لم يتمالك المواطن عيسى محمد الحاج حمضي، الذي جاوز التسعين من العمر نفسه عندما وقف على ميناء القحمة التاريخي المهجور والمتوقف منذ سنين حيث ذرف دموعه، وهو يشير بيده إلى إحدى السفن المحطمة على صفحات مياه البحر الأحمر بالقرب من ميناء القحمة. تذكر حمضي في تلك اللحظات مصدر رزقه الذي انقطع فجأة من هذا الميناء، وعاش أيام شبابه عندما كان يشتغل صياداً وعتالاً في آن واحد، ويطلب الرزق بقوة جسده من السفن المغادرة والمبحرة إلى هذا الميناء. اشتغل حمضي قديماً في ميناء القحمة التاريخي صياداً، وبعد أن توقف الميناء عاد أدراجه ليكون أسير بيته دون عمل. بكى حاله وتلك الأماكن التجارية التي كانت تزخر بها مدينة القحمة التابعة لمحافظة محايل عسير، تزدحم بالبضائع والمتسوقين من محافظات منطقة عسير والمناطق المجاورة، ولكنها الآن أصبحت أثرًا بعد عين، لا ترى في مدينة القحمة الميناء التجاري لمنطقة عسير إلا الأبواب الموصدة في واجهة هذه المحلات التجارية، نخرها الصدأ، لكنها لم تزل توحي بأن أمة تجارية اقتصادية عظيمة كانت هنا على ساحل البحر الأحمر. يقول عيسى إنه مارس مهنة الصيد قديمًا في قوارب خشبية وأشرعه، وأن البوابير (السفن) كانت تصل إلى ميناء القحمة محملة بالبضائع مثل: الملابس والتوابل والبهارات والبن والسكر والشاي والدقيق والأرز، ويقوم تجار عسير ورجال ألمع وغيرها من المناطق مثل الباحة والمخواة بتصدير القمح (الحنطة) والذرة والدخن والسمن والعسل. من جهته، قال محافظ محايل عسير مسفر بن حسن الحرملي إن أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد وجه بإعادة تأهيل هذا الميناء ضمن أولويات سموه، فهو يحرص على تطوير المنطقة وخاصة المحافظات التهامية ومراكزها التابعة للمنطقة، وأن وجود ميناء القحمة سوف يطور الساحل برمته، وسيستفيد منه أهالي وتجار المنطقة، إضافة إلى منطقتي نجرانوالباحة. وأكد الحرملي أن هذا الميناء تاريخي، وأنه صدر توجيه من الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه في عام 1351 بافتتاح العديد من الموانئ على البحر الأحمر، ومن ضمنها ميناء القحمة التابع لمحايل عسير، مشيراً إلى أن بعض السفن القديمة لا تزال موجودة في الميناء إلى الآن، وهذا دليل على أن الميناء كان مزدهرًا. وأكد أن أهمية إعادة هذا الميناء تكمن في خدمة امتداد ساحل عسير البحري الذي يبلغ طوله أكثر من 180 كيلو مترا على البحر، وأصبح ضرورة ملحة لتطوير هذا الساحل، وأيضًا فتح المزيد من فرص العمل لشباب المحافظات والمراكز في منطقة عسير، إضافة إلى خدمة التجارة والاقتصاد في ربوع عسير السروية والتهامية وكذلك لمنطقتي نجرانوالباحة وحتى محافظة وادي الدواسر، وسوف يكون هذا الميناء ميناء اقتصاديا قويا. وبين الحرملي أن اختيار موقع الميناء في مكان (الخسعة) بالقحمة، تمت دراسته والجدوى الاقتصادية منه، مشيراً إلى أن هناك متابعة مستمرة من أمير المنطقة لتطوير ساحل عسير اقتصاديًا وثقافيًا وسياحيًا وفي جميع المجالات، وكذلك مطالبة المواطنين بالإسراع في البدء في العمل في هذا الميناء لما له من مردود اقتصادي، لافتاً إلى أن هناك عدة لجان تكونت وأن هناك توجها في مجلس المنطقة برئاسة أمير المنطقة لإيجاد هذا الميناء، كما أن هناك حرصا من مؤسسة الموانئ لتنمية كل شبر بالمنطقة خاصة السواحل. وقال: نحن في محافظة محايل سنقوم بتنفيذ توجيه أمير المنطقة لإزالة أي عائق قد يعترض هذا المشروع الحيوي.