كانت الأسابيع القليلة الماضية مليئة بأحداث مأساوية وإرهابية وحوادث من النادر جمعها في فترة قصيرة نسبياً في المنطقة العربية. يحصل هذا ونحن نودع عام 2016. فبعد القوة المفرطة التي استخدمت في دك حلب ومناطقها الشرقية على وجه الخصوص، كانت هناك حوادث إرهابية في الأردن وتصدى الأمن لها، ولا يزال بإرهاب قادم من الحدود السورية. أما حوادث روسيا من سقوط 3 طائرات واغتيال 3 مسؤولين بدءاً من سفيرهم في تركيا، إلى مسؤول كبير في الخارجية الروسية في موسكو ثم اغتيال مسئول كبير في بلجيكا، كل هذا ألقى بظلال الحزن على القيصر بوتين وروسيا من ورائه. في حين أن الملف السوري تظهر له بارقة أمل وسلام بعد سنوات طويلة من الصراع الداخلي بين نظام الأسد ومن ورائه روسياوإيران والمليشيات الشيعية الأخرى التي شكلت إيرانياً وتعمل لإيران كمليشيات طائفية شيعية وأصبحت مرتزقة في سوريا المدمرة. مقابل قوات الثورة السورية والشعب السوري البطل والدعم الخارجي الضئيل الذي يتلقونه من بعض دول المنطقة التي تحاول وقف انتشار إيران في المنطقة من جهة ودعم مقاومة الشعب السوري من جهة أخرى. ولكن السؤال المهم الآن ماذا بعد؟ خاصة وأننا مقبلون على قيادة جمهورية جديدة برئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب في الولاياتالمتحدة. ترامب ذلك الرئيس الذي تحول حوله الكثير من التساؤلات من قبيل علاقاته الاستثنائية المتوقعة مع روسيا وعدائه للمسلمين وتشدده ووعوده البراقة في حل مشاكل الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني كثيراً. كما أن مشكلة الخلاف بين مصر والسعودية تعقدت أكثر مما سبق بعد دخول إيران على الخط مما يشظي الدول العربية أكثر مما نحن فيه، في وقت فيه جميع الدول العربية في أمس الحاجة للوحدة والتعاون بعد خريف عربي دمر دول عربية عسكرياً أو اقتصادياً أو في كل المجالات معاً. ويبدو جلياً أن قباحة صورة إيران ونظامها الحاكم (ملالي طهران) أصبح أكثر وضوحاً وأصبحت الدول والشعوب العربية معاً أكثر مقتاً وذماً لهذه الدولة المارقة ضد كافة القوانين والأعراف الدولية والأديان والأخلاقيات خصوصاً بعد مآسي حلب! ففي الوقت الذي كانت مآسي حلب وريفها الشغل الشاغل إنسانياً لكافة الناس في العالم ممن يتابعون ويرون ويسمعون ما يحصل، إلا أن نظام الملالي في طهران كان يحتفل بانتصارات النظام السوري في استعادة حلب وكأنه قد استعاد الجولان المحتل إسرائيلياً! وبعيداً عن مشاعر الخوف والانهزامية التي تكبل الكثير من العرب شعوباً وقادة من بعبع إيران فإنني أراها نمرًا من ورق أو زوبعة في فنجان. فبعدما أجبرهم العالم على الركوع والخضوع والقبول بتوقيع الاتفاق النووي منذ قرابة عام ونصف العام مقابل حزمة من الوعود من قبيل رفع العقوبات الدولية عنها. لكن قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية الشهر الماضي بتجدد العقوبات عليها لمدة عشرة سنوات مقبلة أدى إلى ضربة موجعة للاقتصاد الإيراني المنهك أصلاً، وجعله يتراجع بوضوح بانخفاض العملة الإيرانية (التومان) مقابل الدولار الأمريكي لمستوى قياسي جديد هو 41 ألفًا و500 ريال مقال كل دولار أمريكي واحد قبل يومين! أضف لذلك أن حالة الغليان الشعبي داخل جغرافية ما يسمى إيران توسعت بشكل غير مسبوق كماً وكيفاً. فلأول مرة منذ سنوات تنزل مظاهرات في بعض شوارع العاصمة طهران ثم في شوارع ثاني أكبر مدينة فارسية وهي أصفهان في ظل تململ الشعب الفارسي نفسه وغضبه الشديد نظراً لموجات الغلاء غير المسبوقة. هذا فضلاً عن الغضب الشعبي للشعوب المحتلة مثل العرب الأحوازيين والبلوش والأكراد وحتى الأذريين الذي ينتمي لهم المرشد الخامنئي. لحسن الحظ أن المملكة العربية السعودية، أصبح تصديها للمشروع الصفوي الإيراني أبرز وأقوى مما مضى بعد تصريح وزير خارجية المملكة بأن الحشد الشعبي في العراق عبارة عن مؤسسة طائفية يقودها ضباط إيرانيون. فهذا يبين بأن القوة الفاعلة في العراق تابعة لإيران التي تحاول إعادة فكرة تكوين ذراع عسكرية شمولية لها في العراق على شاكلة الحرس الثوري الإيراني الطائفي، ولكن هذا المرة بإطار قانوني حيث قام البرلمان العراقي بتحويل هذا الحشد إلى مؤسسة حكومية عراقية، بعد نجاح إيران سابقاً بتشكيل مليشيات طائفية صغيرة وكثيرة قبل ذلك. ومنهم من يقاتل في سوريا اليوم. فكل حيل وألاعيب وفتن إيران ونظام الملالي لها أصبح مكشوفاً. بل إن القيادة السعودية أصبحت أكثر حزماً وهي تعلم انها المقصودة بشكل أساسي بتحركات نظام الملالي في المنطقة بعد إشعال جبهة اليمن واستمرارية دعم الحوثيين والمخلوع صالح بالسلاح. بل إن تعيين سفير للمملكة في بغداد اثار حفيظة الصفويين في العراق وطالبوا بتغيير السفير ثامر السبهان. فكان الرد السعودي بترقية السبهان لجعله وزيراً لشئون دول الخليج العربي. ومن هنا فالصراع على سوريا مهم جداً، حيث ان الشعب العربي السوري أثبت بسالته في القتال لآخر رمق ببطولة منقطعة النظير وانه شعب حر وليس طائفي، ولم يطأطئ رأسه ولم يخضع لإيران كما فعل بشار الأسد الذي سلم سوريا لضباط الحرس الثوري الإيراني مقابل استمراريته صورياً حاكماً بامتيازات محدودة ولكن بلا صلاحيات. فالعرب لا تريد عراقاً آخر عبارة عن حديقة خلفية لإيران أو عدو طائفي لا يأمن جانبه أو محافظة إيرانية خارج نظام العقوبات الدولية ليؤمن لإيران المتنفس الاقتصادي والدعم البشري ليكون بعض العراقيين الطائفيين مجرد مرتزقة بيد إيران في حربها العدوانية في سوريا وحطباً لنيرانها وفتنها في المنطقة. أما التفاهمات الحالية على سوريا فهي بعيدة عن الدول العربية جمعاء. فقد بدأت باجتماعات ثلاثية روسية تركية إيرانية، لكن استبعدت منها إيران بعد ذلك. والآن في طور جدي لإنهاء القتال سياسياً وفق تفاهمات عسيرة كما يبدو في ظل تشبث الأسد بموقعة الذي فقد شرعيته فيها منذ سنوات وإصرار المقاومة السورية على خلع الأسد. أن تركيا تعمل اليوم بمفردها مقابل الدب الروسي فيما يتعلق بالملف السوري للآن، وفي ظل فتن وقلاقل مفتعلة داخلية لإيقاف مسيرة التقدم والنماء التركية المذهلة. لإجبارها على الانكفاء داخلياً. في حين أن المشاركة العربية ضرورية في هذه التفاهمات خصوصاً بعد استبعاد إيران والتي يشكك البعض في كونها وراء اغتيال السفير الروسي في تركيا لإيقاف مسيرة السلام ولمتابعة الحرب والدمار في سوريا ليحافظ ملالي طهران على استمراريتهم في الحكم كما فعلوا قبل ذلك في الحرب العراقيةالإيرانية لثماني سنوات مما أتاح لهم الفرصة على تصفية كل المعارضات الداخلية سواء الفارسية أو كفاح الشعوب المحتلة بمجازر وتصفيات يندى لها جبين الإنسانية كما حصل في مجزرة مدينة المحمرة الأحوازية سنة 1979 وحادثة تبييض السجون سنة 1988 لتصفية أكثر من 30 ألف معارض مسجون، قبل أن تذلهم قوات الجيش العراقي الوطني الباسل وتجبر كبيرهم على تجرع كأس السم ووقف الحرب. فهل ينتبه العرب لما يحاك لهم بالخفاء والعلن؟ وهل يتخذون إجراءات صحيحة ومتناسقة ومتكاملة لإنهاء هذا المشروع الفارسي الذي يريد أن يستبيح أراضيهم كما فعل سنة 1925 عندما احتل الأحواز العربية، ثم نجح بعد ذلك في تطويع العراق بعد استغلاله لحرب سنة 2003 الأمريكية والتي أزاحت صدام حسين العدو اللدود لملالي طهران؟ أم سيستمر التشرذم العربي ويستغل ملالي طهران الفرصة مرة أخرى ويحولون سوريا لمحافظة إيرانية جديدة بعد العراق ثم تضيف لها لبنان الذي يحكمه فعلياً حزب الله اللبناني اسماً والفارسي تأسيساً وأهدافًا وولاء طائفيًا؟ حينها سيكون الأردن والسعودية وباقي دول الخليج العربي بين فكي الكماشة الفارسية.