على الرغم من كثرة مشاكل الخدم والعمالة المنزلية – التي لازالت تتوالى – وبحث الجميع عن حلول ناجعة ، من تقنين للعمالة ، إلى مأسسة مكاتب الاستقدام ، إلى المطالبة بإنشاء دور لحضانة أطفال الأمهات العاملات.إلا أن الغالبية لازالت تتبنى عقلية الاستعانة بالآخرين لإدارة شؤونهم الخاصة ، وتلك هي المشكلة الحقة. إن تقليل مشاكل الخدم ينطلق وأساسا من رفض هذه الثقافة ، ومحاولة إعادة بناء المسؤولية داخل كل فرد في الأسرة. فمن الظلم تحميل الأم وربة المنزل جميع المهام ، وإناطة مسؤولية الخدمة بها وحدها ، من تنظيف وطهي ، ورعاية أبناء ، واهتمام بالزوج ، إضافة إلى فترات الحمل والوضع والعناية بالطفل التي تمر على كل امرأة ، ويزداد الوضع سوء إن كانت امرأة عاملة. كل ذلك يجعل من المحال أن تنهض وحدها بكل هذه الأعباء ، بل لابد من مشاركة كل فرد من أفراد ألأسرة لتحمل ما يخصه في إدارة المنزل. أما إن تخلى الزوج والأبناء عن المشاركة ، كان خيار استقدام خادمة ضربة لازب. ومن أسباب استعانتنا بالخدم ، التعقيدات التي ادخلنا حياتنا اليومية فيها ، بداء من تصميم بيوتنا ، التي بالغنا فيها بالعناية بالحجم والمساحة على حساب الراحة والبساطة والعملية ، وبلغة أخرى : صممنا بيوتنا للآخرين وليس لنا . ومما زاد عبء الخدمة المنزلية ، النمط الذي تبنياه في حياتنا ، وهو النمط الاستهلاكي ، والذي محوره الكثرة وليس الجودة ، ابتداء بالأطعمة وليس انتهاء باقتناء الملابس والأثاث والكماليات بأنواعها. ومن مظاهره تفنن ربة المنزل في طهي أنواع معقدة ووافرة لأسرتها ، دون مراعاة الجانب الصحي والغذائي السليم ، ودون مراعاة كم يستهلك ذلك من وقتها وكم يستغرق من ميزانية الأسرة ، وكم يدمر من صحة ابنائها وزوجها الذي يظهر فيهم السِمَن .. وكأن بعض ربات البيوت لا تعرف أن تثبت أنها أم صالحة وزوجة ناجحة إلا بلغة واحدة : هي لغة الطعام ..! وفي نظري إن أسوأ محور في هذه التوليفة المتشابكة من مساوئ العمالة المنزلية ، هو تدمير الشخصية المسؤولة عند ابنائنا وأجيالنا الصاعدة . حيث ينشئون متكلين على غيرهم ، حتى في أبسط شؤونهم .مما يجعلهم غير متحملي مسؤولية حياتهم ، فاقدي القدرة على اتخاذ قرار ، وقليلي الخبرة في الحياة حتى في دق مسمار على الحائط.! وبلغة أعم ، فشعب لا يخدم نفسه ويستعين بشعب آخر ليخدمه : لن ينهض أو يتطور ، بل هو عالة على شعوب الأرض. ومن أجمل قوانين المدارس الداخلية العالمية ، والتي تضم نخبة العائلات العريقة والثرية ، نظام الخدمة الذاتية ، فكل فرد في هذه المدارس ، يرتب سريره ويغسل ملابسه ، وينظف أطباق طعامه ، ويعتني بكل شؤونه ، دون الاستعانة بأي أحد . وهذه التربية الصارمة تنشئ شخصية قوية ذات تحمل للمسؤولية ، هي التي تبحث عنها كثير من الأسر ولا تعرف كيف توجدها ، ولا أين تجدها. إن الخدمة ليست مهمة المرأة وحدها – سواء كانت عاملة أو غير عاملة – ، بل كل من يقطن هذا المنزل ، يجب عليه تحمل ما يخصه ، أو حتى المساعدة. وفكرة فريق العمل داخل المنزل ، من توزيع للأدوار ، وتقسيم للمهمات ، ووضع مخطط للأعمال المنزلية الأسبوعية ، تنظم حياتنا وتريحنا من الاستعانة بأي فرد غريب دخيل من خارج المنزل إن التخطيط والجدولة تخلصنا من حياة الطوارئ التي نعيشها ، وبسببها نفقد الكثير من مالنا ووقتنا ، وصفاء نفوسنا وفكرنا . والذي بيدنا أن نعمله هو ما سبق . وما ليس بيدنا وننتظره من الجهات الحكومية ، هو إنشاء مؤسسات مجتمعية تساعد المرأة العاملة على أداء عملها والعناية بأطفالها في ذات الوقت . أخيرا : نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة حياتنا ، وإعادة النظر في أولوياتنا ، وقصر فكرة الخدم على أوضاع إنسانية مزمنة ، كعجز أو مرض ، وليس جعلها نمط حياة ، وثقافة مجتمع. رحمة العتيبي رابط الخبر بصحيفة الوئام: هل نحتاج إلى خادمة ؟