ليس باب المغاربة كغيره من الأبواب العشرة المفتوحة للمسجد الأقصى المبارك، فهو الوحيد الذي استولى الاحتلال الإسرائيلي على مفتاحه منذ الاحتلال عام 1967 وهو الذي يربط حائط البراق -الذي يسيمه اليهود حائط المبكى- بالمسجد.. وفضلا عن ذلك فإن الاعتقاد السائد لدى العديد من الأوساط الفلسطينية هو أن السلطات الإسرائيلية تستغل انهيارات أحدثتها الحفريات الإسرائيلية في المكان لإقامة جسر عسكري قد يستخدم لاقتحام المسجد بغية إقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد وهو مخطط خرج في السنوات الأخيرة من الحديث السري إلى التخطيط العلني. ويقع الباب في الجدار الغربي للمسجد الأقصى ويوصل إليه من خلال طريق صاعدة أقيمت فوق تلة ترابية طبيعية ترتفع حتى تلاصق جدار الأقصى وهو يطل على ساحة البراق التي تؤكد الأوقاف الإسلامية أنها والحائط الغربي للمسجد جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى. وقف إسلامي وفي هذا الصدد يؤكد مدير أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب في حديثه إلى "الوطن" أن تلة المغاربة وباب المغاربة جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك وبالتالي فإن ترميمها هو من مسؤوليات الأوقاف الإسلامية وقال "نحن نعترض على قيام السلطات الإسرائيلية بأعمال الترميم لأن التلة هي وقف إسلامي وبالتالي ملك للأوقاف التي لها الحق القانوني والشرعي بالقيام بأعمال الترميم وصيانة التلة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك". ومن جهته، أشار رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري في تصريحه إلى "الوطن" أن الانهيارات التي وقعت في المكان هي " نتيجة الحفر أسفل التلة ونتيجة ما يدعى بتوسعة الساحة التي هي ساحة البراق وعليه فإننا نستنكر الإجراء الذي تقوم به البلدية الإسرائيلية ودائرة الآثار الإسرائيلية كما أننا لا نعترف بأي قرار يصدر عن المحاكم الإسرائيلية لأن الأقصى وملحقاته هي فوق المحاكم وفوق القرارات". أهداف سياسية إلى ذلك قال مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبدالقادر في حديثه إلى "الوطن": إن إزالة التلة التاريخية تتيح للإسرائيليين 3 أهداف أساسية، أولها: توسيع ساحة البراق بحوالي 700 متر مربع وبالتالي إقامة بعض المنشآت الدينية اليهودية عليها، وثانيها: إتاحة الوصول إلى مناطق حساسة أسفل المسجد الأقصى المبارك وفي مقدمتها باب محمد أو باب النبي الذي تغطيه التلة التاريخية في تلك المنطقة، وثالث الأهداف: إزالة الآثار الإسلامية من تلك المنطقة واستبدالها بآثار تلمودية، كما يمكن إضافة هدف آخر وهو إقامة جسر عسكري يربط ساحة البراق بالمسجد الأقصى بصورة مباشرة". هدم الحي ويقول تقرير أعدته لجنة فنية تركية حول ما يجري في باب المغاربة وحصلت "الوطن" على نسخة منه "هدم حي المغاربة (محلة المغاربة) بالكامل عام 1967، ولم يتبق من هذا الحي سوى باب المغاربة والطريق الصاعد المؤدي إليه، حيث تم هدم 135 بيتا وجامعين وتكيتين في ذلك العام بالمتفجرات.. وتمت إزالة الأنقاض باستخدام المعدات الثقيلة". وتابع التقرير "تم خفض المجال الموجود أمام ما يعرف ب"حائط المبكى" بما يقرب من مترين، وبعد أعمال التخريب والهدم هذه بدأت أعمال الحفريات الأثرية وأزيل كل ما هو عائد إلى العهود الإسلامية دون توثيقها قبل الإزالة، وبهذا تم الوصول إلى الطبقة التي كانت موجودة في عهد الرومان، وكان من نتيجة هذه الأعمال أن تم الحفاظ على البقايا العائدة للفترة الرومانية على طول الجدار وأزيلت كل البقايا الأخرى العائدة للفترة الإسلامية، وتم فهم ذلك بشكل قطعي من البحوث التي أجريناها في الساحة ومن خلال تصفحنا لمنشورات الباحثين الإسرائيليين والصور الفوتوجرافية والرسوم والتقارير". ويزيد التقرير "شارفت أعمال التنقيب عن الآثار في الجزء الجنوبي من الطريق الصاعد على النهاية وقد تم تنظيمها مع الساحة الموجودة جنوب الحرم الشريف، وظهر فرق في مستوى الارتفاعات لما يقرب من 18 مترا فيما بين بقايا باب المغاربة والبقايا من العهد الروماني حيث تم حفر أساسات بقايا القصور الأموية للتنقيب عن الآثار ووصل مستوى الحفر إلى بقايا العهد الروماني، ومن أجل الوصول إلى الباب تم تنفيذ طريق صاعد يستخدمه المشاة بطول 80 مترا في الساحة أمام الباب الغربي من الحرم الشريف باتجاه باب المغاربة، وحتى عام 2005 كان هذا الطريق يستخدم من قبل الإسرائيليين والسياح للوصول إلى الحرم الشريف". وأضاف "نتيجة لقص حافات الطريق الصاعدة الشمالية والجنوبية وتفريغ التربة ولتجنب الانهيارات التي يمكن أن تحدث في جوانب طريق المشاة فإن جوانب الطرق الشمالية والجنوبية دعمت بجدار من الحجر وبشكل غير منتظم وأقيمت عوارض مزدوجة الاتجاه فوق الطريق الصاعد". ولكن في شهر فبراير من عام 2004 أعلنت السلطات الإسرائيلية عن إغلاق طريق المشاة الصاعد على تلة المغاربة بادعاء أنه "نتيجة الأمطار والثلوج والزلازل واحتمال التسبب في خطورة على الزائرين" وتم استبداله بجسر مؤقت من الخشب أقيم عام 2005 وما زال قائما حتى الآن. غير أن ما أشارت إليه السلطات الإسرائيلية من أنه انهيارات نتجت عن عوامل طبيعية لم يكن كذلك وفقا للتقرير الفني التركي الذي قال "مثلما يتضح من الصور القديمة فإن انهيار هذه الجدران من ذاتها مستبعد". ليس فقط الحفريات الانهيارات التي حدثت في طريق المغاربة لم تنتج فقط عن الحفريات وإنما تعود في جزء منها أيضا إلى إقامة غرف استخدمتها النساء اليهوديات لأغراض التعبد تحت باب المغاربة في مكان التقاء الطريق الصاعد مع الجدار الغربي. ويتضح من التقارير العديدة ومن بينها التقرير الفني التركي، أن الغرف هذه هي من بقايا المدرسة الأفضلية ذات الطابقين التي أقيمت في فترة الأيوبيين عام 1196 حيث لا تزال "كوة المحراب" التابعة لمسجد المدرسة الأفضلية قائمة إلى الآن في شمال الطريق الصاعد وبالقرب من الجدار الغربي. وتقول مؤسسة الأقصى، التي تعنى بمتابعة التفاصيل الدقيقة للحفريات الإسرائيلية، "امتدت تحت الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك إلى داخل المسجد، كما فتحت أنفاق امتدت بطول الجدار الغربي للأقصى وأقيم في بعضها كنس يهودية أيضا وأدت هذه الحفريات إلى خلخلة التلة التي يقوم عليها طريق باب المغاربة، فانهار جزء بمساحة 100 متر منها بتاريخ 15 /4 /2004 وقام الاحتلال حينها بإزالة الأتربة المتساقطة وجزء من الجدار دون مراعاة تضمنها لآثار إسلامية، ومنع الاحتلال يومها دائرة الأوقاف الإسلامية من القيام بواجب ترميمه، إذ هي الجهة المسؤولة والمخولة بذلك دون غيرها". تجدد الأحداث وشكل يوم السادس من فبراير 2007 بداية مرحلة جديدة، إذ كشف رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني الشيخ رائد صلاح آنذاك أن السلطات الإسرائيلية تعد لهدم تلة المغاربة استعدادا لإقامة جسر عسكري، فانطلق إلى هناك ومعه العشرات من المقدسيين ومن أبناء الداخل الفلسطيني ليوقفوا الجرافات الإسرائيلية بأجسادهم، فتح هذا التحرك الباب واسعا أمام تحركات عربية وإسلامية رافضة للخطوة الإسرائيلية وتعالت المطالبات بوقف أعمال التدمير وهو ما تم. الطريق العسكري مع تصاعد الاحتجاجات على رفض أعمال الهدم لتلة باب المغاربة التاريخية فقد خرجت السلطات الإسرائيلية بمخطط لإقامة جسر عسكري يربط ساحة البراق. واستنادا إلى المخططات الإسرائيلية لإقامة هذا الجسر العسكري فإن الاحتلال الإسرائيلي يخطط بعد هدم طريق باب المغاربة وما يحويه من آثار إسلامية عريقة، ومسجد وغرفتين، لإقامة جسر عسكري كبير، يرتكز على أعمدة ضخمة، تؤهله لحمل آليات عسكرية كبيرة، بالإضافة إلى أنه يجعل بوسع الاحتلال اقتحام المسجد الأقصى بآلاف الجنود دفعة واحدة، وكذلك اقتحام الجماعات اليهودية والمستوطنين والسياح الأجانب بأعداد أكبر مما هي عليه اليوم. وقالت مؤسسة الأقصى "كما أن الاحتلال الإسرائيلي يخطط لتحويل أسفل الجسر العسكري، إلى كنس يهودية، وتوسيع ساحة البراق واستكمال تهوديها، كما أن الاحتلال يخطط لحفر نفق وفتح الباب أسفل باب المغاربة المسمى باب النبي". وتابعت "بالإضافة إلى أن هدم طريق باب المغاربة سيكشف بشكل كامل مسجد البراق – الموجود ملاصقة من طريق باب المغاربة وأسفل باب المغاربة -، الذي يخطط الاحتلال لتحويله إلى كنيس يهودي أيضا، بالإضافة إلى أن الاحتلال يخطط لبناء كنيس كبير على بعد أمتار منه، وبالتحديد فوق المدرسة التنكزية، وسيكون الكنيس مشرفا ومفتوحا على المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة والساحات الغربية للمسجد الأقصى المبارك، بالإضافة إلى أن الاحتلال يخطط لمشاريع تهويدية شاملة لكامل منطقة البراق ومنطقة حارة المغارية – التي هدمت عام 1967 بعد 4 أيام من الاحتلال الإسرائيلي – ستؤدي إلى تغيير شكل المنطقة وطابعها بشكل جذري". مؤخرا عادت السلطات الإسرائيلية إلى إثارة قضية جسر المغاربة بالإعلان أنها ستدمر الجسر الخشبي المؤقت الذي أقامته بدعوى أنه يشكل خطرا على من يستخدمونه ولكن ذلك أثار ردود فعل عربية وإسلامية غاضبة حدت برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التغاضي عن دعوة المهندس المسؤول في بلدية القدسالغربية لهدم الجسر المؤقت فورا. ثم أعادت السلطات الإسرائيلية افتتاح الجسر ولكن الموضوع ما زال متفجرا حيث تصر جهات إسرائيلية وخاصة بلدية القدسالغربية على إقامة الجسر العسكري. وفي هذا الصدد طالب مدير أوقاف القدس بأن تمكن الأوقاف الإسلامية في القدس من القيام بدورها في ترميم كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك وقال "نتأمل أن يكون الدور الأساسي هو للأوقاف في القدس التي تتبع لوزارة الأوقاف الأردنية" وأضاف "نأمل ألا يكون هناك أي تصرف انفرادي في الموقع لأن في ذلك اعتداء صارخا على أحد مداخل المسجد الأقصى المبارك". أما مسؤول ملف القدس في حركة فتح فقال "نحن نحذر سلطات الاحتلال من أن تلعب بالنار فالمسجد الأقصى كان وسيظل عصبا حساسا ليس فقط بالنسبة للمقدسيين والفلسطينيين عموما وإنما أيضا بالنسبة للشارع العربي والإسلامي ولذلك نحن لا ننصح إسرائيل بأن تعيد الكرة مرة أخرى وأن تختبر مشاعر العالم العربي والإسلامي مرة أخرى". 4 أهداف لهدم "المغاربة" وتشكلت عدة لجان فنية للنظر بما تقوم به السلطات الإسرائيلية وفي هذا الصدد قال تقرير أعدته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) "تهدف إسرائيل من أعمال الحفر والإزالة إلى تحقيق عدة أمور في آن واحد، والتي يمكن تلخيصها بما يلي: 1- إعلان شراكتها، على أقل تقدير، في السيادة على الحرم الشريف، كما اتضح الأمر في مفاوضات كامب ديفيد سنة 2000. 2- توسيع حائط البراق باتجاه الجنوب، حيث جرى توسيعه باتجاه الشمال عبر مشروع النفق، وبذلك سيصل المكشوف من حائط البراق إلى الزاوية الجنوبيةالغربية للحرم الشريف. ويذكر أنه قد جرى توسيع الحائط عام 1967 من 28م ليصبح 60م، وإذا نجح الإسرائيليون فيما يقومون به الآن، فسيصل طول الجدار إلى أكثر من 100م. 3- تعزيز العلاقة اليهودية بالموقع، وتأكيد السيطرة الإسرائيلية على كل الجدار الغربي للحرم الشريف. 4- نصب جسر يتسع لمئات من الجنود ورجال الشرطة، بما فيها آلياتهم، لتسهيل عمليات اقتحام الحرم الشريف كلما اقتضى الأمر ذلك. وبالتالي فإن إنشاء الجسر لأسباب "أمنية" يساهم في قمع الاحتجاجات الفلسطينية. وفي هذا الصدد أشارت مؤسسة الأقصى إلى هدف آخر وهو "استمرار الحفريات بهدف الوصول إلى مسجد البراق – أسفل الجدار الغربي للأقصى، أسفل باب المغاربة - وتحويل المسجد إلى كنيس يهودي، ومن ثم إجراء حفريات أخرى توصل إلى الغرف المائية الموجودة تحت المسجد الأقصى". محلة المغاربة تقول مؤسسة الأقصى للوقف والتراث عن سبب التسمية "كانت هذه الحارة بالكامل وقفاً من الملك ابن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير المدينة من الصليبيين، حيث أوقفها على المجاهدين المغاربة الذين شاركوا في الفتح وبقيت باسمهم، وعلى مر الزمان انتشرت فيها الأوقاف المتعددة من مدارس وأبنية ومصليات وزوايا وغيرها". يذكر أن ساحة البراق، التي يسميها اليهود ساحة المبكى، سميت بساحة البراق لأنها المكان الذي ربط فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم البراق، حين أسري به إلى المسجد الأقصى، قبل أن يتوجه إلى المسجد لأداء الصلاة إماما للأنبياء عليهم السلام.