عندما يقف العم محمد اليحياوي على شواطئ القحمة لا ينتظر لحظة الغروب، لكنها وقفة على الأطلال، يسترجع خلالها ذكرياته عندما كان في سن الشباب يتجول بين بضائع السكر، والأرز، والبن والأقمشة في ميناء القحمة التجاري والتي كانت تصل من عدن، الهند والسودان. ولا يزال محمد الفلقي يتذكر بدايات افتتاح الميناء في السبعينات الهجرية بعد أن رست السفينة التي أقلت الملك سعود – رحمه الله- في الميناء لدى زيارته للقحمة وتفقد أحوالها، وسمي الميناء في ذلك الوقت بميناء الملك سعود. حسرات وحنين على ما أصبح عليه الميناء البحري للقحمة الآن وما كان عليه في السابق تجمع مسني وأهالي القحمة عندما تم الاستغناء عن ميناء مدينتهم التجاري والاقتصادي والتاريخي الذي كان يخدم مناطق عسير ونجران والباحة. اهتمام تلازم الحسرة أهالي القحمة على ساحل منطقة عسيرجنوب غرب المملكة على غياب مينائهم الذي أمر بصيانته المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه مطلع عام 1351، والذي تفرد بالتصدير والاستيراد وأصبح الميناء الرئيسي لمنطقة عسير وسواحل تهامة من كتاب تاريخي بعنوان (مدينة القحمة لؤلؤة تهامة عسير ) تأليف الدكتور محمد منصور مدخلي. ثم نزل في الميناء الملك سعود طيب الله ثراه خلال زيارته للقحمة بعد أن وصلها عن طريق سفينة أقلته ونزل في ميناء القحمة، إثرها أطلق عليه ميناء الملك سعود. تجارة الميناء فتح لمنطقة عسير عامة والقحمة خاصة وما جاورها فرصة مزاولة التجارة محليا ودولياً، كما فرضت في الميناء الرسوم الجمركية على السلع المصدرة والمستوردة، حيث كانت تستورد البضائع من بعض الدول الآسيوية كالهند واليمن، إضافة إلى جيبوتي والسودان من أفريقيا. أسباب مجهولة بعض أهالي القحمة ومسؤولوها يؤكدون على عدم معرفتهم بالأسباب التي أدت إلى إغلاق الميناء، والذي كان يمثل جذبا للتجار المحليين والدوليين، مطالبين الهيئة العامة للموانئ بالإسراع في إنشاء ميناء حتى تعود الحياة الاقتصادية للقحمة. وأثناء جولة "الوطن" على الميناء بمرافقة رئيس مركز القحمة إبراهيم الشهري، وقائد سلاح الحدود في قطاع القحمة العميد الركن عبده السيد، ومدير الضمان الاجتماعي محمود الصغير، وبعض كبار السن من مواطني هذه المدينة، لم نجد إلا أطلال وبقايا سفن، وأملا من أهالي المركز أن يعاد إنشاء الميناء، ليخدم المنطقة كاملة بالإضافة إلى منطقتي الباحة ونجران ومحافظاتها. وقد وجدنا أنه لم يعد من هذا الميناء إلا الأطلال والأمل الكبير من المواطنين في إعادة إنشائه. ذكريات الشاب لا تفارق المسنين محمد اليحياوي، يحيى درويش، وإبراهيم المتحمي، مؤكدين أنهم عملوا في الميناء في شبابهم، وقال اليحياوي "عملت بالميناء في صغري، حيث كنا نوزع البضائع ونحملها على ظهور الحمالين" وأشار درويش إلى أن البضائع كانت تصل من "عدن، الهند، السودان وجيبوتي"، وأضاف "كانت البضائع التي تصل عبارة سكر، وأرز، وبن وأقمشة، وبعد إغلاق الميناء توقف النشاط التجاري وقلت فرص العمل للمواطنين وعاد بعضهم لمزاولة مهنة صيد السمك"، من جهته طالب المتحمي من الهيئة العامة للموانئ بالإسراع في إعادة إنشاء هذا الميناء لإعادة الحياة التجارية إلى هذه المدينة، وخلق فرص العمل لشباب الساحل والمراكز الساحلية. بدايات الميناء إلى ذلك أوضح محمد الفلقي (66 سنة) أنه شهد بدايات افتتاح ميناء القحمة التجاري في السبعينات الهجرية، وقال "عاصرت بدايات الافتتاح، كما مارست العمل في هذا الميناء التجاري، والذي كان جاهزًا لاستقبال السفينة التي أقلت جلالة الملك سعود رحمه الله أثناء زيارته مدينة القحمة وتفقد أحوالها، فعندما وصل إلى هذه المدينة عن طريق البحر ورست سفينته أطلق الأهالي على الميناء اسم الملك سعود"، واستدرك بحسرة "لكن للأسف الشديد أصبح هذا الميناء الآن أثرًا بعد عين"، وأردف الفلقي بقوله "كان التجار يأتون من عسير ورجال ألمع، إضافة إلى تجار القحمة، ومنهم فائع أبو سارحة، وأحمد أبو سارحة وكانت السفن تفرغ هذه البضائع في الميناء وتم إنشاء مكتب جمارك ومكتب للمالية ملتصقين بالميناء، وهذا النشاط الاقتصادي انتهى ولا يوجد إلا الآثار وأطلالها". الجمارك والمالية وأشار إلى أن هذه المباني للجمارك والمالية التي أنشأتها الحكومة، باقية إلى الآن ضمن أملاك الدولة، وتابع "الجمارك كانت مهمتها حصر حركة السفن من وإلى الميناء وكذلك فسح البضائع المستوردة في ظهر السفن، والمالية تقوم بجمع الزكاة، وبسطات البائعين... السفن المحطمة الآن في الميناء هي لشركات تجارية تركتها بعدما تم إغلاق الميناء وكان ذلك ما بين عام 80 85 دون أن نعلم أسباب إغلاق هذا المشروع الحيوي والذي كان يمطر خيرًا على جميع أهالي مراكز ومدن الساحل، وكذلك استفاد منه الشباب بعملهم في تنزيل البضائع من السفن وتحميلها، وتفنيد البضائع، أي توزيع البضائع على أرصفة الميناء، حيث كان كل رصيف لتاجر معروف في ذلك الوقت، لذلك كان الميناء يدر ذهبًا على الأهالي ويخلق لهم الفرص في العمل، أما الآن فقد تراجعت القحمة عن نشاطها التجاري، وأصبحت جميع أسواقها التي كانت تعج بالتجار والمتسوقين خاوية، وافتقد أغلب الأهالي فرصهم في العمل مما جعلهم في منزلة الفقراء إلا من كان معه وظيفة بسيطة، أو يعتمد على مساعدات الضمان الاجتماعي"، واستشهد الفلقي بالتجربة الناجحة لوزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في الضمان الاجتماعي التي قامت بإنشاء مرسى للصيادين مع تأمين قوارب الصيد، واستطاع بعض شباب هذه المدينة أن يحصلوا على عمل، ويصبحوا عناصر فاعلة في مجتمعهم وأسرهم. وطالب محمد الفلقي بإعادة تأهيل هذا الميناء التجاري حتى تعود القحمة إلى ما كانت عليه سابقًا من نهضة تجارية ومدينة جاذبة، لأن مثل هذا المشروع الحيوي كان كشريان الحياة لجميع أهالي ساحل البحر في عسير. ميناء جديد من جهته قال قائد سلاح الحدود في قطاع القحمة العميد الركن عبده السيد "الميناء قديم جدًا وكان يخدم منطقة عسير تجاريًا واقتصاديًا، ولم يتبق من الميناء السابق إلا الحيطان الملاصقة للميناء، وأما الرصيف الحالي والسفن المحطمة على هذا الرصيف فهي لأحد المستثمرين الذي قام بإنشاء هذا الرصيف قبل 25 سنة، ثم ترك الرصيف والسفن، وهناك بعض الإجراءات سوف تتخذ من أجل إبعاد هذه السفن المحطمة عن هذا الرصيف"، وأكد قائد سلاح الحدود في القحمة أنه قبل عام من الآن وقفت لجنة مشكلة من حرس الحدود، وهيئة الموانئ وبعض الجهات ذات العلاقة وأوصت بضرورة إنشاء وتفعيل هذا الميناء ليكون رافدًا لميناءي جدة وجازان. أهم الموانئ من جهته، أكد رئيس مركز القحمة إبراهيم الشهري أن ميناء القحمة السابق كان من أهم الموانئ في المنطقة الجنوبية. وعن الوضع الحالي بعد زيارة اللجنة قال "تم تحديد موقع الميناء، حيث تم اختيار ساحل عسير من الحريضة وحتى نهاية الساحل شمالاً فلم تجد مكانًا مناسبًا مثل الموقع المسمى (الخسعة) جنوب مركز القحمة". محافظ محايل عسير محمد بن سبرة قال "مدينة القحمة من المدن التاريخية المعروفة على مستوى المملكة، وكان هذا الميناء سابقًا موجودًا، إضافة إلى وجود مكاتب للجمارك، ومبنى للمالية حسب الوثائق. وهذا دليل على أن هذا الميناء كان نشطًا وواجهة تجارية واقتصادية لعموم منطقة عسير والمناطق المجاورة، والآن تم اتخاذ بعض الإجراءات بين الجهات المسؤولة، ووصلت لجنة لتحديد موقعه من أجل إنشاء ميناء يخدم منطقة عسير، والمناطق المجاورة لها". وأضاف "وفي حال استحداث وإنشاء هذا الميناء سينقل ساحل عسير نقلة كبيرة جدًا نحو التطور والنمو، وسيدعم هذه المراكز على الساحل ومنطقة عسير بوجه عام، وأكد ابن سبرة أن أمير منطقة عسير يولي ساحل هذه المنطقة جل اهتمامه، ويعتبر هذا الساحل مستقبلا للمنطقة من الناحية التنموية والسياحية والتجارية.