تكشف دراسة حديثة انشغال الشباب العرب ب53 قضية رئيسة، أثيرت عبر وسائل التواصل الأكثر انتشارا وهي (المدوّنات، المنتديات، الفيسبوك)، وكان لافتا تراجع قضية إسرائيل ضمن قائمة اهتمام المستخدمين العرب، في الوقت الذي أوضحت فيه جداول مرفقة بالدراسة، أبرز عشر قضايا انتشارا على المدوّنات، والمنتديات تدرّجا من الأعلى إلى الأدنى، وتقدمتها قضايا دينية، وسينما، ورياضة، وخواطر، ومعلوماتية، وأغان، ونصائح وإرشادات، وطب وصحة. وتوصل رئيس تحرير مجلة "لغة العصر" جمال غيطاس، وأستاذ اللغويات المساعد في جامعة عين شمس خالد الغمري مع فريق بحث وهيئة استشارية في دراسة أعدتها مؤسسة الفكر العربي تحت عنوان "قضايا الشباب العربي في الفضاء الرقمي في العام 2010"، إلى مقاربة مدى تأثير الفضاء الرقمي في مجتمعاتنا، من خلال تحليل وتصنيف المحتوى الرقمي العربي عبر (المدوّنات، المنتديات، الفيسبوك)، وتوزّع المستخدمين وفق الزمان والمكان والأحداث الأكثر انتشارا واستقطابا. وتبرز من خلال التحليل التحولات التي فرضتها قواعد الاتصال الحديثة المستندة إلى آلة التكنولوجيا، التي أتاحت انسياب التواصل الآني من دون أيّ شروط أو التزامات، وإمكانات التعبير الحرّة في الشأنين العام والخاص، وانخراط الشباب العرب في هذا الفضاء الواسع، الأمر الذي أدى إلى بلورة مواقف سياسية وثقافية واجتماعية جديدة والحشد لها، وإحداث تغيير في الوعي والمجتمع، وتشريح هذا التفاعل وفق الزمن والجغرافيا والأحداث الأكثر انتشارا وتأثيرا. يبرز كتاب تضمن الدراسة صدر من سلسلة "معارف" لمؤسسة فكر، التحديات التي يمثلها المحتوى العربي على الإنترنت لجهة آليات السحب والإعداد والتحليل والتصنيف، محددا ذلك في سببين، الأول الطبيعة الخاصة للغة العربية صرفا ونحوا، والثاني سلوك المستخدم العربي للشبكة في إنتاج واستهلاك هذا المحتوى، خصوصا طريقة كتابة المحتوى ومستوى التنظيم والالتزام بالقواعد المعيارية، لجهة التعرف إلى المواقع والمدونات والمنتديات. أبرز عشر قضايا بحسب الجداول المرفقة بالدراسة، جاءت أبرز عشر قضايا انتشارا على المدونات تدرجا من الأعلى إلى الأدنى استقطابا ملخصة في قضايا دينية، أفلام وسينما، رياضة، خواطر، معلوماتية، أدب وثقافة، مؤسسات سياسية، قضية فلسطين، طب وصحة، إسرائيليات. أما أبرز القضايا انتشارا في المنتديات فهي: أفلام وسينما وأغان، نصائح وإرشادات، طب وصحة، قضايا دينية، معلوماتية واتصالات، أدب وثقافة وفكر، خواطر، رياضة، تربية وتعليم، قضايا اجتماعية. وجاءت أبرز عشر قضايا انتشارا على الفيسبوك على النحو الآتي: خواطر ومشاعر، قضايا دينية، نصائح وإرشادات، قضايا اجتماعية، أدب وثقافة وفكر، رياضة، مطربون ومطربات، إنترنت ومعلوماتية واتصالات، طب وصحة، أفلام وسينما. وأظهرت الدراسة أن القضايا المذكورة سارت في مسارين، أحدهما يتعلق بالشأن الخاص العائلي والعملي والاجتماعي، والآخر بقضايا عامة تدور في فلك المجتمع والوطن والقضايا المشتركة. واللافت في الدراسة أن قضايا الأدب والثقافة والفكر تركزت حول 29 موضوعا تتمثل في أدب الطفل، والأساطير القديمة والإبداع الأدبي والفني، والأدب المعاصر، والتراث الأدبي، والتراجم، والإعلام، وقضية الترجمة، والثقافة الجماهيرية، والحضارة الإنسانية، والشعر الأندلسي والعواصم الثقافية والفكرين العربي والغربي، وجاءت المدونات العُمانية في صدارة المدونات اهتماما بقضايا الثقافة، تلتها الإماراتية ثم البحرينية والفلسطينية والسورية. أما المنتديات السودانية فكانت الأكثر اهتماما بقضايا الثقافة والفكر واحتلت المركز الثالث بين القضايا التي اهتم بها السودانيون. قضية إسرائيل تناول العرب قضية إسرائيل عبر المدونات والمنتديات والفيسبوك العربي من 7 زوايا رئيسة هي: الإعلام الإسرائيلي وما يتابعه وينشره من قضايا وأخبار، جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد وأنشطته، الجيش الإسرائيلي وتسليحه وقوته، ممارساته ضد الفلسطينيين واللبنانيين، قضايا الداخل الإسرائيلي والسلوك العدواني الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والعرب، العلاقات الإسرائيلية مع العرب وغير العرب، متابعة قادة إسرائيل وتصريحاتهم ومواقفهم. ومن حيث الترتيب العام داخل قائمة أولويات المستخدمين العرب، احتلت قضية إسرائيل ترتيبا متأخرا جدا في كل المنتديات وصفحات الفيسبوك، إذ جاء ترتيبها بين الثاني والأربعين والخامس والأربعين، وذلك بنصيب من المشاركات وصل على المنتديات إلى 0.2%، وعلى الفيسبوك إلى 0.08% وهي نسب ضئيلة للغاية، وفي المدونات 2.6% وهي أعلى من النسب على المنتديات والفيسبوك وجاء ترتيبها في المركز الحادي عشر. ولم تتوقف ضآلة الاهتمام بقضية إسرائيل عند حجم ما يُنتج حولها من مشاركات، بل امتدت إلى مستوى الاهتمام بها من قبل الجمهور. ففي الفيسبوك والمنتديات كانت نسبتها من عدد التعليقات تكاد لا تُذكر، وقد تدنت عن نصف في المئة، وفي المدونات كانت الحال أفضل قليلا ووصلت التعليقات إلى 3.8%. واستمر هذا التدني فشملت اللامبالاة الجماهيرية نصيب كل مشاركة أو تدوينة من مرات التعليق، حيث كانت جميعها ضئيلة ومحبطة، ولم تتعد 2.5 مرة تعليق في المدونات و11 مرة تعليق في المنتديات، و1.5 مرة تعليق في الفيسبوك. وعبر شهور السنة المختلفة تقلبت قضايا إسرائيل بين المركزين العاشر والثاني عشرعلى المدونات، والأربعين والحادي والأربعين على المنتديات، والثامن والثلاثين والخامس والأربعين على الفيسبوك. الإعلام وحرية التعبير وبينت الدراسة أن الاهتمام بقضايا الإعلام وحرية التعبير توزع على 9 موضوعات هي: الصحافة الحكومية، الصحافة الخاصة والمستقلة، الصحف الإلكترونية، تحديات حرية التعبير، حرية الصحافة والدعاية والإعلان، القضايا الإعلامية، المتابعة الإخبارية. وسجلت المدونات السورية حضورا مميزا في ما يتعلق بقضايا حرية التعبير، وجاءت بعد سورية فلسطين والسودان ولبنان والسعودية. وقفزت في المنتديات تونس إلى الواجهة، تلتها فلسطين والجزائر والسودان والسعودية. وأعطت صفحات الفيسبوك المصرية لقضايا حرية التعبير الأولوية تلتها صفحات فلسطين والسعودية والأردن ثم صفحات المقيمين خارج الوطن العربي. أما القضايا الطائفية فجاءت في سلم أولويات المدونات العراقية، تلتها المدونات البحرينية والكويتية والمصرية. وعلى مستوى المنتديات سجلت مصر وموريتانيا أعلى مستوى من الاهتمام بهذا الموضوع، أعقبتهما المنتديات البحرينية واللبنانية والعراقية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى صفحات الفيسبوك، إذ جاءت مصر في المقدمة تلتها صفحات العرب المقيمين في الخارج ثم الصفحات الأردنية والعراقية والسعودية. كما بينت الدراسة أن قضية فلسطين انحصرت في 6 قضايا رئيسة هي: الانتفاضة الفلسطينية وتفاصيلها، تاريخ الشعب الفلسطيني، متابعة الأحداث الجارية خصوصا في غزة والضفة، المؤسسات الفلسطينية والوطن المحتل بمدنه وقطاعاته المختلفة. توزع الشبكة بين الجنسين يُظهر التقرير أن الذكور أقل اهتماما بقضايا الأسرة، إضافة إلى التفوق النسائي في البوح عبر الفضاء الرقمي خصوصا الفيسبوك، والشغف الأنثوي أيضا بالصحة وصفحات الطب، في حين جذبت موضوعات السينما والأغاني والتلفزيون الجمهور العريض من المستخدمين للشبكة، إلى جانب القضايا الدينية التي نافست الأولى، وتركزت حول 26 موضوعا أساسيا، من بينها الأدعية والأناشيد والأزهر والاقتصاد الإسلامي والأنبياء والرسل والتطرف الديني والفتاوى وغيرها. وتتخذ الدراسة البعد الاجتماعي والنفسي لجهة التعرف إلى سلوك الجمهور تجاه ما أثير من قضايا، من دون الاكتفاء بعرض هذه القضايا وإحصاء الموضوعات التي استقطبت الشباب العربي فحسب. وقد عمد فريق البحث إلى سحب البيانات الخاصة بالتعليقات والردود عليها والمشاركات في الفضاء الرقمي وربطها بنوعية القضايا التي كُتبت حولها هذه الردود. واتضح بنتيجة التحليل، أن أغلب التدوينات فشلت في جذب الجمهور وحثه على التفاعل معها عبر التعليقات، في حين استطاعت التدوينات المتعلقة بالخواطر الشخصية أن تحقق المركز الأول واجتذبت 13% من تعليقات الجمهور. الصحفيون والكتاب يقودون التدوين حصرت الدراسة أصحاب 17 مهنة رئيسية هم الأكثر إقبالا على التدوين في الوطن العربي، يأتي في مقدمهم الصحفيون والكتاب وهم الفئة الأكبر التي تقود حركة التدوين عبر الشبكة، يليهم الطلاب ثم المدرسون ورجال التعليم، ثم المتخصصون في وظائف تكنولوجيا المعلومات، فالإداريون والمختصون في التنمية البشرية، ويأتي في المرتبة الأخيرة أصحاب المهن الدينية ورجال الأعمال، في حين أن 85% من المدونين لم يذكروا مهنتهم على الإطلاق. وتشير الدراسة إلى تراجع الاهتمام بمجموعة من القضايا كلما ارتفع مستوى التعليم، ومنها قضايا الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقضايا الخواطر والأسرة والاستهلاك. في ضوء هذه المعطيات، خلصت الدراسة إلى أن الدول الأربع الأكثر نشاطا وإثارة ومتابعة عبر الفيسبوك هي مصر والسعودية والأردن والسودان. وكان لافتا أن "بصمة الزمن" كانت أساسية في الإقبال أو الإحجام عن استخدامات الشبكة نسبيا، وتبين أن إنتاجية المدونين العرب كانت الأعلى خلال الأيام الأربعة الأول من كل شهر، ثم انخفضت لتعود وترتفع في الأسبوع الأخير من الشهر. أما القضايا التي حافظت على ثباتها من الانشغال الجماهيري طيلة العام في الرياضة التي احتلت المركز الثالث وقضايا الأدب والثقافة التي احتلت المركز السادس طوال العام وقضايا الأمن والجريمة والفنون والأقليات والمذهبية. أما بالنسبة إلى الفيسبوك فقد كان ديسمبر الأعلى في إنتاج المشاركات مقارنة بالأشهر الأخرى من السنة، ووصلت 26 قضية خلال الشهر المذكور إلى ذروة الاهتمام، ثم تناقصت في الأشهر اللاحقة. 11 نقطة تتحكم بقنوات الشبكة تخلص الدراسة إلى رؤية تحليلية للمعطيات السابقة كافة، تقود إلى 11 نقطة أساسية تدل على أن الفضاء الرقمي العربي بقنواته الثلاث (مدونات، منتديات، فيسبوك) هو منصة ضخمة تطغى عليها الثنائيات التالية: ثنائية الحركة في الفضاء الرقمي "حركة الشارع العربي"، ثنائية قضايا المقدمة والخلفية، ثنائية الانتشار الظاهري، ثنائية التناول السطحي والعميق، الندية والتبعية، الوجوه المتعددة والوجه الواحد للجمهور، العلانية والتخفي، التوافق والخلل الجغرافي في محتوى القضايا، الكرّ والفر بين الرجل والمرأة، ثنائية المد والجزر في الفضاء العربي. تقودنا الأرقام المتعلقة بنوعية القضايا المُثارة ومستوى جماهيريتها ومناقشتها ومتابعتها، إلى أن العرب عموما استفادوا من معظم سمات "الويكي" عبر الويب، ومنها أن لا قيود على حرية التعبير، لا شروط للانضمام لأي نشاط أو مجموعة ولا شروط على مستوى حجم المشاركة ونوعيتها، المساواة في الحقوق والواجبات، إعلاء الفكرة والقيمة والإبداع وروح الجماعة على الأشخاص، فضلا عن الوسائل التي وفرها الفضاء الرقمي العربي لجهة إمكانية الحشد الجماهيري والتجميع، والتخطيط المشترك لتفعيل حدث أو موقف، والإمكانية القصوى للتشبيك والترابط، إلى بناء نوع من التنظيم الأفقي كنتيجة لآليات التواصل الآني الجمعي.