سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ناشط ساهم في الثورة: تربينا على "الحيطان لها آذان" الاحتجاجات السورية خرجت من الشباب وليس من المثقفين * لاجئ: تمنينا الموت على الوقوع في قبضة "الشبيحة"
في مدينة طرابلس التقينا الناشط السياسي حامد ليروي لنا كيف ترك مدينته حمص مؤخرا بعد أن دمرت أحياء منها بالكامل على يد نظام الأسد. حامد الناشط "الفيسبوكي" لوحق من قبل رجال الأمن واستطاع النجاة من بين أيديهم بعد أن حسم أمرا هاما وهو تجاوز خطر اعتقاله والمجيء إلى لبنان الذي سبقه أهله إليه واستاجروا منزلا في إحدى القرى القريبة. حامد حاصل على شهادة الحقوق وعلى درجة الدراسات العليا (الماجستير) في التخطيط الاقتصادي، وناشط حقوقي وسياسي، وهو من حي القصور الذي شهد الكثير من التظاهرات ضد النظام وتعرض سكانه للمضايقات من رجال الشبيحة ومن أجهزة الاستخبارات التي كانت تلجأ لاعتقال الشبان في محاولة لخنق الثورة وحرمانها من الدم الذي يغذيها. يقول حامد، وهو شاب في أواخر العشرينات، "منذ سنوات والشعب السوري يعيش في حالة من الرعب والخوف والظلم الاقتصادي والاجتماعي والتمييز الطبقي والطائفي. فنحن وعلى مدى أربعة عقود تربينا على ثقافة "الحيطان لها آذان" والخوف من أي شخص بحجة أنه من الأمن والمخابرات أو مرتبط بهما، وثقافة زرع عنصر أمن في دماغ كل مواطن، حيث كان هذا هو الجو السائد في المجتمع السوري، وهذا ما أدى إلى زيادة الطغيان والظلم والخوف في نفوس الشعب السوري، فمن نظرة نقد ومراجعة لوضع مجتمعنا نجد أن هذا الخوف والرعب والرضا بالأمر الواقع هو أحد أهم المشكلات التي كان يعاني منها المجتمع السوري، حتى إنه تكّون اعتقاد عام عند بعض الشرائح من المجتمع السوري أن إزالة هذا النظام من المستحيلات مع بعض المحاولات الخجولة لفتح ثغرة على نافذة الحرية من بعض المثقفين أو السياسيين، ولكن لا تلبث أن تقمع هذه المحاولات بأبشع الطرق والأساليب، حيث كان يسجن صحفي لسبع سنوات لمجرد مقالة كتبها، أو يهان عضو مجلس شعب لأنه انتقد إجراء معينا. وهناك الآلاف من السوريين على مدى العقود الأربعة الماضية في السجون، إما لكلمة أو نقد أو وشاية من أحد المتنفذين لدى النظام، بالإضافة إلى سجن الشباب والجيل الصاعد بشكل متكرر ومراقبتهم وتهديدهم وترهيبهم. وبالتالي كانت الأربعون عاما الماضية ما قبل الثورة تكريسا لحكم العائلة وحكم الفرد والاستبداد والظلم والفساد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتجسيدا للتفريق الطائفي وربط كل ما في البلد بعائلة حاكمة بأمر الله هي عائلة الأسد". نسأله: كيف تحول هو كشاب إلى ثائر في ظل هذه الأوضاع؟، فيجيب "أنا كشاب سوري كنت أنتظر الفرصة وأنا أشاهد الظلم أمامي وأعيشه وأرى الاستبداد والخوف ينهش كل مفاصل حياتنا.. حياة شعبنا وبلدنا، بحيث إن كل ذلك القهر والظلم والظلام كان قادراً على تخزين كم هائل من الغضب والإحساس بالغبن والظلم والقهر في نفسي كما في نفس السوريين الآخرين، وخصوصا لدى جيل من الشباب رافض للظلم وتواق إلى نسائم الحرية والخروج من حكم الظلم والاستبداد والطائفية ". مأساة أطفال درعا كانت الفيصل من هذا الواقع المأساوي ومع تغير المجتمعات وتطورها وتطور وسائل الاتصال وسرعة نقل المعلومات وهبوب رياح التغير العربي والربيع العربي بدأ يتكون لدى جيل الشباب شوق كبير للحرية والتغيير، هذا ما أثر في حامد، الذي قال "كنا نرى تونس كيف تتظاهر وكيف هرب الطاغية الأول زين العابدين بن علي وبعدها الطاغية الثاني حسني مبارك وعملية إسقاطه ومن ثم سجنه.. عندها تكون عندي كما عند الكثير من الشعب عموماً وعند جيل الشباب خصوصاً أن هناك أملا في تحقيق الحرية، وكنا ننتظر الشعرة التي سوف تقصم ظهر البعير، حيث كانت هناك دعوات لتظاهرات وتجمعات واعتصامات.. كانت كلها تشكل إرهاصات لاندلاع الثورة حتى حدثت قصة أطفال درعا أصحاب الأصابع الملائكية والتي كتبت على حائط المدرسة "الشعب يريد إسقاط النظام". وبالمقابل كيفية التعامل الإجرامي والمهين لأهلنا في درعا. وبعد هذه القصة كان لأهلنا في درعا شرف إشعال الثورة السورية وكسر حاجز الخوف عند الشعب، فدرعا مركز انطلاق انتفاضة الشعب السوري للتغير والحرية والكرامة". ويرى حامد أن "الثورة أو الانتفاضة في درعا كانت تتميز بالعقلانية منذ البداية، حيث خرجنا كسوريين نطالب بالحرية والكرامة والعدالة ووحدة الشعب السوري بمظاهرات سلمية رائعة راقية نابعة من صميم معانة الشعب المقهور والمظلوم، تضامنا في حمص مع أهل درعا وخرجنا بتظاهرات مماثلة. ويذكر هنا أنه عندها لم يكن مطلب هذه المظاهرات إسقاط النظام، حيث كان الشعب السوري أو المزاج العام منذ البداية يريد الحصول على الحرية والكرامة بأقل عدد من الخسائر وبأكبر مقدرة على الحفاظ على مؤسسات الدولة". الانطلاقة من المساجد ويوضح "كانت المظاهرات في البداية تنطلق من المساجد، حيث يعتبر المسجد في يوم الجمعة وفي صلاة الظهر تحديدا هو المكان "الوحيد" الذي يسمح فيه بالتجمع، فكان المسجد هو نقطة التجمع الأولى لنا، ومن أول خطوة خارج المسجد تنطلق الهتافات الرائعة الوطنية مثل "حرية.. حرية"، و"واحد واحد واحد الشعب السوري واحد "، و"بالروح بالدم نفديك يا درعا" و"الله أكبر" و"الموت ولا المذلة". في هذه المظاهرات التي شاركت فيها كنا نسمع أصواتنا لأول مرة.. نسمع أرواحنا تتكلم ونصرخ بالحرية بعد عقود من الظلم والقهر والاستبداد. كانت تختلط دموعنا.. دموع الفرح بشعور الحرية مع صرخات هتافنا المحبة للحرية والكرامة والأرض والوطن". كيف كانت تحصل المواجهات؟ نسأله فيجيب "طبعا كان مقابل ذلك مئات من رجال الأمن والعصي الكهربائية ومئات من الشبيحة المسعورين والكثير من عناصر حفظ النظام، بحيث يكون عددهم مساويا لعدد المتظاهرين مدججين بالعصي الخشبية والكهربائية والأسلحة الرشاشة. كانوا يهجمون على المظاهرات كالوحوش الكاسرة فيضربون ويعتقلون ويقتلون بدم بارد، وكان الشاب منا يتمنى أن يموت، على أن يقع تحت قبضتهم أو يعتقلوه. كانت المشاهد مرعبة ووحشية وهمجية وبربرية كأنهم مخلوقات من عالم آخر. عالم من القتل والتعذيب والإجرام والحقد الذي يملأ السهول والجبال في نفس كل واحد منهم. عندها، وبعد هذا الرد القمعي الإجرامي الحاقد على الشعب من قبل النظام وطريقة تصديه للمظاهرات السلمية التي صدمت كل العالم في الشرق والغرب بمدى الوحشية والهمجية، وكذلك كمية الدماء التي سفكها هذا النظام لم يعد أمام المظاهرات والشعب السوري إلا المطالبة بإسقاط النظام، حيث تبين من الحل الأمني القمعي الإجرامي أن هذا النظام من المستحيل أن يستمر في الحكم أو أنه من الممكن أن يقود مرحلة الانتقال، فما بالك وهو يقود حملة قمعية أمنية تشبيحية إجرامية تحرق الأخضر واليابس؟ ومن هنا حسم الشعب أمره وخرج بهتاف إسقاط النظام، فأصبحت شعارات المظاهرات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"خاين يلي بيقتل شعبو" و"المطالبة برحيل النظام ورأس النظام". ونحن كشباب كنا نعمل على تنظيم أنفسنا. فمنا من يحضر للمظاهرات ومنا من يقوم بالتصوير ومنا من يقوم بتحميل الفيديوهات للقنوات الفضائية". عيون تلتقط الحدث ويقول حامد "بالنسبة لي أنا كنت مدير شؤون الموظفين (الموارد البشرية)، وكان في منشأتنا أكثر من 300 موظف وعامل، موزعين على حمص وريفها. فكنت يوم السبت أجمع مقاطع الفيديو من بعض الموظفين الموثوقين وأقوم بإرسالها لكل القنوات الفضائية، وكذلك بعض الأصداقاء يقومون بإرسال كل ما يصورونه، وكنت أقوم برفعه للفضائيات. بالإضافة إلى ما كنت أنا أصوره بعدسة هاتفي الخليوي، وأيضا توسيع النشاطات والعلاقات مع بقية الناشطين، بحيث تشكل كل مجموعة منا وحدة إعلامية سياسية ناشطة سواء على الإنترنت أو على أرض الواقع". تشكل المعارضة ويضيف "كذلك أفرزت هذه الثورة على المستوى السياسي ما يسمى بالمعارضة. ويذكر أنه وعلى مدى أربعين عاما كانت الحياة السياسية في سورية في حالة انعدام وجود في ظل القمع والاستبداد والقبضة الأمنية المتحكمة بمفاصل الدولة والإدارة والشعب. وهذا الواقع المأساوي للحياة السياسية في سورية أنتج في بداية الثورة مجموعة معارضات مختلفة. وأنا أعتقد أن هذا شيء صحي، وما لبثت أن حاولت هذه المعارضات الالتقاء والاجتماع والمحاولة لتشكيل مجلس وطني موسع يضم كل أطياف المعارضة، وبالتالي يمكن تقسيم المعارضة في سورية إلى: أولاً، المجلس الوطني السوري، وهو يضم الأغلبية من المعارضة من مجموعة من المستقلين ومن تنظيم الإخوان المسلمين و شخصيات معارضة كردية وشخصيات من لقاء ما يسمى "ربيع دمشق" وأعضاء بعض التنسيقيات في الداخل والكثير من الشخصيات السورية المعروفة وغير المعروفة. وثانياً، ما يسمى بهيئة التنسيق الوطني، وهي تعتبر نفسها معارضة، وتسمي نفسها وحسب ادعائها معارضة الداخل، وتلتقي مع المجلس الوطني بنقاط وتختلف معه بنقاط. وثالثاً، شخصيات مستقلة معارضة عندها رؤى معينة وتساهم من خلال نشاطها السياسي والإعلامي في بلورة بعض أفكار المعارضة. ورابعاً، هناك ما يسمى بمعارضة من صنع النظام، فهي عبارة عن حذاء ينتعله النظام عندما يكون بحاجة له ويرميه عندما لا يرى له حاجة، وبالأصل ليست معارضة بل عبارة عن مرتزقة على هيئة ما يسمى معارضة". ويؤكد حامد "هذه الثورة خرجت من صميم الشعب السوري من الجيل الشاب في سورية، لم تخرج من المثقفين السوريين أو الإسلاميين أو العلمانيين أو الشيوعيين أو القوميين أو المعارضين القدامى. هذه ثورة خرجت شعبية تشمل كافة شرائح الشعب وتضم في صفوفها كل الطوائف والمناطق والمحافظات، وخرجت من أجل شيء واحد وهو الحرية والكرامة والتغيير، ولن تهدأ حتى تحقق أهدافها، وبالتالي هذه المعارضات كلها متأخرة عن زخم الثورة ومطالب الثورة ولكن بدرجات متفاوتة، وكلها تحاول اللحاق بركب الثورة القوي. وبالرغم من هذا التأخر الكبير عن معاناة الشعب السوري والأحداث المفجعة في سورية من قتل وذبح وتهجير وقصف واغتصاب فلا بد أن نكون مع أي نشاط سياسي أو إعلامي من المعارضة في تحقيق مطالب الشعب ويرتقي لمستوى ما يحدث في المحافظات السورية. ونحن كمجموعة ناشطين على اتصال تام مع كل أطياف المعارضة، وكذلك مع التنسيقيات في الداخل والخارج في عالم يحكمه نمط متطور في الاتصالات والتكنولوجيا وسرعة فائقة في طرح وتبادل المعلومات والأفكار، بغض النظر عن المكان والزمان ". الجيش الحر كان لا بد للثورة لمن يحميها، وهكذا نشأ الجيش السوري الحر، وهو عبارة عن ضباط برتب عالية انشقوا على النظام بسبب زج الجيش في عملية القمع والقتل والقصف والتهجير. يقول حامد إن هذا الجيش "تميز بالشهامة الكبيرة والشجاعة الفائقة. وهم عسكريون خاطروا بدمائهم وبدماء أهلهم في سبيل الوقوف مع شعبهم وحمايته من آلة القتل والقمع والإجرام الأسدية، بحيث شكل هؤلاء المقاتلون الأبطال قوة ردع فاعلة في صد أفعال النظام من قتل وإجرام، وكذلك شكلوا مجموعات وكتائب لحماية المتظاهرين وسكان المحافظات، وما لبث أن تحول نشاط هذه الكتائب إلى عمليات تضرب النظام بأماكن موجعة بعد ما تأكد لدى الشعب السوري أن هذا النظام لن يسقط إلا بالقوة". يرى حامد في الثورة الأمل والحياة، ويقول "نحن على استعداد أن نضحي بأوقاتنا وأموالنا ومنازلنا وحتى دمائنا في سبيل حرية بلدنا وتحقيق كرامتنا. هذه الثورة هي قضية كل سوري حر، بل إنها قضية كل عربي وكل إنسان حر في العالم. ونحن على يقين بنصرة هذه الثورة وتحقيقها هدفها في حرية الشعب والانتقال إلى دولة حرة قوية مستقلة ديموقراطية تضمن حقوق كل السوريين من كل العرقيات والأديان والطوائف، وتحقق مفهوم المواطنة والتساوي أمام القانون بالحقوق والواجبات وتحترم حرية الرأي وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وتؤسس لسورية متطورة حديثة عادلة، وتعددية يتم فيها تداول للسلطة وفصل للسلطات ". غدا • عضو تنسيقية اللاجئين يشرح ل"الوطن" ظروف حياة 1850 عائلة في طرابلس. • الجهات الإغاثية لا تغطي سوى 10% من حاجات اللاجئين.