سلطان بن سلمان ل"إدريس الدريس": بادرنا بتعريف الشباب بالمقومات السياحية ومواقع التراث الوطني في المملكة اطلعنا على مقال الأستاذ إدريس الدريس المنشور في "الوطن" العدد رقم 4165 يوم الأربعاء 23/3/1433 بعنوان (لو أنني سلطان بن سلمان)، والذي تتمحور فكرته حول (تربية جيل صاعد يعرف مكامن وطنه المجهولة وموجوداته العبقرية والثرية بما يرفع من ثقة المواطن بوطنه وبما يعزز من الوحدة الوطنية وبما يجعل "السعودي" فخوراً بأرضه وإرثه، قديمه وحديثه، ماضيه وحاضره، إن كثيراً من المواطنين الذين توطنوا على السفر للخارج – فقط- لا يعلمون أن في وطنهم ما هو جدير بالزيارة والاحتفال)، إضافة إلى مقترحات قيمة تناولها الكاتب الكريم في مقالته، يطيب لنا تناولها، من خلال النقاط التالية: • تبذل الهيئة العامة للسياحة والآثار جهودا تسير في ذات الاتجاه الذي تفضلتم بالإشارة إليه، وخاصة أن البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية وهو أحدث النقلات النوعية من البرامج التي تتبناها الهيئة من أجل ترسيخ علاقة متينة بين الوطن والمواطن، وذلك بهدف تعريف التاريخ والتراث وفقاً للمنظور السياحي مع المحافظة على القيم التاريخية وحفظها وتعزيز عوامل الجذب نحو السياحة الداخلية والرغبة في اكتشاف الوطن وكنوزه التاريخية والحضارية، كما أنه ومنذ انطلاقة الهيئة ركزت وبقوة على تفعيل واحد من أهم أهدافها لتعزيز ثقافة السياحة وفق مستويات عدة؛ أولها بدأ مع الجيل الجديد في المدارس، والثاني الوصول إلى المجتمعات المحلية، ثم التعامل مع مؤسسات المجتمع ذات العلاقة المباشرة بالسياحة لتكريس وتعزيز المعرفة بالسياحة ودورها الثقافي والاقتصادي، فهذا المثلث الاجتماعي المتمثل في الجيل الجديد والمجتمعات المحلية ومؤسسات المجتمع كلها، حظيت بالكثير من البرامج الداعمة لبناء ثقافة سياحية تحقق نشر المعرفة لدى أكبر عدد ممكن من الشرائح المجتمعية. • ورد في المقالة: "أهمية تربية جيل جديد من أبناء الوطن يعرف مكامن وكنوز وطنه، ليرفع من ثقته في وطنه ويعزز من الوحدة الوطنية"، وهذا الرأي هو ما عملت عليه الهيئة منذ إنشائها، بل وجعلته هدفاً تسعى لتحقيقه إلى جانب الأهداف الاقتصادية والتنموية، وانعكس ذلك بالتركيز على أهمية التنشئة الاجتماعية، وتخصيص مسار لسياحة الشباب في الإستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية التي أقرتها الدولة عام 1425، وسبق لنا أن ذكرنا في عدة مناسبات أهمية "الربط بين معرفة الجيل الجديد ببلادهم وتاريخها وتعميق حبهم واعتزازهم وبالتالي تعميق الوطنية في نفوسهم، وإخراج التاريخ من بطون الكتب إلى الواقع". • كما بادرت الهيئة منذ وقت مبكر العمل على تهيئة الجيل الجديد من الشباب وتعريفهم بالمقومات السياحية ومواقع التراث الوطني التي تزخر بها مناطق المملكة، فبدأت منذ عام 1427 بتنفيذ برنامج التربية السياحية المدرسية (ابتسم) بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، والذي شارك فيه حتى الآن 362 ألف طالب وطالبة، ويستهدف في مرحلته الحالية 100 ألف سنوياً. وأطلقت الهيئة بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز ووزارات التربية والتعليم والثقافة الإعلام والتعليم العالي حملة وطنية لتعزيز البعد الحضاري احتوت على برامج موجهة عبر مناهج التعليم العام والأنشطة اللاصفية في المدارس والجامعات بالتعاون مع وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، وبرامج إعلامية و تثقيفية، إلى جانب البرامج الموجهة للمجتمعات المحلية مثل: (السياحة تثري) الذي وصل إلى (3972) من القيادات المحلية من خلال (107) ورش عمل تم تنفيذها منذ انطلاقة البرنامج في عام 1428، وبرنامجي (تراثنا غني) و(لون مع التراث) اللذين يستهدفان رفع الوعي بأهمية المواقع السياحية والتراثية وتهيئتها لاستقبال المواطنين، والفوائد الوطنية والثقافية والاقتصادية التي تعود على المناطق جراء تنفيذ ذلك، وكل تلك البرامج يمكن الاطلاع عليها بشكل موسع من خلال روابطها على موقع الهيئة الإلكتروني www.scta.gov.sa. • طرح الكاتب في مقالته واقعاً مؤسفاً "أن بلادنا ما زالت مجهولة لدى أكثر المواطنين، ما عدا بعض المدن الرئيسة التي يعرفها قاطنوها"، وهو أمر نتفق عليه، وحقيقة لا نستطيع إنكارها، فقد سبق لنا أن كررنا في عدة مناسبات "أن الكثير من المواطنين لا يعرفون عن بلادهم وتاريخها ومناطقها والمواقع التراثية والسياحية المنتشرة فيها، وأنهم ربما عرفوا عن بلاد أخرى أكثر مما يعرفون عن بلادهم"، ونبهنا إلى سلبية تفريغ ذاكرة أجيالنا من المواقع الجميلة من بلادهم، بينما تمتلئ أذهانهم بذكريات عن بلاد أخرى قضوا فيها أيام إجازاتهم، وقد تناولنا خلال كلمة قدمناها في ملتقى المثقفين الثاني الذي أقيم في الرياض مؤخراً؛ أهمية أن (يعيش) المواطن في بلاده لا أن يسكنها فقط، وأن يتاح له الاستمتاع بالواقع المشرق، بدلاً من أن يعيش في الواقع الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، كما أشرنا في كلمة خلال افتتاح سوق عكاظ شوال الماضي؛ بأن "تراثنا الحضاري جزء لا يتجزأ من تاريخ وحدتنا الوطنية المباركة، إلا أنه ما يزال مغيّباً بشكل كبير عن ذهن المواطن وثقافته، وحياته اليومية؛ ولا بد أن يتحوّل ويخرج من بطون الكتب، إلى أن يكون واقعا وحضارةً يعيشها المواطن، عبر الأمكنة التي تشكل ذاكرة هذه البلاد التي يتلاقى فيها مع أبناء وطنه، وهو يتجوّل في هذه البلاد الجميلة، ويستمتع بالمقومات الحضارية لبلاده، مع أسرته، وأصدقائه وزملائه". • أشار الكاتب الكريم في ثنايا مقاله القيم إلى أن "البنية التحتية والتهيئة الأساسية للسياحة الداخلية ليست مغرية أو متوفرة بقدر يحفز على المبادرة"، ونتفق معه في هذه القضية المهمة التي تم تناولها تفصيلياً في استراتيجية تنمية السياحة الوطنية، وكذلك استراتيجيات التنمية السياحية في المناطق، والتي حددت الحاجة إلى الاستثمارات الكبرى من قبل الدولة والقطاع الخاص لتهيئة البنية الأساسية الكفيلة بتلبية الطلب السياحي المتزايد، والقادرة على توفير بيئة مناسبة للسائح، كما تحقق الفوائد الاقتصادية الوطنية مثل توفير فرص عمل للمواطنين، ودعم الاقتصاد المحلي للمناطق، ولا شك أن هناك قصوراً في المواقع المهيأة ومرافق الإيواء واستراحات الطرق وهي التي تمثل عناصر أساسية في العملية السياحية المتكاملة، ومع ذلك فقد بدأت على أرض الواقع تظهر العديد من المشاريع هنا وهناك، ومنها على سبيل المثال إنشاء مطار العلا الإقليمي وتشغيله ليصبح بذلك المطار الأول المنشأ لخدمة وجهة سياحية، ومشروع تهيئة موقع مدائن صالح وتسجيله في اليونسكو وافتتاحه خلال أبريل القادم بإذن الله، وما يتضمنه من مشاريع تم الانتهاء منها وأخرى سيتم تدشينها، ومشروع تطوير الدرعية التاريخية بالتعاون مع هيئة تطوير الرياض، وإنشاء 11 متحفاً إقليمياً جديداً في مناطق المملكة، وكذلك مد الطرق لبعض المواقع السياحية، وتطوير معايير التصنيف للفنادق والوحدات السكنية المفروشة والذي أدى إلى زيادة الاستثمارات الفندقية وأقنع العديد من الشركات العالمية والأسماء الكبرى بدخول السوق السعودي. ونؤكد في الختام أن الهدف الأكبر للتنمية السياحية والعناية بالتراث الوطني إلى جانب الفوائد الاقتصادية الكبرى وتوفير فرص العمل للمواطنين، هو ما ذكرتموه في مقالتكم، وهو: "إعداد أجيال جديدة من المواطنين تعرف أن في وطنهم ما هو جدير بالزيارة والاحتفاء"، وهو ما تسير عليه برامج الهيئة العامة للسياحة والآثار نحو بناء هذه المعرفة بشكل متوازن وفق مسار متأن ينظر إلى كل الأبعاد والمقومات ذات العلاقة بالسياحة والقيم المجتمعية والتي نتوقع أن نشهد مؤشرات آثارها المباشرة خلال السنوات القادمة بوصولنا إلى أكبر قدر من الشرائح في المجتمع السعودي. كما أجدها فرصة لأحيي الكاتب على هذا المقال الذي يتناول قضية وطنية بالغة الأهمية في هذا العصر المليء بالتحديات، والذي أحوج ما نكون فيه إلى تقريب المواطن من وطنه وتاريخ وحدته المباركة التي ننعم بوافر ظلالها ولله الحمد، وأدعو الكاتب الكريم، وكافة المهتمين لزيارة الموقع الإلكتروني للهيئة www.scta.gov.sa للاطلاع على ما تقوم به الهيئة من برامج وخاصة ما يتعلق بمبادرات البعد الحضاري الوطني والبرامج الموجهة للشباب ومشاريع الهيئة وشركائها من الجهات الحكومية الأخرى والمواطنين. رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز