تناول خطيبا المسجدين الحرام والنبوي في خطبة اليوم سماحةَ ويسر الإسلام، وكذا تعاليمه الحنيفة، بجانب الاستعداد والاستفادة القصوى من رمضان المبارك. أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط، أن أخذ النفوس باليسر وتربيتها على السماحة والنأي بها عن العنت والمشقة هو طابع الإسلام الذي اتسم به وافترق به عن غيره، مبينًا أن مظاهر اليسر تجلَّت في الصوم، عبر الأمر بتعجيل الفطر بمجرد غروب الشمس وتأخير السحور وامتداد وقته إلى أذان الفجر، وكذا في التجاوز عمن أكل أو شرب ناسيًا لصومه فلا قضاء عليه ولا كفارة، والترخيص للمريض والمسافر في الفطر رفعًا للحرج عنهما ودفعًا للعنت، وإباحة الفطر للحائض والنفساء مع القضاء، والترخيص للحامل والمرضع في الفطر مع القضاء، والترخيص للرجل الكبير والمرأة الكبيرة، إلى غير ذلك من مظاهر اليسر الكثيرة المتجلية بالصوم وغيره من العبادات بعيدًا عن رهبانية المترهبين ونزعات الماديين. وقال فضيلته، في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام بمكة المكرمة: "إن المسلم ليذكر وهو يستقبل شهر رمضان بالفرحة الغامرة والأمل في اغتنام فرصته بالظفر بأوفى المكاسب والحظوة بأعلى الدرجات في روضات الجنات لدى رب الأرض والسموات، إنه ليذكر مع ذلك أن الصوم كسائر العبادات التي كتبها الله على عباده فريضة ذات أهداف رفيعة ومقاصد سامية تستشرف لنهوضها النفوس المؤمنة والقلوب المطمئنة رغبةً في نوال الخير وتطلعًا لعظيم أجر وجميل موعود وعد الله به الصائمين، فإن المرء بحكم بشريته وما رُكِّب فيه من دوافع وما جُبل عليه من غرائز قد تنحرف به عن الجادة وتحيد به عن سواء السبيل، وقد تكون مثبطة له عن اللحاق بركب عباد الله المخلصين وإدراك قوافل الصالحين والأخذ بنصيب وافر من التكمل الذاتي والسمو الروحي..". وتابع: "إنه بحكم ذلك في حاجة إلى وسيلة صالحة تأخذ بيده وترقى به إلى ما يريده الله منه من صلاح واستقامة، فكانت الوسيلة الناجحة هي الصوم؛ إذ هو الباعث الأقوى في إحداث انقلاب وتحوُّل في النفسيات من السيئ إلى الحسن ومن الحسن الى ما هو خير وأحسن منه، وهو تحوُّل عام يشمل الناس في دنياهم فيحمل الأكثر على الاتجاه نحو حياة أفضل يتجلى فيها الخير والصلاح وسداد المسلك والاستمساك بخِلال التقوى ومجانبة الصبوة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فإذا ما درج المرء على هذا التحول الكريم شهرًا كاملًا نشأت عنده العادة الحميدة في حب الخير وعشق أساليب الفضيلة؛ فإن العادة تنشأ بالتكرار". واستطرد الشيخ أسامة خياط قائلًا إن شهرًا كاملًا يسلك العبد فيه أقوم المسالك وأرفع مناهج الطهر سوف يكون له أقوى تأثير على نظمه بعد انقضاء شهر الصيام، إذ يصبح هذا المنهج الرشيد عادةً لازمةً له، وتلك هي التقوى المنشودة التي يجب أن تكون مصاحبة للعبد وخلقًا من أخلاقه يُعِدُّه الصوم لها إعدادًا خاصًا في شهر رمضان، فيبقى مقيمًا على عهدها لا ينحرف عنها أو ينصرف إلى مزالق الرذيلة, لافتًا النظر إلى أن تهيئة النفوس بالتقوى هدف بارز من أهداف الصوم، بل إنها المحور الذي يدور عليه الصوم ويتعلق به، مبينًا أن صوم لا تلامسه التقوى ولا تخالط فيه نفسية الصائم، صوم خواء إنما هو لإسقاط الفريضة بحيث لا يؤمر بإعادتها، لكنه خرج عن نطاق التقوى ولم يدرك حقيقة الصوم وإنما أتى بمظهره وجامعه السلبي, لذا قال سبحانه وتعالى (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فبدأها سبحانه بنداء المؤمنين وختمها بقوله (لعلكم تتقون). وأبان أن بين الإيمان والتقوى أوثق الصلات, إذ الإيمان أساس الخير ومنبع الفضائل، والتقوى روح الإيمان وعماده وسر الفلاح، وفي الجمع بين الإيمان والتقوى في مبدأ الآية وختامها ما يُشعر بأن المقصود بالصوم ما جمع بين منازع الإيمان من الفضائل والتكمُّلات الذاتية والروحية وبين دوافع التقوى من كمال المراقبة لله تعالى والخوف منه والتعلق به وحده والزهد فيما سواه، وبذلك يجمع الصائم بين مظهر الصوم السلبي من الكفِّ عن شهوتَيْ البطن والفرج وبين حقيقته الإيجابية من السير على الفضائل وانتهاج أقوم المناهج وأهدى السبل فلا يسخط ولا يماري ولا يساب أحدًا أو يشاتمه، وذلك ما وجَّه إليه رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه بقوله "الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم". وشدد فضيلته على أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل ولا يتم إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فمَنِ ارتكب المحرمات ثم تقرب بترك المباحات كان بمثابة مَن يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل وإن كان صومه مجزئًا عند جمهور العلماء بحيث لا يؤمر بإعادته, مضيفًا أن ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جُبلت على الميل إليها مع قدرتها عليه ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يطلع عليه إلَّا الله كان ذلك دليلًا على صحة الإيمان. وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الصوم ينبه في الصائم ما كمد من عواطف الخير وملكات التكمُّل ويتجه به نحو مسلك تُكبح فيه نفسه الأمَّارة بالسوء وتُلجم فيه خلال الشر ومظاهر الإثم ودوافع الرذيلة، فلا يسخر ولا يشتم ولا يماري إن هيض جناحه أو اعتُدي عليه، وإن الصبر وقوة العزيمة والتضحية في سبيل القيام بالواجب والشفقة والعطف والمواساة والشعور بحاجة المضطر وغير ذلك من خلال الخير وخصال الحمد, هي من روافد الصوم بل هي عماده ونقطة الارتكاز فيه، وبمزايدتها ينأى الصائم كثيرًا عن الهدف الأسمى في التزكية ويكون صومه آليًّا وعبارة عن طقوس تؤدَّى ومظاهر شكلية لا توصل إلى الغاية ولا يكون لها الأثر في التقويم والصقل، ومن ثم يتم إدراك الوسيلة لتحقيق الفرحتين اللتين جاءت بهما البشارة النبوية الكريمة من نبي الله صلوات الله وسلامه عليه بقوله "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه"؛ إذ هما نتيجة الجهد والكدح والمصابرة ومغالبة ميول النفس في سبيل أداء هذه الشعيرة وأخذ النفس بها والقيام بما تفرضه من التزامات. وأوصى فضيلته المسلمين بتقوى الله، فهذا رمضان قد أتاهم شهر بركة وغفران وعتق من النيران يغشاهم الله فيه فيُنزل الرحمة ويحطُّ الخطايا ويستجيب الدعاء. وفي المدينةالمنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة اليوم عن الواجبات التي يجب على كل مسلم معرفتها والإلمام بها, والتي تتعلق بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي تعود في مجملها إلى أمور ثلاثة هي: الإحسان إلى النفس وأن ذلك يكون بأنواع العبادات، والإحسان إلى الخلق بأنواع الخير، قال الله تعالى (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، وكفُّ الأذى عن الناس قال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم). وتناول فضيلة الشيخ الحذيفي المسائل المتعلقة بالزكاة مؤكدًا أنها عبادة خالصة لله جعلها في المال حقًا مفروضًا على المسلم لأصحاب الزكاة الثمانية، مبينًا أن المولى جل في علاه فرضها للتكافل الاجتماعي بين المسلمين وأوجبها لقضاء حاجات الفقراء والمساكين، مستشهدًا بقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم), لافتًا الانتباه إلى أن أداء الزكاة يجتث داءَ الحسد من القلوب ويولد التعاطف والتراحم بين المسلمين ويضمن التكافل الاجتماعي بينهم. وبيَّن فضيلته أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وهي مقرونة بالصلاة في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى (وآتوه من مال الله الذي آتاكم)، كما أن الزكاة تزيد في المال وتنميه ولا تنقصه وتحفظه من الهلكة والآفات قال تعالى (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين)، وفي الحديث "ما هلك مال في بر ولا بحر إلا بمنع زكاته"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا حبس عنهم القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا"، وقال تعالى (والذين هم للزكاة فاعلون). وحذَّر فضيلته مما حذر منه المولى عز وجل من منع الزكاة وعدم إعطائها لمستحقيها, مفيدًا أن مصير مَن منع الزكاة هو الناركما قال تعالى (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)، وقوله عز من قائل عليم (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع فيأخذ بمهزلتيه, يعني شدقيه، فيقول أنا كنزك أنا مالك))، مشيرًا إلى أن الأموال التي تجب فيها الزكاة هي الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما والإبل والبقر وعروض التجارة الأخرى. وخلص إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن على المسلم الحرص كل الحرص على التفقه في أمور دينه، خاصة فيما يتعلق بمسألة الزكاة في هذا الشهر الفضيل، كما أن الواجب عليه أن يسأل أهل العلم عن تفاصيلها ليؤدي حق الله فيها, مشيرًا إلى أن الإنفاق يُضاعَف لاسيما في شهر رمضان على أن يكون إخراجها سرًّا كما جاء في الحديث "صدقة السر تطفئ الخطيئة", منوهًا فضيلته بأهمية شهر رمضان وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر به أصحابه في آخر شعبان.
رابط الخبر بصحيفة الوئام: خياط : الصائم لا يسخط ولا يساب أحدًا أو يشاتمه