نتابع أحيانا على بعض المحلات التجارية لافتات مثل "للتقبيل لعدم التفرغ"، وبعضها يكون مصحوبا بجملة "الدخل ممتاز"، وقد يمر المرء على هذه اللوحات مرور الكرام، ولكن هذه اللافتات غالبا ما تخبئ وراءها قصصا لخسائر مادية، وأحلاما كبيرة تعثرت على أرض الواقع، وترجع الخسارة إلى عدة عوامل، منها عدم دراسة المشروع، أو نقص الأيدي العاملة، أو هروبها، والبعض يقع ضحية لاستشارة غير علمية من الآخرين، وبعضهم يعتبر مشروعه الخاسر مغامرة وانتهت. ماجد عوض شاب سعودي حاول أن يبدأ مشروعا تجاريا لبيع المأكولات السريعة، وبعد أن أنهى دراسة الموقع في شارع الحزام بالمدينة اتجه إلى مكتب العمل الذي سمح له باستقدام عامل واحد على مساحة محل 40 مترا مربعا. يقول ماجد "درست الموقع الذي لا يوجد بالقرب منه مطعم لبيع البروست سوى واحد يبعد عن محلي بمسافة كبيرة، وكذلك وجود مسجد جامع وكلية صحية، إضافة إلى شركة الاتصالات، وكذلك مركز طبي، وتوقعت أن يشهد هذا الموقع حركة كبيرة، وبعد أن جلبت المكائن اللازمة، وجهزت الديكور، وتجاوز المبلغ المنصرف 100 ألف ريال وكنت قد استخرجت الرخصة من البلدية سمح لي مكتب العمل بعامل واحد فقط، وبالطبع العامل لا يمكن أن يوفق بين كل مهام العمل من تنظيف، وبيع، أو محاسبة، أو الدوام في الصباح والمساء"، وتساءل قائلا .. كيف يمكن أن يعمل المحل ويقدم خدماته للعملاء بعامل واحد. وأضاف ماجد "بعد فترة اضطررت إلى غلق المحل، لإيقاف نزيف الخسارة، ولم يكن أمامي سوى عبارة "للتقبيل". أما عبدالله حمد الرشيد فقد خسر مبلغ 116 ألف ريال في مشروع سوبر ماركت، وعلل ذلك بأنه لم يدرس المشروع على الورق، واكتفى باستشارة رجال أعمال. وقال "كان الموقع مميزا، ويقع على شارع رئيسي، وداخل محطة للمحروقات تعمل على مدار الساعة، لكن لم ينجح المشروع حتى بالتقبيل، فقد عرضته بمبلغ 40 ألف ريال رغم إنفاقي 116 ألف ريال عليه، ولم يتقدم أحد، بعدها تم بيع البردات والثلاجات كل على حدة". واكتفى سالم الحربي بالقول إنه خسر 30 ألف ريال في مشروع صالون حلاقة أقامه داخل الحي الذي يسكنه، وأرجع السبب إلى وجود أربعة صالونات حلاقة في الحي، كانت تشاركه المكسب، معتبرا المشروع مغامرة فاشلة. ويقول عضو بالمدينةالمنورة عبدالغني حماد الأنصاري "للأسف يوجد في كل مخطط مجموعة من العمائر، وتحت كل عمارة أربعة محلات تجارية، وكل صاحب عمارة يتوقع أن تكون تلك المحلات بداية لمشروع ناجح، وهذا خطأ". وأضاف أن أغلب المشاريع التي تنفذ تبدأ "بجلسة شاي" وتنتهي بلافتة "للتقبيل لعدم التفرغ"، مرجعا السبب إلى عدم وجود دراسة من قبل صاحب المشروع، حيث يقلد صاحب المشروع صديقا له في فتح مغسلة أو بقالة، وحقق ربحا كبيرا، وأشار إلى أن إنفاق 10% من قيمة المشروع على دارسة جدوى يضمن للمستثمر تحقيق الربح. وأضاف أننا نشاهد لافتة "محلات للتقبيل" كثيرا، حيث يبدأ الشباب مشروعهم دون تخطيط، ويعرضون أنفسهم لمشاكل مالية كبيرة في المستقبل، والمسؤولية تقع على الغرف التجارية الصناعية، حيث إن لها دورا في تنوير وتوعية المستثمرين الشباب، وكذلك دعم مثل تلك المشاريع، ومساعدة الشباب في التخاطب مع الجهات الأخرى لتسهيل مشاريعهم الصغيرة، ودعمها لأن كل مشروع ناجح يبدأ من الصغر". وقال الأنصاري "نفتح 20 بقالة، و20 صيدلية، و20 مكتب عقار، و20 مغسلة في حي واحد، ثم نقول لماذا تخسر المشاريع الصغيرة؟ ولماذا تكثر عبارة "للتقبيل"؟ ولماذا يقل عدد الشقق لأن عدد المحلات أكثر من العاطلين؟". إلى ذلك قال أمين الغرفة التجارية الصناعية المكلف بمنطقة المدينةالمنورة أمير سليهم أن "دور الغرفة هو إتاحة الفرصة للشباب للعمل، ومساعدتهم بكل الإمكانيات من استشارات، ودعم قانوني، وتجاري، ومخاطبة الجهات ذات العلاقة لمساعدتهم" مؤكدا أن أسباب كثرة عبارة "للتقبيل" هي عدم دراسة المشروع قبل البداية. وطالب سليهم الشباب قبل بداية أي مشروع بزيارة موقع الغرفة، والاطلاع على الإرشادات اللازمة، مؤكدا أن تلك البداية الصحيحة، ولن يخسر مشروع تجاري يقوم على الدراسة، والتخطيط. وأشار إلى أن صندوق الموارد البشرية يفتح أبوابه للشباب، والفتيات لدعمهم، وتقليل نسبة البطالة لديهم، لكن المشكلة في الشباب أنفسهم، وعدم البحث الجدي عن تلك الخدمات التي تقدمها الغرفة التجارية.