بألوان صاخبة وصريحة وخطوط واضحة وجريئة، قدم الفنان السوداني مسلمي الشيخ أحمد أعماله في مركز سيزان للفنون الجميلة في معرضه الشخصي الأول بعنوان " حرف ولون" وافتتحه رئيس بيت التشكيليين الأسبق صالح بوقري مساء الأربعاء الماضي . شهد المعرض حضورٌُ لافت من الجالية السودانية، وعددٌ غير قليل من الفنانين السعوديين والعرب، وكانت الأعمال المعروضة موضع نقاش بين الفنانين لما تميزت به من جرأة في التلوين وسماتها الأفريقية الواضحة ، حيث وصفها رئيس بيت التشكيليين الفنان سامي الدوسري بأنها مثيرة بصرياً، وتعكس تمسك الفنان بهويته الإفريقية وانشغاله بالتراث الأفريقي بسماته الإنسانية واللونية، ونحن قد لا نجد من بين أعماله المعروضة أي عمل يخلو من الحضور الإنساني. ووصف مدير مركز سيزان الفنان مشعل العمري مسلمي بأنه فنان فطري يعتمد على البساطة والعفوية بعرضه لأعمال تحمل موروثاً يتعايش بمخيلته وحنينه ويبثه لتقاسمه مع الآخرين؛ بما يحمل من قيم متبادلة في حياة الشعوب، محاكياً وقائعه بتلك اللونية الحميمة والصريحة، ضمن تأكيدات شكلية وتكوينية مباشرة، فتنوعت معطياته لحالات إنسانية متفاوتة لتجتمع بوفائه وارتباطه بأرضه وموروثها. وقال الفنان مسلمي ل" الوطن" : لم أتصنع أن تكون موضوعات أعمالي أفريقية محضة، ولا فكرت بالألوان الحارة والصريحة متعمداً، لكن هذه الموضوعات والألوان والخطوط هي جزء من تكويني الثقافي، فهي حاضرة في داخلي ، وحين أرسم فإن الأفكار والخطوط تتدفق من دون قيود عليها، صحيح إنني أقوم فيما بعد بالإضافة والحذف، لكن الأشياء الأساسية في اللوحة تبقى كما هي، وهذا ما يعطي العمل تلقائيته. عن البهجة واحدة من المفردات الأساسية في أعمال المسلمي، ولا تحضر هذه المفردة في أعماله من خلال الموضوعات فقط، بل لعل حضورها في اللون هو الأكثر وضوحاً والأكثر فاعلية، فهو يمتلك القدرة على فرش اللوحة بما يبدو للناظر بأنه صخب لوني شديد السطوع، وكثافة متعمدة ومدروسة، وإلى جانب الثراء اللوني الشديد الوضوح، يحل الفنان مشكلة التوازن التي لابد أنها واجهته في معظم أعماله بخلق إيقاعات ثقيلة متماسكة ونغمات لونية رقيقة متسللة لتربط بين كلية العمل وإيقاعاته المتعددة. ولعل كلمة بهجة، هي ما يقود كل مكونات اللوحة ويجمع شتاتها اللوني فيما يشبه روحاً مصممة على الفرح ، على الرغم من الإيحاءات النفسية لشخصيات لوحاته التي تبدو صامتة وحالمة، وأحياناً متوجعة. مع ذلك يبدو الفرح جزءاً من طبيعة هذه الشخصية، خاصة وهو يستعير اللوحات الشعبية الراقصة في حالات الحرب والمناسبات الاحتفالية الشعبية، مقدماً نماذج للشخصية الأفريقية التي تعشق الإيقاع، وتتماهى معه، بوصفه أساً من أسس الوجود ، حتى ليبدو أن ألوان الفنان مسلمي ترقص بصخب على نغمات أفريقية ساحرة، وهذا يعيدنا إلى فكرة الأصالة التي يحاول الكثيرون التهرب منها تحت ذريعة العولمة والكونية، لكن الإجابة تبقى هنا في أعمال مسلمي التي تطرح القضية من أوسع أبوابها، فهو يمتلك خصوصية ، وينحاز بشدة لتراثه ، مما يضفي على أعماله شيئاً من الأصالة التي نفتقدها في الكثير من تجارب الفنانين المعاصرين، فهل يمكن للفنان العربي أن يكون أصيلاً وعالمياً في آن واحد.