للاختصار لن أتحدث عن مزايا هذه اللائحة لأنها كثيرة، ولأن الكثيرين تحدثوا عنها، ولكني سأذكر ما استوقفني من موادها اللافتة شكلا ومضمونا، من حيث الشكل: لم تذكر اللائحة المرجعية القانونية التي انبثقت منها، لا سيما إذا ما عرفنا أن المادة (22) من نظام مجلس الوزراء هي من تُخول الوزير المُختص باقتراح وليس وضع النظام أو اللائحة الداخلة ضمن اختصاص وزارته، وما ذاك إلا لأن مجلس الوزراء هو المعني بدراسة مشروعات الأنظمة واللوائح المعروضة عليه حسب المادة (21) من نظامه، وهذه المادة والتي قبلها مبنيتان على ما قررته المادة (67) من النظام الأساسي للحكم، وهو ما يوضح تسلسل البناء القانوني لأنظمة الدولة، التي يفترض أن لا تخرج هذه اللائحة عن منظومتها. كما أن اللائحة لم تصدر ولم تنشر برقم وتاريخ يوثقان صدورها، وكان الأولى أن تُعرض ابتداء على مجلس الشورى لإبداء الرأي حولها وفقا للمادة (15) من نظامه، ومن ثم تُرفع لمجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه حولها، ومن ثم الموافقة عليها حسب المادة (21) المذكورة آنفا، وبعد الموافقة تنشر في الصحيفة الرسمية (صحيفة أم القرى)، عملا بالمادة (71) من النظام الأساسي للحكم، والمادة (23) من نظام مجلس الوزراء، لتكون نافذة المفعول من تاريخ نشرها ما لم تنص اللائحة على تاريخ آخر، ويبقى التذكير بأهمية أن تكون جميع مواد اللائحة متسلسلة بأرقام مكتوبة لا عددية حفاظا على الدقة وأسوة بأنظمة الدولة المكتوبة بذات الأسلوب ولذات الغرض، كما أن تقسيم اللائحة إلى أربع لوائح: أساسية، إدارية، مالية، وانتخابات، لا ضرورة له والأولى انتظامها تحت مسمى واحد، ومن ثم تُقسم حسب موضوعاتها، كما هو معلوم لدى المطلعين على الكثير من الأنظمة، ومنها سائر أنظمة وزارة الثقافة والإعلام الأخرى. تلك ملاحظاتي من حيث الشكل أما من حيث المحتوى: فسأتوقف عند كلمة (ثقافة) ذات المعنى المائي الواسع والمتعدد الدلالة، وغير المُصطلح على مضمون واضح يحدد ماهيته، لاسيما إذا عرفنا أن لهذا المصطلح أكثر من مائة تعريف لدى دارسيه، وهو ما يعني حتمية الغموض والالتباس المُحيطين به، حتى لدى من أدرجه ضمن نص اللائحة التي ذكرته في غير موضع من مساقات موادها، ففي المادة الثانية التي عرفت النادي الأدبي بكونه مؤسسة... تُعنى بالأدب والثقافة، لن نجد في الشق الأول من التعريف أي مشكل حول كون النادي أدبيا لأن (الأدب) مُصطلح واضح المعالم يجمع فني الشعر والنثر، أما (الثقافة) فمصطلح زئبقي شائك، وما لم يُتفق على تعريف له فسيدخل ضمن ما تُعنى به الأندية الأدبية: علوم الدين، الفلسفة، التاريخ، الاجتماع، التراث الشعبي والفلكلور، وعلوم وفنون أخرى، لن يُستثنى منها وفقا لذلك الشعر النبطي ! والذي يظهر لي من هذا المشكل أن المشتغلين على وضع اللائحة أدرجوا مصطلح (الثقافة) ظنا منهم لزومه لصدور اللائحة عن وزارة الثقافة، وهذا إن يكن فغير صحيح بالطبع، لأن الوزارة أيضا مرجع فروع جمعيات الثقافة والفنون والجمعيات الأخرى المنبثقة عنها، ومنها مجالس الشعر الشعبي والنبطي، والإطلاق يجعل الأندية الأدبية معنية بالكل، كما ينبئ نص اللائحة الذي لا يُمكن أن يقرأ بخلاف ذلك، لأن اللائحة وإن تكن أدبية أو ثقافية في موضوعها إلا أنها من حيث الصنعة عمل قانوني في الشكل ودلالة النص، وما لم ترفع ضبابية مصطلح (الثقافة) عن نص اللائحة فسيدخل ضمنها كل ما ذكر أعلاه، ووفقا لذلك فلن يُخالف اللائحة أي رئيس ناد أدبي طبع ديوان شعر نبطي، أو استضاف أحد شعراء المليون، وقس على ذلك في كل ما يدخل تحت مصطلح (الثقافة)، لأن المادتين (5،4) من اللائحة ذكرتا أن من أهداف الأندية الأدبية نشر الأدب والثقافة وإقامة ملتقياتهما! في المادة (6) من اللائحة ذكر اشتراطات العضوية للأندية الأدبية وأنواعها، وفيما يتعلق بالعضوية العاملة اشترطت اللائحة في طالب العضوية أن يكون مستوفيا لأحد شرطين: أن يكون ((حاصلا على مؤهل علمي يحدد مستواه مجلس الإدارة، أو أن يكون قد أصدر كتابا أدبيا مطبوعا أو أكثر))، ولا أدري لم أنيط تحديد المستوى العلمي بمجلس الإدارة، وعندنا الكثير من المجالس التي سيكون لكل منها اجتهاداتها ورؤاها في تحديد المستوى العلمي المطلوب، وهذا مُخل بمبدأ العدالة الثقافية، التي لا ينبغي لها أن تُنصف مثقفا في مدينة وتظلم آخر في مدينة أخرى، وحين أكدتُ على أهمية التسلسل القانوني لوضع اللائحة آنفا فلأني أستهدف ما نص عليه نظام الدولة الأساسي، الذي راعى ذلك بتقرير اختصاص ((السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح، فيما يحقق المصلحة، أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة)) ومن تلك الشؤون لائحة الأندية الأدبية. في الفقرة (7) من المادة (8) المتضمنة لحقوق العضو العامل وواجباته إشارة إلى ما أسمته اللائحة ((حقوق وواجبات تحددها لوائح الأندية)) فهل معنى هذا أن كل ناد سيضع له لائحة خلاف التي نحن بصدد الحديث عنها هنا ؟ الجواب نعم لأن المادة (29) من اللائحة نصت على ذلك، وهو ما أرجو مراجعته والوقوف عنده طويلا، لأن إنفاذه مخالف لأنظمة الدولة وموادها التي أشرت إليها آنفا، ولأن العمل به مدعاة لخلق المزيد من المشاكل والتفاوت في أداء الأندية الأدبية، علما أن بالوسع تجاوز هذا المشكل القانوني من خلال الاقتصار على تخويل مجالس الأندية وضع التعليمات الشكلية المُحققة للمقصود وليس ما سواه، لأن إشكالية ذلك ستظهر في تفاوت تحديد المكافآت والأجور المستحقة لمن سيقوم مجلس الإدارة بتعيينهم، فقد يفرضُ لموظف ثلاثة آلاف ريال في ناد وأقل من ذلك لموظف آخر أعلى منه تأهيلا في ناد آخر، وذات الأمر ينطبق على ما تجاوزته اللائحة دون تقنين كما في المادة (10) التي أناطت بمجلس الإدارة تحديد مقتضيات حقوق وواجبات العضوية الشرفية، وهو ما ستظهر تناقضاته في الأندية الواقعة في منطقة واحدة، كما في أندية: مكة، جدة، الطائف، وما يماثلها. يتبع غداً