نثر أكثر من مئة متقاعد ومتقاعدة، همومهم وطموحاتهم على طاولة فرع «الجمعية الوطنية للمتقاعدين» في الدمام، أمس. وتنوعت الهموم التي طالب المتقاعدون ب «النظر فيها»، وأبرزها «غياب التأمين الطبي» الذي يرعى أسرهم بعد تقاعدهم، وبخاصة من كانوا يعملون في القطاع الخاص الذي أوقف التأمين بعد انتهاء فترة العمل. ولم يخف أحد المتقاعدين، المشكلات الأسرية التي يتعرض لها من زوجته، وزيادة طلباتها المالية، ومطالبتها له بأن يساهم في تزويج أبنائه، ويصرف على بناته بسخاء، ويحضر عاملة منزلية وسائقاً، خشية من أن يُدرج الزوجة الثانية ضمن أهدافه التقاعدية. وأضاف أن «الزوجات لا يخفين تذمرهن من بقاء المتقاعد في المنزل، وحرمانها من استقبال صديقاتها، أو زيارة قريباتها، ما يترك أثراً نفسياً سلبياً عليهن». ومن القاعة النسائية، في «غرفة الشرقية»، التي استضافت أمس، ندوة نظمها فرع الجمعية، بعنوان «التقاعد عطاء مستمر»، طالبت المتقاعدة زهرة النابلسي، بأن «تنفذ عدداً من البرامج الترفيهية للمتقاعدين». وأشارت إلى أن أغلب المتقاعدين «يعانون من الفراغ، وعدم القدرة على الترفيه». وأيدها أحد المتقاعدين من شركة «سابك»، الذي أشار إلى أنه في فترة عمله «لم يكن للترفيه نصيب من حياتي. وحينما حصلت على الوقت الكافي، لم أعرف كيف أمارس الترفيه والمرح». بدوره، أقر المستشار الإداري الدكتور مشرف الشريف، بجملة من «الصعوبات» التي تواجه المتقاعد، أبرزها «صعوبة تكيفه مع وضعه الجديد، وتغير نمط حياته، وعدم قدرته على الوفاء بمتطلبات الحياة الجديدة، وارتفاع نسبة الخلافات الأسرية، لكثرة جلوس المتقاعد، أو المتقاعدة، في المنزل. كما أن المتقاعدين يعانون من الفراغ. بعد أن كان لا يوجد لديهم فرصة للحصول على وقت. وقد ينتج عن التقاعد مشكلات صحية، نتيجة إهمال الذات، أو مشكلات نفسية، نتيجة عدم تقدير المجتمع له». وحذر الشريف، المتقاعدين من «الاستسلام للضغوط التي قد تواجههم». ولخص مسبباتها في «المال والعمل والصحة والمجتمع والفراغ»، مؤكداً أن الاستسلام لها «يؤدي إلى العجز، أو الإحباط، أو ربما أذى الفرد نفسه، بدنياً ونفسياً». ونصحهم ب «التخطيط لمرحلة التقاعد خلال سنوات العمل. إما بالانضمام إلى جهة عمل رسمي، أو تطوعي، أو استشاري، أو خاص». وفي المال نصحهم ب «تحديد الإيرادات والمصروفات، وكمية المال المدخر والمال المزمع استثماره». وحثهم على «تكوين علاقات جديدة بعد التقاعد، أو ترميم علاقات سابقة وإعادتها، أو تنفيذ نشاطات مجتمعية». وأشار إلى أن أكثر المتغيرات شيوعاً بين المتقاعدين هي «التقرب إلى الله، والجلوس مع الأسرة، وتطبيق أنظمة غذائية، أو البحث عن وظيفة جديدة، وتحقيق انجازات أفضل، وإنفاق المال في سبيل الخير، أو المساهمة في العمل التطوعي، أو تنمية الذات، أو الاعتناء في المظهر». ودعا المتقاعدين إلى «اتخاذ أفضل السبل لتحقيق مبدأ السعادة بعد التقاعد، من خلال التقرب إلى الله، وتدوين قائمة أهداف يمكن تحقيقها، والعناية في الجسم والمظهر والصحة، وممارسة الرياضة، واستثمار وتنمية الطاقات التي لم تستغل في الفترة السابقة، والتفكير الإيجابي الذي يقود إلى التفاؤل، ما ينقل صورة إيجابية عن المتقاعد إلى أذهان الآخرين». ولفت إلى أن المتقاعد يجب أن «يمتلك شخصية ايجابية بناءة في مجتمعه، من خلال ثقته في نفسه، وكسب الآخرين، وتنمية المهارات، ومسايرة المتقاعدين والاطلاع على برامجهم اليومية، للاستفادة منها. وأن يوطن ذاته على السعادة، وأن يفكر كثيراً قبل إجراء أي عمل، لأنه يملك الوقت الكافي لاتخاذ القرار، بخلاف المرحلة السابقة».، كما حثهم على «تقدير أهمية الوقت، وعدم التساهل في هدره، بحجة توفره، وأن يحرص على أن يكون عمله متميزاً، وذا جودة». وحذر الحضور من «عدم تهيئة الذات لمرحلة المتقاعد». وذكر أن المتقاعد «يمر في مراحل نفسية عدة، قبل الوصول إلى حالة من الاستقرار، تبدأ في الصدمة والذهول والاندهاش، وعدم الرضا من إحالته إلى التقاعد. ويبدأ معها محاولاته الجادة لتمديد خدمته. ويصاب بعدها بالغضب والإحباط والانهزامية، ثم فقدان الثقة، لينتقل لاحقاً إلى مرحلة التكيّف، ويندمج معها في واقعه. ويبدأ في التكيف والتخطيط لما هو عليه الآن، حتى يصل إلى مرحة القبول والرضا، وتنفيذ ما يعتزم به»، داعياً الحضور من غير المتقاعدين، إلى «رسم صورة مبدئية لتقاعدهم، حتى لا يتعرضوا إلى أزمات قد تكون عائقاً أمامهم، وتؤثر في أسرهم بعد التقاعد». وأبان أن الموظفين أثناء العمل «تتباين آراؤهم تجاه مرحلة التقاعد، فمنهم من يرى أنها مرحلة يشعر فيها الفرد بالراحة والاطمئنان، فيما يرى آخرون أنها حياة جدية مليئة بالنشاط واستثمار القدرات والطاقات. ويحرص عدد منهم على زيادة الاهتمام في الأسرة، وتعويض ما فاتهم خلال فترة عمله. ويحرص آخرون على التعبد لله، أو قد يستغل المتقاعدون المرحلة المقبلة في السياحة والسفر، وإعادة اكتشاف الذات، والتخطيط للمستقبل». وأشار إلى أن التقاعد «ليس نهاية الإنسان من الحياة، بل هي مرحلة يجب عليها فيه أن يساهم في إثراء مجتمعه بالخبرات المتعددة التي حصل عليها»، لافتاً إلى أن التقاعد «يساهم في تقدير مجهودات الفرد، ويحفظ له كرامته وإنسانيته، ويؤمن له حياة كريمة وعيش آمن واطمئنان».