(( وظائف حكومية مهدرة !! )) يقال دائما : ( غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع ) و هو مثل واضح جداً ويدرك من خلال نصه دون تفسير يذكر , كما لا يستدعي الشرح الطويل , إذا أنه يوحي بأن الشيء موجود أياً كان وبوفرة وأعداد كبيرة حتى تضيق الأمكنة منه, وليس هناك شح واضح في العدد والكم , لكن التوزيع والأنصبة تدخل فيها الأهواء والمحسوبيات والرأي الأوحد , مما يجعل البعض يأخذ حاجته وما زاد عنها فيؤدي ذلك إلى التخمة التي قد تقتل أحياناً , في الوقت الذي تجد البعض الآخر لم يصله شيء إطلاقا ويتمنى رؤية هذا الخير دون الاستفادة منه , علماً بأنه حق من حقوقه لو تم تطبيق معايير العدالة التي عجزت السموات والأرض عن حملها كأمانه وحملها بني آدم لكنه مع حملها كان ظلوماً جهولا . إن مناسبة هذا الكلام هو ما يلحظه الجميع من وفرة للوظائف على اختلاف أنواعها وزاد ذلك توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدا لعزيز ( يحفظه الله ) بتوفير أكبر قدر منها كعادته , بل ومتابعة شغلها لتصل إلى مستحقيها , وهذه تحمد لملك الإنسانية ( حفظه الله ) لكن الأجهزة التنفيذية لا تلتزم بذلك , بل ويكون توزيعها غير عادل إطلاقا , مما يجعل بعض المواطنين يشغل أكثر من وظيفة في آن واحد وكأن ما في هذا البلد إلا هذا الولد , في الوقت الذي يحلم الآخر فيما يسد رمقه . ولقد كان من ضمن ردود الفعل على مقال سابق طرحته هنا حول ( الأموال الخيرية المهدرة ) , بل والتأكيد على ما قلت حول هدر الأموال الخيرية من خلال حقائق واضحة , أن توافرت لدي معلومات موثقة أيضا عن وظائف حكومية مهدرة , بل وأشد هدرا من تلك الأموال , فكان ذلك حري بي أن أعطي نفسي فرصة لبحث الموضوع ودراسته بهدوء حتى أتأكد من صحته , فجلست أكثر من شهرين للبحث فيه حتى توافرت حوله حقائق خطيرة وجديرة بالطرح . وكمثال على ذلك يحضرني فئتين من الوظائف , لا أعتقد أن العدالة أخذت مجراها في شغلها ، ويأتي على رأسها الموظف الذي يتقاعد بقوة النظام ،أي بعد بلوغه السن النظامية , بعد أن خدم سنوات تعادل ثلثي عمره عند التقاعد , فتجده بدلاً من أن يرتب لنفسه حياة جديدة بعد التقاعد ليستمتع بما تبقى من عمره كما نقرأ ونسمع عن الغربيين الذي يخططون لهذا اليوم قبل خمس سنوات على الأقل ، فإن الواحد منا يلهث خلف كل من له به صلة ممن يعنيهم الأمر لكي يتم التعاقد معه بعد التقاعد على نفس وظيفته وبمرتب آخر يعادل المربوط الأول من الوظيفة التي تقاعد عنها , فيتسلم راتبين في آن واحد , وكأنه عالم ذرة أو متخصص في أدق العلوم الهندسية النادرة , وهو لا يتجاوز عمله أحياناً الأعمال الكتابية أو التعليمية ، وهنا لا أعترض لكني مع من يستدعي الأمر بقاءه لما يملك من خبرة في تخصص نادر , إنما يعيش براتبين وهو لا يعدوا أن يكون ذو وظيفة عادية جداً يقوم بها غيره , في الوقت الذي يعاني الآخرون ممن امتلأت بهم البيوت ويحملون الشهادات في شتى التخصصات من تحقيق حلم الوظيفة وتكوين النفس والأسرة , فهذا غير مقبول إطلاقا . أما الفئة الثانية فهي توفر وظائف جيدة وذات مرتبات عالية جداً تحت مسميات عدة تأتي في مقدمتها وظيفة ( مراقب مساجد ) وهذه الوظيفة لا تحتاج مسابقات ولا تدخل في التعيين عليها وزارة الخدمة المدنية ، بل يتم الترشيح عليها من قبل فروع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بكل منطقة , مما يجعلها فرصة ليستأثر بها من يستطيع الوصول فيشغلها مع وظيفته التي تكون إما تعليمية أو صحية أو عسكرية أو حتى إدارية , وعملها لا يتجاوز المرور على عدة مساجد والصلاة فيها ومتابعة أداء الإمام والمؤذن والمستخدم ، بل توفرت لدي معلومات أن التوظيف عليها يعتمد كليا على المحسوبيات فقط دون الجدارة بل وأصبح يتم حجزها لفئات معينة حتى تأكدت من وجود ثلاثة أشقاء لا زالوا طلابا في الجامعة كلهم على وظائف مراقبي مساجد , وهذا ما يجعلني أتساءل وأقول : لماذا لا تكون من نصيب خريجي الجامعات أو حتى حملة الدراسات العليا ممن تمتلئ البيوت بهم بدلاً من أن تعطى من له مصدر رزق سواها أو مصادر رزق أخرى !! . أما الوظيفة الثانية فهي وظيفة ( الإمام الاحتياطي ) وليس الرسمي , وهذه أيضا يتم التعيين عليها أيضاً دون الحاجة إلى إشراف من وزارة الخدمة المدنية , وفي الغالب من يشغلها يكون من خريجي الكليات الشرعية ليقوم بخطب الجمعة والصلاة عند غياب أي إمام جمعه ، وهي متوفرة بكثرة ويشغلها حسب علمي المؤكد عدد من القضاة أو أساتذة الجامعات أو المعلمين ممن يحملون تأهيلاً شرعياً مع وظائفهم الأصلية , وهؤلاء نجلهم ونحترم علمهم إذ هم من صفوة المجتمع , لكن عليهم أن يعطوا الفرصة لغيرهم , لأن هذه الوظيفة ليست ضمانا اجتماعيا , بل هي مسؤولية عظيمة , أكد عليها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حينما قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به )) , خصوصا وأن الواحد منهم أصبح يحتل وظيفتين أو ثلاثا , والأدهى من ذلك أنه توفر لدي أسم إمام احتياطي يعمل منذ سنوات في منطقة ووظيفة الإمام الاحتياطي التي يشغلها في منطقة أخرى , وكأنه لا يوجد غيره , في الوقت الذي يعاني عدد من خريجي الكليات الشرعية ( وهم الأحق بها ) من عدم وجود فرص , بل إن بعضهم حسب ما وردني له أكثر من خمس سنوات وهو حبيس منزله أو يتسول عملاً في القطاع الخاص وقد حدثني من أثق به فقال إن الأئمة الاحتياطيين تبدأ مكافأتهم من ألفي ريال إلى أربعة آلاف ريال حسب فئة المسجد , وكان قد صدر قرار قبل سنوات بأن تكون الخطبة بمبلغ معين , فمن أدى الصلاة والخطبة طوال الشهر استلم المكافأة كاملة , وتنقص المكافأة بنقص عدد الخطب , فكان بعض الأئمة الاحتياطيين وليس الكل يتسابقون على الخطب حتى لو كانت في هجر أو قرى ، ولما الغي هذا النظام وصار يتسلم المكافأة كاملة حتى ولم لم يكلف بعمل توقف هذا السباق والركض , وأصبح بعضهم لا يرد على الاتصالات !! الوظيفة الثالثة هي وظيفة ( الفراش ) في المسجد وهذه غالبا تكون في أسرة الإمام أو المؤذن الذي ربما استقدم عاملا من إحدى الدول الإسلامية بمائتي ريال , ويقوم بكامل العمل , ويأخذ هو بقية الراتب , والدليل على ذلك من منكم رأى مواطنا ينظف المسجد ؟؟ , بل أصبحت بعض الوظائف لا حقيقة لها على الواقع أنما على الورق الا ما ندر , والمحسوبية تدخلت حتى في اعتماد المساجد , ولقد وقفت بنفسي على مسجد هو عبارة عن ملحق في فيلا سكنية لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار في ثمانية أمتار , له إمام ومؤذن على وظيفتين رسميتين , في الوقت الذي بلغني أسماء لعشرات المساجد تم إكمالها وعلى أحدث طراز , و يتوفر في بعضها بيت للإمام والمؤذن ولم يعتمد لها إمام ولا مؤذن, وقد يؤم الناس وقت الصلاة فاعل خير. وفي الختام ومن باب الشفافية التي عودت نفسي عليها فقد يردّ علي أحد المتعجلين ممن يعتقد أنه فاجأني ويقول : لماذا لا تلقي اللوم على نفسك لا سيما أنك تتربع على وظيفتين هما وظيفتك الحكومية وعضوية المجلس البلدي , فأقول له : على رسلك فعضوية المجلس البلدي لم تمنح بالواسطة أو لمحسوبية بل منحت لنصف المجلس من المواطنين بعد نيل ثقتهم بالانتخاب والنصف الآخر منحت لهم بعد نيل ثقة ولي الأمر بالتعيين , وبالرغم من ذلك فأنا غير راض عن الجمع بين عمل حكومي وعضوية المجلس لأن ذلك يضعف من أداء عضو المجلس ويؤثر على عمله والسبب ضعف الصلاحيات وعدم التفرغ لعمله , مما يتطلب ضرورة تفريغه لعضوية المجلس البلدي لكي يتحمل المسؤولية كاملة أو يعتذر , ومثل ذلك ضرورة تفريغ الإمام والمؤذن ومراقب المساجد لكي يتفرغون لعملهم , ويتيحون الفرصة لغيرهم , خصوصا وأن التجربة قد نجحت مع عمدا لأحياء ومساعديهم وكذا عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , و حتما سوف تنجح مع هؤلاء أسعد الله أوقاتكم. عبد الرحمن بن محمد الفرّاج [email protected]