تمارس وزارة المالية اختصاصات متعددة تتوزع ما بين عدة أدوار، سياسية وتشريعية وتنفيذية ورقابية، تتضمن اقتراح رسم السياسة المالية العامة للدولة، ودراسة خطط الإصلاح التشريعي في ضوء التطورات الاقتصادية والمالية وتنفيذ بنود الميزانية فيما خُصِّصت لها، والإشراف على آلية عمل الجهات الحكومية الأخرى في حدود تطبيق مخصصاتها المالية وفق أنظمة الدولة ولوائحها، وهي بذلك لا تمارس سلطة رئاسية على الجهات الحكومية، إنما تتصرف في حدود صلاحياتها وفهمها هذه الأنظمة، بما لا يعتدي على غيرها من أنظمة الدولة الأخرى، إلا أن الواقع العملي أفرز تداخلا بين ما هو من اختصاص الوزارة، وفيما هو متروك لجهات أخرى بحكم القوانين والأنظمة، وخاصة مع قرار وزارة المالية وقف المقابل المالي للحاسب الآلي الذي يُصرَف لأعضاء هيئة التدريس السعوديين العاملين في الجامعات الحكومية، وخاصة أن تلك الجامعات تعمل وفق نظام مجلس التعليم العالي الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (60) وتاريخ 2-6-1414ه. حيث إن وزارة المالية تسمي هذا المقابل بدل حاسب آلي، وهذه التسمية غير صحيحة فهو مكافآة وليس بدلا، وذلك بنص اللائحة المنظِّمة لشؤون أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم التي تنص على (يجوز أن يصرف لأعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين والمتخصصين في مجال الحاسب الآلي العاملين في مجال تخصصهم مكافأة يحددها مجلس الجامعة بما لا يتجاوز نسبة 25% من أول مربوط الدرجة المثبَّتين عليها). فهل فعلا هو بدل كما سمته وزارة المالية، أم أنه مكافأة، مع العلم أن هناك فرقا كبيرا بين البدل والمكافأة، فالبدلات يقصَد بها، المبالغ التي تُمنَح للموظف بمقدار مقطوع أو بنسبة من الراتب مقابل ممارسته أعمالا وظيفية معينة، أو لاعتبارات خاصة بها، ومنها ما يُمنَح مرة واحدة، ومنها ما يصرَف كل شهر مع راتب الموظف أو يعطَى كنسبة مئوية من الراتب، وتأخذ حكم الراتب من حيث الصرف أو الخفض أو التوقف، ولا تُصرَف عند التعويض عن الإجازة وفي حالة الابتعاث. ومن أمثلتها (بدل التعيين، وبدل النقل، وبدل الانتداب، وبدل طبيعة عمل، وبدل خطر وبدل الحاسب الآلي… إلخ). أما المكافآت، وهي مبالغ مالية محددة لا تأخذ طابع الاستمرارية وتصرَف للموظف لأسباب معينة بعد توافر شروط صرفها، ومن ذلك مكافأة التكليف بالعمل خارج وقت الدوام وأيام العطل الرسمية، ومكافأة نهاية الخدمة.. ومكافأة الحاسب الألي.. إلخ). وعليه، فإن الجامعات في صرفها بدل الحاسب الآلي إنما تستند إلى قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 1046 بتاريخ 24-10-1406ه المبني على الأمر السامي الكريم والقاضي بصرف بدل حاسب آلي لجميع المتخصصين في الحاسب الآلي من منسوبيها، دون استثناء طالما يشغلون مسميات وظائف الحاسب الآلي، وهو قرار سيادي واجب التطبيق ولا يجوز لأي جهة إصدار قرارات تتعارض مع قرارات أقرها الأمر السامي الكريم مهما كانت هذه الجهة. وهذا القرار الصادر من مجلس الخدمة المدنية لا يتعارض مع نص المادة (52) من اللائحة المنظمة لشؤون أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم، التي تنص على (يجوز أن يصرَف لأعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين والمتخصصين في مجال الحاسب الآلي العاملين في مجال تخصصهم مكافأة يُحدِّدها مجلس الجامعة بما لا يتجاوز نسبة 25% من أول مربوط الدرجة المثبتين عليها)، لاختلاف الموضوع بينهما، فقرار مجلس الخدمة المدنية تضمّن بدلا ونص المادة (52) تضمن مكافأة. وملاحظة ديوان المراقبة، تتضمن قيام الجامعات بصرف بدل حاسب آلي لعدد من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم غير المتخصصين، فهل الجامعات يصرفون بدل حاسب آلي لغير المتخصصين؟ كما أن نص المادة (52) واضح، لم يقصر صرف المكافأة على المتخصصين في الحاسب الآلي، إنما ذكر المتخصصين في مجال الحاسب الآلي العاملين في مجال تخصصهم، ولو أن المنظم أراد قصر هذه المكافأة على المتخصصين في الحاسب الآلي لما أورد جملة في مجال الحاسب الآلي الذي يعمل به أغلب أعضاء هيئة التدريس، من خلال تعاملهم في مجال الحاسب الآلي، وإنشاء موقع لهم عبر بوابة الجامعة الإلكترونية، وإنشاء بريد إلكتروني يتواصلون مع طلبتهم وإدارات الجامعة المختلفة، كما أنهم يقومون بتسجيل محاضراتهم عبره، ويرصدون درجات طلابهم إلكترونيا، ويتقاضون جزاءه مكافأة حاسب آلي وفق معايير وضوابط حددتها اللجنة الدائمة للحاسب الآلي المشكلة في كل جامعة، ويتم اعتماد توصياتها من مجلس الجامعة الذي يرأسه وزير التعليم العالي. ثم إن قرار مجلس الوزراء رقم 259 وتاريخ 1-9-1429ه، والقاضي بصرف بعض البدلات لأعضاء هيئة التدريس السعوديين مثل التدريس الجامعي، وبدل جامعة ناشئة، وبدل الندرة، وتأمين سكن ونحوه – لا يرتب تطبيقه جمعا مع البدلات الأخرى، فالجمع والتعارض بين البدلات يكون فيما يصرَف وفق لائحة الحقوق والمزايا المالية، أما ما يصرَف وفق قرار مجلس الوزراء فهو الأصل، والقاضي بصرف بعض البدلات لأعضاء هيئة التدريس السعوديين مثل التدريس الجامعي، وبدل جامعة ناشئة، وبدل الندرة، وتأمين سكن ونحوه، وهو قرار تنظيمي واجب التطبيق بحكم نص المادة (56) من نظام مجلس التعليم العالي، ولا يوجد أي جمع بين بدل الندرة وبدل الحاسب الذي يصرف للمتخصصين للأسباب التالية: بدل الندرة صُرِف وفق قرار مجلس الوزراء رقم 259 وتاريخ 1-9-1429ه. بدل الحاسب الآلي صُرِف وفق قرار مجلس الخدمة المدنية رقم رقم 1046 بتاريخ 24-10-1406ه المبني على الأمر السامي الكريم. فهل يجوز لأي جهة أن تعترض أو توقف العمل بقرارات سيادية، وخاصة أن مجلس الخدمة المدنية ومجلس الوزراء يرأسهما خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله. كما أن وزارة المالية تحتج بإيقاف مكافأة الحاسب الآلي، بحجة الاختلاف في تفسير المادة (52) من اللائحة، فهل وزارة المالية تملك سلطة تفسير هذه المادة وفق سلطتها الرقابية التي سبق أشرنا إليها، أو وفق أي سلطة أخرى تتمتع بها، أم أن ذلك متروك لجهات مختصة أخرى. وإننا نجيب عن ذلك بنص المادة (105) من اللائحة المنظِّمة لشؤون أعضاء هيئة التدريس السعوديين ومن في حكمهم التي تنص على: (لمجلس التعليم العالي حق تفسير هذه اللائحة). وعليه، فإننا نؤكد أن الجهة الوحيدة المعنية بتفسير نصوص نظام مجلس التعليم العالي ولوائحه، هي مجلس التعليم العالي ولا يجوز لوزارة المالية أن توقف مكافأة الحاسب الآلي عن منسوبي الجامعات لافتراضات تفسيرية لا تملكها قانونا، وخاصة أن تلك القرارات التي صدرت من مولاي خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – إنما هي مَكْرمة لأبنائه منسوبي الجامعات، كما هي مكارمه المتعددة لشعبه الكريم، لا ينقضها إلا قرار سيادي يتمتع بنفس القوة والمصدر. كتبه الدكتور عبد الله بن نادر العصيمي أستاذ القانون الإداري والمشرف العام على الإدارة القانونية بجامعة شقراء رابط الخبر بصحيفة الوئام: بدل الحاسب الآلي بين وزارة المالية و«التعليم العالي»