسها، أو تغض الطرف عما حل بالمنطقة من خراب وتدمير، بل جندت كافة جهودها وقواها في سبيل صد الأخطار المحتملة وتوقيها، والأخطار المحدقة بالمنطقة بشكل عام، وبالمناطق الحيوية المتاخمة لحدودها على وجه الخصوص. إذ كان في مقدمة هذه المهددات خطر "الإرهاب"، ذلك المشروع الهادف الذي بث الفتن والفوضى، وتفتيت وحدة الدول المستقرة، وإشاعة القتل والدمار، والرامي إلى تحقيق أطماعه التوسعية في الدرجة الأولى، من خلال نشر الفكر المتطرف، والمذهبية الطائفية، نشأ هذا الخطر وترعرع في بلدان ما يسمى ب"الدول الراعية للإرهاب". إلا أن هذا المخطط الجامح تفاجأ بوجود مشروع آخر موازٍ له في الواقع، مضاد له في المنهج والطريقة، مختلف عنه في النوايا والمقاصد. فلم يكن في حسبان الإرهاب، ولم يدر في خلده أنه سيأتي عليه ذلك اليوم، الذي سُيكبح فيه جماحه، وترتد عليه عداوته وبغضائه، حتى وصل مرحلة متقدمة من الإحباط بسبب الخسائر التي تكبدها في مواجهة ذلك المارد من وجهة نظره. ذلك هو المشروع الذي بُذرت بذوره في أرض المملكة، وتغذى على أفكار السماحة، والعدل، والإحسان، والاعتدال، والمحبة، والإخاء، وهيئت له الظروف لينضج ويشتد، مشروع القضاء على الإرهاب، المشروع الفكري الحضاري الرائد الذي يعكس طموح المملكة، ورؤيتها، نحو بناء مستقبل مشرق، ويسعى إلى بناء علاقات دولية ملؤها الأمن والاستقرار، وتبادل المصالح، وإلى تحقيق السمو بمعاني الإسلام الجليلة والخالدة، الصالحة لكل زمان ومكان، رافعة راية القيم الوسطية وقيم الاعتدال، حيث لا رهبانية ولا غلوًا. عندما بلغ الإرهاب من القوة والقدرة ما بلغ حتى وصل إلى درجة من الخطورة أنه لم يعد يستثن أحداً، وهدفه في أحيان كثيره تأكيد وجود لا أكثر، إلا أن هذه القوة لم تعد تفلح في بقائها متماسكةً أمام قوة وبأس الدولة – بفضل الله- فلقد أدركت المملكة أن الوسيلة الفاعلة لخلخلة هذه الآفة لم يعد مقتصراً على استخدام القوة الصلبة والقوة الأمنية فقط، بل باتت تستند إلى أيديولوجيا متطورة، وإلى استراتيجيات ذكية، تجمع بين القوة الناعمة – التي اهتمت بالفكر والعقل، واستخدام الحجة البينة الظاهرة في وجه الحجة، واستخدام المنطق السليم، والدبلوماسية الرشيدة، وبين القوة الصلبة في التعامل مع الإرهاب بالقوى المادية والعسكرية والأمنية، حتى باتت هذه الاستراتيجية قادرة على كسر جذوة الإرهاب وإطفاء ناره المستعرة. وعلى مستوى العلاقات البينية والدولية أسهمت المملكة بشكل ملموس في درء كثير من أخطار الإرهاب عن عدد من الدول الحليفة، وأفشلت عدداً من المخططات الإرهابية التي كادت تصيب أهدافها. ويعود الفضل – بعد فضل الله تعالى- إلى القيمة الاستراتيجية للمعلومات والخبرات التي قدمتها السعودية لحلفائها، وللمجتمع الدولي على حد سواء، التي تحصلت عليها إبان عملها الدؤوب في مكافحة الإرهاب. لم تقف هذه الاسهامات عند هذا الحد، بل تجاوزتها إلى صور كثيرة، منها دعمها المستمر والدائم لقرارات مجلس الأمن الدولي، التي شكلت لاحقاً هذه القرارات أساساً متيناً وشاملاً لمكافحة الإرهاب على نطاق دولي. هذه الاسهامات عندما تقدمها المملكة للمجتمع الدولي إنما تأتي على شكل مبادرات، ولم تكن إلا مبنية على أساس قوي، مستمد من أصولها الشرعية باعتبار الشريعة الإسلامية دستورها المتين، ففي قواعدها وأحكامها من التوجيهات والتأكيدات ما يقضي بالوفاء بالالتزامات، والمعاهدات، والمواثيق الدولية والثنائية، فكل دولة تسعى من خلال عقد المعاهدات التي تبرمها إلى حماية أمنها وسيادتها. لذلك رأى العالم إحدى أروع صور التقدير والامتنان عندما قررت وكالة الاستخبارات الأمريكية استحقاق صاحب السمو الملكي ولي العهد وزير الداخلية ميدالية "جورج تينت" للعمل الاستخباراتي؛ عرفاناً وشكراً للجهود السعودية في سبيل تحقيق الأمن والسلم الدوليين. د. أحمد بن علي الشهري DrAalsh17ihri@