يبدو أن المملكة والأشقاء في مجلس التعاون الخليجي سيدخلون مرحلة أخرى جديدة ومختلفة من الاندماج والوحدة الاقتصادية، التي تؤهل منطقة الخليج للمشاركة وبقوة في قيادة وإدارة اقتصاد العالم. ويبدو أيضًا أن الرياض ستكون منصة رئيسية لانطلاق أول تكتل اقتصادي عربي حقيقي، ينافس التكتلات الاقتصادية الأوربية والأمريكية والآسيوية، ويجعل دول الخليج العربي سادس أكبر قوة اقتصادية في العالم، بما وهبها الله من موارد طبيعية واستراتيجية، وبما تمتلكه من أقوى سلاح اقتصادي وهو النفط. هذا الحلم أوشك أن يكون حقيقة، اقترب منها بطموحه ورؤيته الثاقبة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال ترؤسه مؤخرًا أعمال الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بقصر المؤتمرات بالرياض. هكذا يتوقع الخبراء بعد تأكيد سموه على أهمية استغلال الفرص المتاحة أمام دول المجلس، لأن تتكتل اقتصاديًا، لتحقق أهداف وآمال شعوبها من النمو والازدهار، وتكون أكثر قدرة وقوة على توفير أمن الامدادات والأمن الاقتصادي، باعتبارهما من أهم عناصر استمرارالدولة القوية. ووصف الخبراء، ما دعا إليه سموه، بأنه خطوة مبشرة، ينقل بها رئيس المجلس الأعلى للشئون الاقتصادية والتنموية الروح التفاؤلية التي تسود الاقتصاد السعودي، إلى جسد مجلس التعاون، حتى يتمكن من مواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية، التي تسارع الخطى لتعظيم مدخلاتها وتنويع اقتصادياتها، لمواجهة منافسة شرسة لا بقاء فيها إلا للأقوى في عالم سريع التقلب والتغير اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا. كما يتوقع الخبراء أن تشهد الأيام المقبلة تحركات سريعة لتنفيذ ما دعا إليه سموه، مستندين في ذلك إلى ثقة قيادات مجلس التعاون الخليجي بالفكر الاقتصادي لمحمد بن سلمان، الذي يؤسس حاليًا لسعودية جديدة، منطلقًا من رؤية 2030، التي يعتبرها زعماء ورؤساء العالم والكثير من الاقتصاديين نقلة نوعية في التفكير والتخطيط الاقتصادي السعودي. هذه الروح التفاؤلية والرؤية الطموحة، تحولت إلى ما يشبه المنهج أو النظرية عند الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي يتجاوز حدود القٌطرية إلى ما هو أبعد وأشمل، ليحقق التكامل الاقتصادي الإقليمي، خليجيًا ودون تفريط في المسئولية التضامنية العربية، وبما يحقق لبلاده مصالحها ويعزز مكانتها دوليًا. وكما يقول متخصصون في الشئون الاقتصادية العربية، عندما يعلن محمد بن سلمان عن شيء، أو يدعو لأمر ما، فإنه لا يفعل ذلك من فراغ، وإنما عن دراسة ورؤية خضعت أولاً للفحص والتمحيص، ومثلما ضخ الأمل والتفاؤل في شرايين الاقتصاد السعودي بخطط مدروسة وبرامج واقعية تؤسس لاقتصاد متنوع لا يعتمد على النفط الذي تحكمه التقلبات والمشاكل والأزمات الدولية، فإنه اليوم يعيد الكرّة عبر بوابة الخليج وعبر مشروع جديد من خلال تكتل خليجي يحقق الطموح الكبير لقيادات دول مجلس التعاون الخليجي وما يتطلع إليه المواطن الخليجي من رقي وتقدم. إن التفكير الدائم في قضايا الخليج العربي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، يعكس ويترجم إلى أي مدى يبقى الأمير محمد مشغولاً بنهضة وتقدم المنطقة التي خرج من بين رمالها، ليبني لها مستقبل أفضل يباهي به دول العالم المتقدم، وكما يقول المتابعون لخطواته الاقتصادية، لن تمر سنوات معدودة حتى يتحقق على يد هذا الأمير حلم السوق العربية المشتركة، الذى طال انتظاره، ويتم القضاء على كل المشاكل والعقبات التي تعترض طريق هذه السوق، التي ستكون نواة رئيسية لهذا التكتل الخليجي الذى يدعو إلى تأسيسه. مشيرين إلى أن سموه سيعطي نفسًا جديداً للتصور الداخلي للاقتصاد الخليجي الذي طالما نادى أصحاب الاقتصاد أن يعود الرهان الحقيقي إليه، معتبرين أن الفرص المهدرة أكبر بكثير من الفرص التي تم استغلالها رغم ما تعيشه دول المنطقة من رخاء وتقدم. وإذا كانت صناعة التكتلات الاقتصادية اتجاه سبقت الخليج إليه العديد من الدول، إلا أن هذا الاتجاه لم يظهر بشكله القوي خليجيًا مثلما يظهر الآن في مجلس التعاون الخليجي، وخاصة بعدما بات الأمر مصيريًا بالنسبة للقيادة السعودية الجديدة بكل ما تحمله من طموح وحماس، وبما تتسم به من تفوق واضح، مكنها من إحداث تغيير جذري في النمط السائد في المنطقة، عبر ثقافة اقتصادية تعتمد على الإنتاجية الذاتية، وعلى التنوع وفتح آفاق جديدة للاستثمار، مما يعجل بجني الثمار عبر طموحات التكتل الخليجي الجديد. ولأن محمد بن سلمان، يؤمن بأن الفكرة وحدها لا تكفي، كان لابد وأن يخرج من اجتماع الرياض بخطة وآلية يتم من خلالها الوصول إلى الأهداف والنتائج، فصاحب الفكر الاقتصادي الجديد لا يعجزه أن يضع يده على الأسباب الحقيقية التي تحول دون تكتل اقتصادي خليجي قوي بقيادة السعودية. ولعلاج هذه الأسباب، طالب محمد بن سلمان بأن ينتهز المسئولون الخليجيون الفرصة الآن، وأن يسعوا إلى مضاعفة كفاءة البنى الأساسية التحتية والمعلوماتية والمعرفية الحالية، والاستمرار في تطوير النظام التعليمي عبر مراحله المختلفة، وتحديث بنية الإطار التشريعي على نحو محفز للاستثمار، وإيجاد المزيد من قنوات وأدوات التمويل المبتكرة لدعم الافكار والمبادرات الابتكارية على صعيد المشاريع الكبيرة والصغيرة. ويجمع الكثير من الخبراء على أن محمد بن سلمان بما يمتلكه من مقومات إدارية وقيادية قوية، سيتمكن بالتعاون مع أشقائه من القادة والمسئولين بمجلس التعاون الخليجي من إظهار هذا التكتل للنور وجعله واقعًا ملموسًا، مستندين في ذلك إلى الأولويات الخمس الأساسية التي اتفق عليها المجتمعون بالرياض، وفي مقدمتها، أولا: اتخاذ جميع القرارات والخطوات التنفيذية التي من شأنها الارتقاء بالعمل الاقتصادي الخليجي المشترك. ثانيا: وضع جميع القرارات الاقتصادية السابقة التي "لم تنفذ أو نفذت بشكل جزئي موضع التنفيذ الكامل والسريع واعتماد الآليات اللازمة. ثالثا: إجراء مراجعة شاملة للسياسات والبرامج والمبادرات الاقتصادية والتنموية لمجلس التعاون بهدف تطويرها وضمان كفاءتها وفاعليتها وفقًا لأفضل الممارسات الدولية المتبعة. رابعا: تهيئة جميع العوامل القانونية والهيكلية والمالية والبشرية اللازمة لتطوير البعد الاقتصادي للعمل الخليجي المشترك. خامسًا: الاهتمام بجميع المواضيع والأمور ذات الصلة بالشأن الشبابي وتوفير جميع أوجه الدعم والمساندة للابتكار ولرواد الأعمال من الشباب. ويرى الخبراء، أن التحدى هذه المرة سيكون صعبًا أمام الأمير الشاب، ملمحين إلى الصعوبات التي تواجه ظهور السوق العربية المشتركة، ولكنهم يراهنون على حماسه وإخلاصه وإصراره على أن يفعل شيئًا مهمًا لوطنه وأمته وعروبته، مشيرين إلى برنامج التحول الوطني ( 2020) وخططه التي وضعها للاقتصاد السعودي، الذي بدأ بالفعل في التخلص من مشاكل كثيرة بفعل برنامج محمد بن سلمان الطموح. ويدعم هؤلاء رأيهم في رغبة قادة الدول الخليجية أنفسهم في عدم الاعتماد على اقتصاد النفط فقط لتتسق رؤيتهم هنا بما ينادي به ولي ولي العهد السعودي، والدخول في هذا التكتل الذي سيستفيد منه نحو 50 مليون خليجي. ويتساءل البعض، ما الاستفادة المنتظرة من هذا التكتل؟ متخصصون في الاقتصاد الدولي أكدوا ل"الوئام" أن هذا التكتل عند ظهوره سيغير من خارطة الاقتصاد العالمي، وسيجعل دول مجلس التعاون في محل منافسة مع دول التكتلات الكبرى مثل الصينوأمريكا والنمور الآسيوية، وستزداد مداخيل كل دولة بسبب ارتفاع معدلات التصدير، وارتفاع الإيرادات الناتجة عن التكامل والاندماج الاقتصادي، حيث ستستفيد كل دولة خليجية من مقومات الأخرى، فيما يعود العائد الأكبر على شعوب المنطقة، عندما تتدفق المشاريع الاستثمارية والإنتاجية التي تستوعب المزيد من العمالة والخبرات الوطنية اللازمة لتشغيل الصناعات المستحدثة التي حتمًا ستساهم في زيادة العرض ومن ثم انخفاض الأسعار ومعدلات التضخم. يذكر أن التكتل الاقتصادي يعني إحداث تكامل اقتصادي إقليمى بين مجموعة من الدول المتجانسة تاريخيًا أو ثقافيًا أو حضاريًا أو اقتصاديًا أو جغرافيًا لتحقيق مصلحة اقتصادية مشتركة. ويعتبر التكتل الاقتصادي مقدمة لاتحاد سياسي بين الدول المشتركة في التكتل أو تقديم الدعم السياسي للدول المشتركة في التكتل، وإذا كان التكتل بين دول كبيرة وأخرى صغيرة يكون الهدف هو السيطرة سياسياً من قبل الدول الكبيرة على الدول الصغيرة. ولنجاح أي تكتل ينبغي أن تتوافر البنية التحتية الأساسية الملائمة، وقوة العمل المؤهلة والمدربة، مع ضرورة تنسيق السياسات الاقتصادية، وتوافر الانسجام السياسي، والاتفاق على الحد من سيطرة الشركات العالمية العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات، فضلاً عن إرادة قوية لإزالة العقبات والمعوقات التي تحول دون الاتحاد والتكامل الاقتصادي، وهو ما حذر منه الأمير محمد بن سلمان وجعله يطالب بإزالة أي معوقات أولاً، حتى يكون طريق النجاح للتكتل الاقتصادي الخليجي أسهل وأسرع، ومن ثم تشعربه وتتذوق ثماره كل شعوب دول الخليج. ومن أبرز التكتلات العالمية: تكتل لدول أمريكا الشمالية ويسمى (نافتا)، و(كوميسا) الخاص بدول شرق وجنوب أفريقيا، وتكتل الاتحاد الأوروبي، ومنظمة جنوب آسيا (الآسيان)، ومنظمة التعاون الاقتصادي (الإيكو) ثم منظمة (شنجهاي) والتي تضم ست دول آسيوية، وأخيرًا مجموعة التعاون الاقتصادي لآسيا والهادي (إيبك ).