يسقط الشاعر البحريني قاسم حداد همزة "ابن" من عنوان ديوانه "طرفة بن الوردة"، متمرداً على قاعدة ثانيهما أب للأول، ومنتصراً لأم الشاعر وردة التي ربته كأب وأم معاً، بعد أن فقد طرفة أباه قبل ولادته. استغرق إنجاز هذا الديوان الكبير أربع سنوات من العمل، على ما يذكر حداد، بعد أن بقي الشغل الشاغل للشاعر لأكثر من ثلاثين عاماً، حتى إن الاسم "طرفة بن الوردة" ظل يتردد في مجموعات شعرية للشاعر منذ بدايات ثمانينات القرن الماضي. وقد صدرت من الديوان نسختان، الأولى طبعة عادية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والثانية على شكل مخطوطة بريشة الشاعر نفسه، مقسمة إلى 12 كتيباً حملت عناوين عدة، منها "كتاب البحر"، و"كتاب الفصول"، و"كتاب السيرة"، و"كتاب الشعراء". غاية الفكرة في الديوان تقديم سيرة أخرى للشاعر طرفة بن العبد تفك طلاسم ظروف مقتله التي رواها الرواة على نسخ بلغت تسعاً، دون أن تشبه الواحدة الأخرى، من خلال النقل والتحريف، وإيراد تفاصيل عن علاقة الشاعر مع خاله المتلمس، ومع حاكم الحيرة عمرو بن هند. وقد تحدث قاسم حداد عن ذلك في حفل جرى في العاصمة البحرينية المنامة في شهر أكتوبر الماضي للإعلان عن إنجاز المشروع، فقال "لم تقنعني القصة التي تدور بين الشاعر طرفة والحاكم عمرو بن هند"، ووصفها ب"أساطير الأولين"، مضيفاً أنه لذلك اخترع سيرة أخرى للشاعر في هذه التجربة، لتسرد القصة من وجهة نظر الشاعر، لا من وجهة نظر الأسطورة. فالكتاب الديوان، إذاً، هو وجهة نظر نقدية، من خلال الشعر، والنثر على هوامش الكتاب، وبالاستناد إلى شعر الشاعر نفسه، وقد تكون هذه الرواية الجديدة، العاشرة، هي الأخرى غير دقيقة، لكنها "اختراع" شاعر سيتلمس القارئ بين سطورها مواطن الإبداع والمثاقفة والتناص، كما قد يبحث عن وجهة نظر سياسية، فالمشترك بين الروايات القديمة ورواية حداد هو جرأة طرفة على عمرو بن هند، وطموحه الذي جعل المنافسين يكيدون له، حتى مات في ريعان شبابه ولم يكد يكمل عامه الثامن والعشرين حين قُتل. والمشهور عن طرفة أنه قتل وهو في طريقه إلى البحرين، لكن أي بحرين؟ يقول ابن خرداذبة في وصفه البحرين: هو اسم جامع لبلاد كبيرة مفتوحة الأرجاء تمتد على بحر الهند بين بصرة وعُمان. قيل إنه قصبة هجر، وقيل هجر قصبة البحرين. وقد مدها بعضهم من اليمن، وجعلها بعضهم قصبة وحدها. وفيها عيون ماء عذبة. كما ذكرت كتب تاريخ عديدة أن البحرين التاريخية تشمل، إلى مملكة "دلمون" القديمة (مملكة البحرين)، الأحساء في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، ويقال إن قنوات الري والتصريف الزراعي التي أنشأها القرامطة لا تزال موجودة إلى يومنا هذا في الأحساء. من هذه الروايات يتضح تخبط الروايات في الجغرافيا نفسها، فكيف بالتاريخ الذي لا يصح دون جغرافيا ملموسة، وهذا إضافة إلى عذوبة شعر طرفة ما جعل قاسم حداد يبحث بطريقته عن رواية تؤكد وجود صاحب "ولست بحلال التلاع مخافة". أما عن المعرض المومأ إليه، ويمكن للقارئ إيجاد محتوياته على موقع خاص بالكتاب بالاسم نفسه الذي حمله الديوان، أولها نص قاسم حداد، وثانيها التشكيل البصري بخط وتشكيل حداد نفسه، وثالثها الصور الفوتوجرافية التي التقطتها ابنة الشاعر، طفول حداد، أثناء إنجاز قاسم حداد لأجزاء من عمله؛ وآخرها الموسيقى التي وضعها محمد حداد، نجل الشاعر. ليتبدى أن المشروع عائلي في جانب هامشي منه، لكنه جسد رؤية بصرية وموسيقية تضاف إلى جامع الموسيقى والتشكيل، وهو الشعر. ويقول حداد عن مشروعه عن طرفة "كلما تقدم بي العمر والشعر والتجربة، أصبح هذا الكائن الغامض البعيد أقرب إلي من حبل الوريد، لا أتنازل عنه، لا أنكره، وليس لي سلطة عليه، فيما سطوته الغريبة عميقة ودالة في حبري وروحي". ومن بين قصائد الديوان المؤلف من أكثر من 530 صفحة، نقتطع بعض كلمات حداد بعنوان "وشم "خولة": إبرٌ ناعمة/إبرٌ نائمة/ إبرٌ حالمة/ تقرأ في الجرحِ ما يستعيدُ الحروفَ الصغيرةَ في الكتب الغائمة/ هكذا تبدأ الذكريات/ كأن الحياة طريقٌ إلى القتل أولُ أحلامه خاتمة/ إبرٌ سوف تغزل أخبارنا بالحميم من الدم/ بالسرِّ في العين/ بالمنتهى وهو يبدأ/ بالمستثار من الخضرة العارمة.