دعا أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل أمس إلى تأصيل "منهج الاعتدال السعودي" بكل جوانبه، والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يمينا أو يسارا عن وسطية الإسلام التي قامت عليها الدولة السعودية. وقال الفيصل خلال محاضرة ألقاها في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة: لقد طرحتُ مصطلح "منهج الاعتدال السعودي" وأنا أعنيه تماماً، فهو منهج لأنه ثابت، وهو اعتدال بمعنى التزام العدل الأقوم، والحق الوسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير. وأضاف "ووصفتُ الاعتدال بالسعودي، لأن المملكة قد انفردت على الساحة الإسلامية، ببناء دولتها على شرع الله وحده في الكتاب والسنة". ورأى الأمير خالد "أنه في خضم الأحداث الراهنة في الوطن العربي، والنتائج الأولية التي تشير إلى التوجه الإسلامي في كثير من بلدانه، ما يؤكد أن الثورات العربية الحالية، تختلف عن الثورات الأوروبية في العصور الوسطى، حيث قامت الثورات هناك ضد الكنيسة، بينما تقوم في منطقتنا الآن لصالح المسجد"، لافتا إلى أن "هذا يحتم تقديم منهج الاعتدال السعودي نموذجا ناجحا للدولة الإسلامية المتمسكة بالقيم الإسلامية، والمنفتحة على المكتسبات العلمية والحضارية للعصر" كما طالب بتقديم الوجه الحقيقي الناصع للإسلام أمام العالم باستثمار هذه الفرصة قائلا هو"إسلام الإصلاح والتطوير والبناء.. إسلام العدل والحرية والمساواة.. إسلام القيم الإنسانية الأص`يلة.. إسلام كل العصور.. ونشه`د الدنيا بأن القائد والمسؤول والمواطن السعودي أهل لهذه المهمة الجليلة". ------------------------------------------------------------------------ حمّل أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل الجميع مسؤولية تأصيل الاعتدال فكرا، وعلما، وعملا، ومنهجا والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يمينا أو يسارا عن الوسطية التي جاء بها الإسلام وقامت عليها الدولة السعودية منذ تأسيسها. جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة مساء أمس بحضور أمير منطقة المدينةالمنورة الأمير عبدالعزيز بن ماجد وعدد من المثقفين والأدباء والطلاب. وشكر الأمير خالد في مستهل حديثه الجامعة الإسلامية قائلا: أقدم الشكر والتقدير لهذه المنارة العلمية السامقة، ولكل القائمين عليها، وعلى رأسهم الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة، على تهيئة هذا اللقاء المبارك، ولاغرو فقد أصبحت جامعتكم ملء السمع والبصر، منبراً مستنيراً يتصدى بالحق للجهل والجهالة. والشكر موصول إلى جمهور الحاضرين الكرام، على تفضلهم بتلبية الدعوة وإثراء اللقاء. وسرد الأمير خالد قصة المحاضرة وقال: منذ أكثر من عامين، التقيت بهيئة التدريس والطلبة في جامعة الملك عبدالعزيز، على موضوع "منهج الاعتدال السعودي" الذي يعني المواءمة والموازنة بين التمسك بأهداب الدين والقيم الإسلامية من جهة، والاستفادة على الجانب الآخر من المكتسبات الحضارية العالمية، بضوابط تلك القيم. ثم تشرفت باستحداث كرسي بحثي في الجامعة، لتأصيل هذا المنهج: سياسياً واقتصادياً، وتاريخياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتنفيذ برنامج توعوي لنشر ثقافة الاعتدال في المجتمع عامة، وبين فئات الشباب خاصة. واليوم يسعدني أن أكون مع هذا الجمع المبارك، لنواصل ونتواصل على ضوء ما أسفر عنه اللقاء السابق، وما تبعه من وقائع لتفعيل الهدف، والمستجدات المحلية والإقليمية والعالمية، التي لا تزال تؤكد سلامة هذا المنهج، ودوره في حماية بلادنا العزيزة، وتحقيق أمنها ورخائها ومنعتها. وبطبيعة الحال، فإن وقوفي بينكم معاشر العلماء والباحثين ليس ادعاء مني بالعلم، وإنما ينطلق من شعور المواطن الغيور على وطنه، وإحساس المسؤول عن ثغر من ثغوره. وما أحوج الإنسان المسلم إلى كل رأي سديد وفكر رشيد، يضيف إلى ما وقر في علمه أو يصوبه، لأن أحدا لا يمكن أن يحتكر الحقيقة وحده، و"الحكمة ضالة المؤمن" كما جاء في الحديث الشريف. ولو أسعفني الوقت، ما وفرت فرصة في طول البلاد وعرضها، إلا واصلت مسعاي في هذه المهمة الجليلة، استشعارا بأننا جميعاً مسؤولون عن تأصيل "الاعتدال" : فكراً، وعلماً، وعملاً، ومنهجاً، والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يميناً أو يساراً عن هذا الوسط العدل، الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، وقامت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها الأول. وتابع الأمير خالد محاضرته: لقد طرحتُ مصطلح " منهج الاعتدال السعودي" وأنا أعنيه تماماً، فهو منهج، لأنه ثابت، وهو اعتدال بمعنى التزام العدل الأقوم، والحق الوسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، وهو التفسير العملي لقوله جل وعلا "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً..."، حيث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم الوسط هنا بالعدل. ووصفتُ الاعتدال بالسعودي، لأن المملكة العربية السعودية قد ( انفردت ) على الساحة الإسلامية، ببناء دولتها على شرع الله وحده في الكتاب والسنة. فالإسلام كما هو معلوم خاتم الرسالات السماوية، قد جاء وسطاً عدلاً بين كل طرفين خارجين عليه: فهو وسط بين الانجراف في المادية، وبين الاستغراق في الروحانية، وهو وسط بين من ألّه الأنبياء، وبين من كذبهم وقتلهم، وبين من يسيد العقل مطلقاً وحده، ومن يعطلونه تعلقا بالوهم والخرافة. والإسلام ينكر الرهبنة، ويستنكر المغالاة حتى في العبادة، كما جاء في رد الرسول صلى الله عليه وسلم على من يصلي فلا ينام، ومن يصوم ولا يفطر، ومن لا يتزوج النساء، حيث قال: " ... أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". وإذا كان هناك من يدعو المجتمع المسلم إلى الجمود والقعود والانسحاب من العصر، فإن هناك فريقاً آخر لا يقل خطراً على هذا المجتمع، يحمل لافتات كسر القيود، والخروج على المألوف، والحرية المطلقة، ويركب موجة الانسلاخ عن قيم الإسلام، ويعتمد نقل النموذج الغربي، دون سبر جوهره وفلسفته. وهذا التيار هو أداة غزوة منظمة من المتربصين بالإسلام والوطن، تشجع هذا الخروج وتروج له، وتبالغ في تكريم أصحابه والدعاية لهم، وبهذه المغريات تستقطَب الفراشات الساعية إلى حتفها نحو شعاع حارق! وهذا الفريق يحذو حذو الدعوة القديمة في الغرب، لفصل الدين عن الدولة، التي صاحبت الثورة الصناعية، وكانت بزعمهم سببا في النجاح الذي حققه، ومن ثم (ينصحوننا) أن نأخذ بتجربته حزمة متكاملة، دون النظر إلى خصوصيتنا. ولا شك أن كل هذه الادعاءات كما تعرفون باطلة: أولاً: لأن الإسلام دين ودنيا، لم يقتصر على تنظيم العلاقة بين الإنسان وبين خالقه فحسب، بل نظم أيضاً كل التفاصيل في حياته، وأسس لعلاقة الفرد بالفرد، وعلاقته بالجماعة، على نحو لا يشوبه خلل أو قصور، فلماذا نستورد أفكار الغير، ولدينا معين لا ينضب من الفكر الشامل الراسخ والمعصوم؟! ثانياً: لأن إنكار خصوصية هذه البلاد، باطل وعار عن الحقيقة تماماً، فهي بلد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي بآخر الرسالات، وبلسانها العربي نزل آخر الكتب السماوية، ومنها بُعث خاتم الأنبياء والرسل عربياً، وقد شرفنا المولى جل وعلا بجوار بيته العتيق، ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وبخدمة ضيوفه من الحجاج والمعتمرين والزوار، لذلك فإن هذه البلاد وإنسانها، على رأس المكلفين بتبليغ الرسالة ونشر الدعوة، وتقديم المثل والقدوة للإسلام: مواطناً ودولة، فالخصوصية هنا تشريف وتكليف معاً. وبرأيي أنه في خضم الأحداث الراهنة في الوطن العربي، والنتائج الأولية التي تشير إلى التوجه الإسلامي في الكثير من بلدانه، ما يؤكد أن الثورات العربية الحالية، تختلف عن الثورات الأوروبية في العصور الوسطى، حيث قامت الثورات هناك ضد الكنيسة، بينما تقوم هنا الآن لصالح المسجد. وهذا يحتم تقديم "منهج الاعتدال السعودي" نموذجا ناجحاً للدولة الإسلامية، المتمسكة بالقيم الإسلامية، والمنفتحة على المكتسبات العلمية والحضارية للعصر، فيما لا يتعارض مع جوهر الإسلام وقيمه. وتبرز مسؤولية المملكة قيادة وشعباً في مواصلة نجاح النموذج وتطويره، عبر مشروع الإصلاح والتطوير الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كافة المجالات: السياسية، والاقتصادية، والعدلية، والإدارية، والعلمية، والثقافية، وغيرها، ليظل الأنموذج الأمثل، الذي يمكن البناء عليه من قبل الباحثين عن نظام إسلامي معاصر. ولعل هذه هي أهم خصوصيات المملكة العربية السعودية. ثالثاً: ليس في الإسلام ما يدعو إلى التخلف، فهو الدين القائم على جناحي استخلاف الإنسان على الأرض: عبادة الله وحده جل وعلا ، والعمل على تطوير الحياة وترقيتها. ونستطيع أن نقدم التجربة السعودية، تطبيقا حياً لهذه النظرية الإسلامية، لندلل على أن التخلف لا دخل للدين فيه، وأنه محض صناعة بشرية، فالإسلام ليس دين تخلف وقعود، وإنما هو دافع قوي للتقدم والتطور، وإذا كان من تقصير فليتحمل المقصرون وحدهم وزره، وليجتهدوا لإصلاحه، ولا يجيروا مشكلتهم الذاتية طعناً في الدين. رابعاً: أن العصر الإسلامي المزدهر، قد قدم أول نظام عولمي إيجابي، وحّد البشر في دولة عظمى، ينعم فيها الجميع بالخير والعدل، بينما عولمة اليوم قد تحمل بعض النفع، لكنها لا تخلو من أثر سلبي في بعض تطبيقاتها. خامساً: أن الأفكار لا تنقل كالأحجار، ولا تُفرض فرضاً خارج مواطنها، دون احترام للقيم والخصوصيات المتباينة، لأن المنتج الفكري لا يخضع للمقاييس نفسها التي تطبق على المنتج المادي. سادساً: أن قيم الغرب التي يتغنى بها هؤلاء من عدل ومساواة وحرية وما إلى ذلك، قد جاء بها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً، فهي ليست اختراعا غربياً أو شرقياً، لذا فلا بد من تعليق الجرس، لكلا الفريقين الخارجين عن القيم الوسطية في الإسلام: الغالين في الدين، والداعين للانسلاخ عن قيمه، للعودة إلى الطريق القويم، قادة لحركة المجتمع، وسفراء له في العالم، ينافحون عنه ضد الناقمين علينا نعمتي الأمن والرخاء. وأضاف الأمير خالد: قارئ التاريخ يدرك أن الدولة السعودية، منذ "الحركة الإصلاحية التجديدية" التي قامت مراحلها الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، قد اعتمدت منهج الاعتدال السعودي الذي يدل عليه توصيف الحركة في المصطلح التاريخي، ولم تحد عنه طوال مسيرتها. وعلى هذا الأساس، انطلق الملك عبد العزيز بعد التوحيد إلى تنمية البلاد، وتطوير المجتمع البسيط آنذاك، إلى مجتمع عصري متحضر، فبنى الهجر، وحفر الآبار ليساعدهم على الزراعة والتوطن والاستقرار، وأرسل المعلمين والقضاة والدعاة، يعلمونهم القراءة والكتابة وأمور الدين، وبعدها افتتح المدارس لتعليم منتظم، ثم أقام هيكل الإدارة، وأدخل الآلة: السيارة والطائرة والقطار والبرقيات والراديو. وحين عارض أصحاب الفكر المتطرف هذا التحديث بدعوى التحريم! ما كان من الملك المؤسس إلا أن نظم حلقات نقاش في طول البلاد لدراسة الاعتراض، أسفرت عن الانتصار لما فعل، لكن الرافضين شرعوا في وجهه السلاح، فواجههم بالمثل وانتصر عليهم، وفرض التحديث فرضا، على أساس منهج الاعتدال السعودي. ثم إنه حين رأى في الحرم المكي منابر متعددة، وكلا يصلي وراء إمامه حسب مذهبه، وحدها في منبر واحد، وعين شيخاً مصرياً شافعياً إماماً للحرم المكي! وقبل قيام جامعة الدول العربية بسنوات، كان الملك عبدالعزيز قد أسس مجلساً استشاريا ضم نخبة من المفكرين العرب إلى جانب السعوديين، ليتواصل بذلك منهج الاعتدال السعودي، فلا تعصب ولا تشدد، ولا بأس أن نستفيد من كل فكر لا يخالف شريعتنا. لكن الفكر الرافض لم يهادن، ولا هادنته الدولة أبداً، ففي عهد الملك سعود يرحمه الله بدأ فتح المدارس للبنات، رغم اعتراض البعض، الذين هم اليوم أول من يطالب بإلحاح بتعليم بناتهم، ولم يوقف الاعتراض المسيرة. فقد تصدى الملك فيصل يرحمه الله وبقوة لاعتراض الرافضين، وواصل فتح مدارس البنات، وحماية الطالبات من اعتراض طريقهن وتهديدهن، كما أدخل التلفزيون رغم اعتراض البعض أيضاً. وكان المد الشيوعي في أوجّه، قد غطى معظم الساحة العربية، وجرت محاولات نقله إلينا، لكن المملكة هي الوحيدة التي صمدت أمام الهجمة، وتمسكت بدينها الحنيف، بكل إصرار وعزم وثبات، رغم الحملات الإعلامية الشرسة، التي تصاعدت إلى الحرب المسلحة، وانتصر فيصل على تطرف الداخل والخارج، ومضى إلى حركة تطوير شامل، باستكمال إنشاء المؤسسات الحكومية والاجتماعية وتنظيم البنوك، وتحرير الرق، فيما عرف حينذاك بالنقاط العشر التي طرحها الملك فيصل لتنظيم الحكم. ولم يستكن التطرف، بل عاد لمحاولاته في عصر الملك خالد يرحمه الله بحركة جهيمان، التي هددت الطفرة الاقتصادية والتنموية، التي عاشتها المملكة آنذاك، ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، فيُقضى على المجموعة التي احتلت الحرم، ومنعت الصلاة فيه لعدة أسابيع. وعاودت جذور الفكر الكامنة انطلاقها مجدداً في عهد الملك فهد يرحمه الله ولكن بتناغم عجيب بين تيارين: المتطرفين التكفيريين في الداخل، وصدام حسين بفكره المتطرف الإلحادي، الذي غزا الكويت وهدد دول الخليج على أساسه. وهذا التحالف يؤكد أن التطرف الذي يتزيا بعباءة الدين الإسلامي ليس منه في شيء، وإنما هي أطماع سياسية تسعى للاستيلاء على السلطة، تبنتها كل الحركات المبثوثة في الوطن العربي والشرق الأوسط، وأساءت لنا أيّما إساءة لدى العالم أجمع. ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، بإصرار الملك فهد على الوقوف بحزم في وجه الغزو الخارجي، والتيارات المتطرفة الداخلية، حتى تحررت الكويت من عدوان الفكر الإلحادي، واضطر الكثير من قيادات التطرف في الداخل، أن يعلنوا عودتهم إلى الاعتدال وتخليهم عن قناعاتهم السابقة. ثم جاء عهد الملك عبد الله الزاخر بالخير والتغيير من أجل التطوير، على منهج الاعتدال السعودي، وهو يؤكد هذا المنهج بقوله: