ما إن تحط الطائرة في مدرج مطار بغداد الدولي حتى تلمس الظروف الاستثنائية التي تنعقد فيها القمة العربية في هذه المدينة للمرة الأولى منذ 22 عاما، فمدرجات المطار تبدو خالية تماما من الطائرات، أما محيطه فهو يعج بأعداد كبيرة من عناصر الأمن العراقيين الذين جلس بعضهم على مدرعات صغيرة لتوفير الأمن، حيث اقتصر عمل المطار على الطائرات الرئاسية. وليس ثمة ما يمكن الشكوى منه فيما يتعلق بترتيبات استقبال الوفود الرسمية ونقلها إلى مقارها الرسمية في عدد من الفنادق في المنطقة الخضراء، إذ تبدي طواقم وزارة الخارجية العراقية كفاءة عالية في هذا المجال، ولكن الطريق من مطار بغداد الدولي إلى فندق الرشيد في المنطقة الخضراء يبدو موحشا، فالشوارع فارغة إلا من الآلاف من عناصر الأمن والمدرعات، وإن كان الصحفيون العراقيون يصرون على أنه ليس هناك منع للتجوال في بغداد، إلا أن محيط تلك المنطقة التي تحتضن الوفود الرسمية وأكثر من 1500 صحفي لا تبدو إلا كذلك. وكانت جماعات تابعة لتنظيم القاعدة وتنظيمات أخرى مناوئة للنظام العراقي أعلنت عزمها تنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية في مسعى منها للتخريب على القمة، وهو ما استدعى إجراءات أمنية صارمة شملت نشر ما يزيد عن 100 ألف عنصر أمني لضمان أمن القمة، وفق ما قالت معلومات رسمية. وقد كان من المقرر تنظيم القمة العربية في بغداد في العام قبل الماضي، غير أن العراق أحال رئاسة القمة إلى ليبيا، قافزا بذلك عن حقه الذي منحه له الترتيب الأبجدي المعتمد في الجامعة العربية بشأن أماكن انعقاد القمم، ليعود لاستعادة حقه هذا وإن لم يكن ممكنا عقد القمة العام الماضي بسبب تطورات الربيع العربي. ويقول مراقبون إن العراق يريد من استضافته للقمة هذا العام أن يرسل رسائل إلى العالم، مفادها استعادة العراق عافيته بعد الحرب التي أطاحت بنظام حزب البعث، وأيضا استعادة دور العراق على الصعيدين العربي والإقليمي. وعلى طول الطريق من المطار إلى فندق "الرشيد" الشهير، حيث تقيم الوفود الرسمية كان بالإمكان رؤية أعلام الدول العربية، فيما علقت على أعمدة الكهرباء هذه الأعلام وإلى جانبها صور رؤساء الدول حتى وإن كان بعضهم قرر عدم المشاركة في القمة. وقد أنفقت الحكومة العراقبة مئات ملايين الدولارات لتزيين الشوارع المؤدية إلى مكان انعقاد القمة ولترميم الفنادق التي استضافت الوفود الرسمية والإعلامية، حيث أقام الصحفيون في فندق فلسطين. وأطلق اسم القدس على القاعة التي اجتمع فيها وزراء الخارجية العرب أمس بعد أن تم تصميم القاعة على شكل قبة الصخرة. والقاعة هي في القصر الجمهوري الذي أقامه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهو ذات القصر الذي سيجتمع فيه القادة العرب، علما بأنه المكان الأول الذي احتله الجيش الأميركي بعد غزو بغداد قبل أن تتم إعادته إلى السلطات العراقية قبل سنوات. الإجراءات الأمنية المشددة في بغداد والتي شملت منح المؤسسات والمدارس والموظفين إجازات لمدة أسبوع، هي الفترة التي ستعقد فيها القمة، دفعت بالحكومة إلى التعاقد مع شركات تركية ليقوم موظفون أتراك بتقديم الخدمات الفندقية في فنادق الوفود الرسمية والصحفيين.