رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبقيت مبادئه، امتدادا لعهده الذي شهدت المملكة فيه تطورا ملحوظا في شتى الميادين. مات عبد الله، فارس النهضة، ولكن لم تمت أفكاره، ولا تطلعاته، وأمانيه، فقد تعهد شقيقه الملك سلمان، وهو رجل دولة من الطراز الأول، بأن يسير على نهجه، ودربه، سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، بكتاب الله وسنة نبيه، دون تفريط أو إفراط في عادات أو قيم، ودون أي تقصير في إعلاء شأن الوطن، ورفع راية التوحيد، داخليا وإقليميا ودوليا. 91 عاما هي عمر الملك الراحل، قضى معظمها أبو متعب في خدمة الدين والوطن، وقضايا أمتيه العربية والإسلامية، منذ أن بدأ حياته العملية في 11 رمضان 1382ه (5 فبراير 1963م) عندما أصدر الملك سعود مرسوما ملكيا يقضي بتعيينه رئيسا للحرس الوطني. وتبنى الملك الفقيد منذ لحظة توليه سدة الحكم في البلاد عام 1426ه، مشروعا إصلاحيا شاملا، يليق بالمكانة الدينية للمملكة، ويتواكب مع تطلعات الشعب. وركز الملك الراحل على الشباب، وإصلاح التعليم والقضاء والاقتصاد، وإنصاف المرأة، ويحسب له اهتمامه الشديد بالفتاة السعودية، وهو ما عبر عنه واقعيا بتعيين أكثر من 20 سيدة في مجلس الشورى، فضلا عن إصدار الكثير من القرارات والتوجيهات التي تأخذ بيد المرأة، وتحفظ لها كرامتها، وتصون حقوقها في ضوء مبادئ الدين الحنيف. وحرص أبو متعب على بقاء وطنه، متماسكا، مستقرا، فوضع خطة لبناء مجتمع متماسك أساسه الوحدة الوطنية، والتمسك بالإسلام عقيدة وشرعا ومنهجا للحياة، وهو ما تحقق بالفعل، رغم الإرهاب والتطرف والتشدد، وكل التحديات، والظروف الصعبة، التي تشهدها المنطقة سياسيا وأمنيا وعسكريا. ونجح الملك عبد الله في ترسيخ مكانة المملكة بين الأمم، وقت أن تهاوى من حولها الآخرون. وبذكائه الفطري، ورؤيته الثاقبة، التي تكشف مدى اهتمامه بمستقبل الوطن وتطوره، أنشأ في 20 أكتوبر 2006م (هيئة البيعة) التي أسهمت في الانتقال السلس للسلطة، باختيار ولي العهد ثم بعد ذلك ولي ولي العهد، مما يؤكد خبرته ببواطن الأمور وبعد بصيرته. هذا البرنامج الإصلاحي، أكسبه احترام وتقدير شعبه، بالإضافة إلى إعجاب واحترام قادة وشعوب العالم. حيث لم تستغرق عملية انتقال الحكم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أكثر من 48 ساعة وربما أقل، وهى بكل ما تحمله من تحديات وحسابات، تعد قياسية، وفريدة، ولا يوجد مثلها في نظام للحكم بالعالم. وعربيا، حرص الملك الرحل على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، ولا يتردد لحظة في التحرك الفوري والسريع لرأب أي صدع بين دول الخليج، وبينها وبين أي دولة عربية أو إسلامية، فكان يسعى دائما، يرحمه الله، لبقاء أوردة وشرايين العرب والمسلمين، سليمة غير ممزقة، مهما تعرضت لجلطات طارئة، أو جروح سطحية، ودوره الكبير في تحقيق المصالحة المصرية – القطرية أقوى دليل. وعالميا، عمد الملك عبد الله إلى إقامة علاقات دولية متوازنة – أساسها مصلحة شعبه وأمته، وكم كانت له مواقف واضحة، ضد إسرائيل وأي دولة أو كيان، يغتصب حقوق العرب، أو يحاول أن يسلبهم حريتهم أو يتدخل في شؤون بلادهم. رحم الله الملك عبد الله، حكيم العرب – وحفظ للبلاد سلفه، الملك سلمان، الرجل الوفي المخلص لأشقائه، الحريص على الوقوف بجانبهم جميعا، في السراء والضراء، غير طامع في حكم أو منصب، أو جاه، فقد ألف واعترك منذ صغره الحياة العملية والتنفيذية، منذ أن تولى إمارة منطقة الرياض وعمره 19 عاما، وعبر أكثر من نصف قرن، جعلها عاصمة دولية، واليوم يكمل المسيرة، بعد رحيل شقيقه الأكبر، خادما – كما أعلن للشعب والعالم – للدين والوطن. رابط الخبر بصحيفة الوئام: فهد بن سعود الحارثي/ رحل الفارس الإنسان.. وسلمان الوفاء يواصل البناء