شعور غريب أن تنظر إلى المرآة ولكن لا ترى نفسك في نفس الصورة التي تظهر بالمرآة فرغم أن السواد يغطي شعرك ،وأن العمر لم يتقدم بك ، ولكنك تشعر وكأنك شيخاً تجاوز الثمانين الشيب يكسو رأسك ، و التجاعيد تغزو ملامحك ، والكهولة تنهك شبابك ، والهرم يحكم قبضته عليك . بهت بريق الحياة في روحك ، وجفت منابع الأمل في أعماقك ، واجتثت جذور الابتسامة من داخلك. حالة تجعلك تكذب صورتك في المرآة ، رغم يقينك بصدقها ، تشعر وكأنك كبرت فجأة ودون حساب للزمن ، ولا اعترف بعجلة الأيام . شعور غريب أن ترى نفسك كبرت فجأة فلم تعد روحك تأنس بالحديث مع من حولك ، ولا تلهو بالسمر معهم ، ولا تستمتع بمرفقتهم . تفضل الصمت على أحاديث لا تأنس معها النفس، ولا يسمو بها الفكر ،ولا تحترم فيها الذات ولا تفك القيود عن مشاعرك . فاخترت الوحدة على جلسة بلا متعة ، و مناقشة بلا فائدة ، وحوار بلا هدف ، ولقاء بلا لهفة . هو شعور دائما يخالج النفس بعد أن تتجاوز عمراً من الزمن ،وتقطع شوطاً طويلاً في رحلة الحياة ، قد يكون زهير أجدى التعبير عن هذه المرحلة الصعبة من العمر عندما قال : سَئِمْتُ تَكَالِيْفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشُ ثَمَانِينَ حَوْلاً لا أَبَا لَكَ يَسْأَمِ ولا غرابة أن يعبر زهير عن حالة السآم هذه بعد أن جاوز الثمانين ، واختلفت عليه الأجيال ، مما جعله غير قادر على التوافق مع من حوله ,فوجد نفسه وحيداً في مجتمع يألف ما لم يعتاد عليه ، وينكر عليه ما تعود . هنا تسأل نفسك لما تفتك بك الغربة ، وحولك الأصدقاء ؟ ولما تمزقك سياط الصمت وسط الضجيج ؟ ولما تلازمك الوحدة في عالم أتقن كل وسائل التواصل ؟ أسئلة كثيرة تتدافع داخل عقلك عندما تجد نفسك في مجتمع ينكر عليك ما لم تعتاد ، ويألف ما تنكر ، فيبتسم وقت العبوس ، ويرقص عند الألم ، يتألم من غير وجع ، ويصفق من غير نجاح . يستمتع بالسفاسف ، ويبتهج بالتوافه ،يهتم بالغث ، يجمع المهمل ، ويهمل المهم ،يأخذ الساقط ، ويسقط القيم . فتجد عقلك لا يستجيب لهم ، ونفسك تائهة معهم ،وكلماتك شاردة بينهم ، تصرخ فلا تسمع إلا صدى صوتك ، وتبكي فلا تجد إلا وسادتك ، وتمرض فلا تسمع إلا أنين جسدك . (شيخوخة المشاعر) يعاني منها العقلاء في عالم يضج بالجنون ، والمثقفين في مجتمع لا يعتد بالثقافة ، والكُتاب في زمن رخص فيه الكتاب ، والعلماء في وقت لا أهمية فيه للعلم . ( شيخوخة المشاعر ) وهن يصيب ذوي المبادئ الراسخة ، ومرض لأهل القيم النبيلة ، وسكين في قلب أصحاب الضمائر الحية . ثمة ضوء : أحرقي في غُربتي سفني إلاَ نّني أقصيتُ عنْ أهلي وعن وطني وجَرعتُ كأسَ الذُّلِّ والمِحَنِ إلا نني أبحَرتُ رغمَ الرّيحِ أبحثُ في ديارِ السّحرِ عن زَمَني وأردُّ نارَ القهْرِ عَنْ زهري امل الحربي رابط الخبر بصحيفة الوئام: شيخوخة مشاعر!