ما إن بدأت تتسارع وتيرة الارتفاعات في سوق الأسهم السعودية، حتى صاحبتها تحذيرات ومطالبات بحماية المستثمرين من عمليات المضاربة غير النزيهة، وصولاً إلى يوم أمس الذي أغلق المؤشر فيه على تراجع بنسبة 1.8% عند 7718 نقطة، أي ب"-145 نقطة" بعد عمليات بيع واسعة شملت أغلبية الأسهم المدرجة. ويعد تراجع السوق أمس الأكبر حسب النقاط منذ نحو 8 أشهر، بعد أن شهد السوق صعودا منتظما منذ بداية العام مصحوبا بارتفاع مستويات التداول لأعلى مستوى لها في 4 سنوات. ويرى مراقبون أنه مع عودة الثقة وبداية عودة المستثمرين للسوق وإقبالهم عليه بدأت تعود بعض المخالفات التي تتطلب التحقيق والمحاسبة بما في ذلك رفع قضايا على المخالفين أمام هيئة الفصل في المنازعات المالية، مطالبين هيئة السوق المالية باتخاذ إجراءات حازمة تجاه المخالفين. حيال ذلك، قال فضل البوعينين محلل اقتصادي، إن الحماية يجب أن تكون على محورين أساسين المحور الأول مرتبط بالحماية الشخصية للمستثمر، مبيناً أنه في هذه الحالة يجب أن يكون المستثمر خط الدفاع الأول لاستثماراته، مشدداً على ألا يقحم المستثمر نفسه في استثمارات عالية المخاطر مثل الشركات الخاسرة أو المعرضة للتعليق. وزاد البوعينين أن الحماية الثانية تتمثل في حماية هيئة سوق المال للمستثمرين، مبيناً أن هذه الحماية تتوزع بين تحقيق عدالة التداول والتأكد من نزاهة التداول، مضيفاً أن هيئة السوق المالية تطبق هذه الحماية، مشيراً إلى أن ما ينقص الهيئة هو أسلوب التعامل مع الشركات الخاسرة التي تتم السيطرة عليها من مضاربين، الهادفين للربح ليس بقصد إعادة هيكلتها وتنظيمها من الداخل بل بهدف رفع السعر إلى نفقات سعرية مرتفعة لتحقيق أرباح رأسمالية من خلال المضاربة. من جهته قال إبراهيم الناصري المستشار السابق في هيئة سوق المال، إنه من واجبات الهيئة التركيز على أن لا يكون في عمليات الشراء اتفاقيات بين أشخاص على رفع سعر سهم معين أو يبثوا شائعات في السوق أو أي تصرف غير شريف، مقترحاً أن تكون الرقابة بتركيز أكثر على الشركات ذات الأسهم الحرة القليلة. وأوضح الناصري، أن الاتصالات المتكاملة التي أوقفت مؤخراً من قبل هيئة سوق المال لم يفهم سبب إيقافها، نافياً أن تكون المادة التي يقال إنها خالفتها صحيحة. وأضاف "كان يفترض أن يصدر بيان توضيحي يشرح تفصيلاً عن المخالفة وفقاً للمادة التي يقال إن المتكاملة خالفتها وما علاقتها لإيقاف هذه الشركة" ، وبين أنه من المفترض أن تبقى مدرجة في السوق ، قائلاً "قرار إيقافها يصعب تبريره". وبالعودة إلى البوعينين، قال إن الحركة الطبيعية قد لا تستدعي التدخل من هيئة السوق المالية لكن عندما تكون حركة السهم غير طبيعية كتحقيقها لنسب متتالية كما حصل في "عذيب" أو أن تكون الشركة خاسرة لجل رأسمالها أو تكون عائدة من التعليق ثم تبدأ بالارتفاع فهنا يجب أن تحذر الهيئة وأن تتأكد من أن ما يحدث في السوق أمور طبيعية ليست مصطنعة. وبين البوعينين أن هيئة السوق المالية لا تحتاج للتوجيه وهي تقوم بالمراقبة الدائمة ولكن هناك إشرافا شامل وهناك إشرافا خاصا أي إن الهيئة تشرف على التداولات اليومية وهذا إشراف عام ولكن يجب أن يكون لدينا مراقبة خاصة لبعض الشركات التي يكون سلوك سعر السهم فيها غير منطقي أو غير واقعي ومثيراً للشبهات فهنا يجب أن يكون التدقيق أكبر في هذه الشركات وصفقاتها وتناقل الأموال فيها. وأشار البوعينين إلى أن العمليات التي تتم على تداولات بعض الشركات هي مضرة بالسوق والمستثمرين، مبيناً أن المستثمر الناجح هو الذي لا يدخل لشراء سهم إلا بعد دراسته دراسة شمولية والدراسة باتت سهلة وجميع البيانات لأسهم السوق السعودي موجودة على موقع الهيئة ويسهل قراءتها وهناك معيار بسيط وهو معيار مكررات الربحية فمن خلال هذا المعيار يمكن أن يعطى المستثمر تنبؤا عن السهم ، موضحاً أنه كلما كانت مكررات الربحية عالية كان ذلك مؤشراً على أن الاستثمار في هذه الشركات سيكون صحيحا والعكس صحيح. وقال البوعينين واصفاً المضاربين بالمقامرين إنه يجب أن يتحول سوق الأسهم إلى سوق صانعة للثروة لا مبددة لها، وأن تكون السوق استثمارية لا سوقا للمقامرة، متمنياً من هيئة السوق أن تحمي صغار المستثمرين من أنفسهم قبل حمايتهم من الذين يسعون للتغرير بهم وضرهم. وحول شركات التأمين قال الناصري، إن نظام التأمين التعاوني يفرض إدراج أي شركة تأمين جديدة، فعددها أصبح كبيرا لكن هذه بقايا شركات تأمين سابقة كانت تمارس عملها بالسوق بطريقة غير نظامية وجميع هذه الشركات صححوا أوضاعهم ورفعوا ملفاتهم عن طريق مؤسسة النقد إلى مجلس الوزراء ومن ثم صدر فيها مراسم ملكية وأدرجت في السوق. وقال البوعينين إنه يجب أن نعترف أن كثيرا من أسهم التأمين وكل سهم فقد جزءا من رأسماله هو معرض لهذه المخاطر بل إن هناك شركات معرضة للإيقاف من قبل هيئة السوق بسبب خسائرها المتراكمة وقربها من النسبة التي يمكن أن تعلق الشركة بسببها. وحول شركة بروج التي أوقفتها الهيئة مؤخراً، أشار البوعينين ، إلى أنه كان يفترض أن يتم إيقافها قبل أن ترتفع من 22 ريالا إلى 258 ريالا تقريبا، مضيفاً أن ذلك كان سبباً منطقياً لتعليق السهم عن التداول لغياب النزاهة، مبيناً أن هذا الارتفاع الكبير لشركة خاسرة كبروج يعني أن هناك خللا وغض نظر من الجهة الرقابية وتأخرت في حماية صغار المستثمرين. وزاد البوعينين: "لو كان لدينا في سوق التداول ثقافة استثمارية لشهدت أسهم الشركات الخاسرة نسباً في الأدنى"، مشيراً إلى أن اللوم لا يقع على الهيئة فقط بل حتى المستثمرين أنفسهم ومن اشترى طمعاً في تحقيق الربح هم ملومون لسعيهم خلف إضعاف مستوى الحماية. وذكر البوعينين أن الأسهم الخاسرة ما هي إلا مصيدة لصغار المستثمرين والمتداولين، مضيفاً: "وللأسف الشديد أن أصحاب رؤوس الأموال المتضخمة هم من يسيطرون على هذه الأسهم ويحملون صغار المستثمرين الخسائر الكبرى". وحول شركة "عذيب" التي أوقفت بسبب فقد جل رأس المال، ما استدعى إيقافها عن التداول، قال البو العينين إنه بدلاً من أن تعاقب من قبل المستثمرين بعد إعادتها للتداول وجدت من يحتفي بإدراجها ويدفعها إلى الأعلى محققةً نسبا متتالية وهي لا تستحق ذلك، متعجباً كيف يسمح لمثل هذا السهم بالقفز المتتالي دون أن تتدخل هيئة سوق المال لمراجعة الصفقات والتأكد من تحقيق النزاهة في تداولات السهم. ووصف البوعينين ما حدث في سهم عذيب بأنه لا علاقة له بأساسيات السوق ولا بأساسيات التداول النزيه ولكنه مرتبط ارتباطاً كلياً بصناعة السهم ورفع السعر إلى مستويات مرتفعة دون أن يكون ذلك السهم مستحقاً هذه المستويات. وأوضح البوعينين أن النظر إلى هذه الأسهم باستقلالية عن باقي السوق أمر خاطئ، مضيفاً: "بل يجب أن نحيد مثل هذه التداولات الخطرة وهذه التجاوزات التي قد تؤثر مستقبلاً ليس على الشركة المتضررة وحسب بل على السوق بأكمله خاصةً أن السوق لم يستعد ثقة المتداولين إلا بعد جهد كبير ومدة زمنية طويلة ومن الظلم أن يفقد هذه الثقة بسبب بعض الأسهم الخاسرة التي قد تكبد السوق خسائر فادحة.