كنت قد ألقيت محاضرة في الجامعة الإسلامية بعنوان «وادي العقيق بين التاريخ والأدب»، وحيث وردت في جريدة المدينةالمنورة في عددها الصادر برقم 17901 يوم الأربعاء 4/6/1433ه معارضة للأستاذ عبدالله الشنقيطي حول وادي العقيق ووفاة صخر، ولأن معارضته تلغي بعض الحقائق للدرجة التي تصل إلى «تمزيق تاريخ المدينة»؛ لذا وجب نشر هذا الرد الموثق بالمصادر والمراجع العلمية.. والرد يشمل: 1- هذا عقيق المدينة 2- وادي النقيع وتاريخه 3- صخر وموقع وفاته * وادي النقيع وتاريخه: وادي النقيع من الأودية الشهيرة بالمدينةالمنورة ولا يخلو أي تاريخ من هذا الوادي، بل تتعدد الجوانب التي يذكرها المؤرخون من هذا الوادي ومن أضاف إليه ما لم يكن منه أو حذفه أو أحدث خللًا فيه كما رواه المؤرخون فقد عمل على (خلخلة تاريخ المدينة) وبالتالي يدخل ذلك الخطأ في سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وما أكثر ما ذكر وادي النقيع الذي يصل طوله حتى يصل إلى وادي العقيق بالمدينة ما يقارب (100) كيلًا كما وصف ذلك المؤرخون بالفراسخ والأميال.. ونظرًا لما ورد ردًا على المحاضرة بالجامعة الإسلامية نذكر بعض بالأدلة على وادي الحمى (وادي النقيع) لبرهان أهمية هذا الجزء الهام من تاريخ المدينة المرتبط بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث دخل النقيع في التاريخ منذ أن أحماه النبي صلّى الله عليه وسلّم لخيل المسلمين، فروى البخاري أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم حمى «النقيع» وروى ابن شبة في تاريخ المدينة: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حمى النقيع للخيل، وحمى الربذة للصدقة. وفي رواية أخرى: «حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه». وفي رواية: حمى النقيع لخيله. (تاريخ المدينة 1/156). ونقل الهجري أن أول الأحماء وأفضلها وأشرفها ما أحمى النبي من «النقيع» حماه لخيل المسلمين وركابهم. وروى الزبير من بكار عن مراوح المزني، قال: نزل النبي بالنقيع على «مُقَمِّل» - جبل هناك فصلى، وصليتُ معه - وقال في حمى النقيع: «نعم مرتع الأفراس يُحمى لهنَّ، ويُجاهد بهنَّ في سبيل الله». (الأحكام السلطانية باب 16 ص 185). ونقل ابن حجر في الإصابة في ترجمة عبيد بن مراوح المزني عن أبيه قال: «نزل رسول الله «النقيع» والناس يخافون الغارة بعضهم على بعض، فنادى مناديه: الله أكبر، فقال: لقد كبرت كبيرًا، فقال أشهد أن لاإله إلا الله، فارتعدتُ وقلتُ: لهؤلاء نبأ، فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقلتُ: بُعث نبيّ، فقال: حيّ على الصلاة، فقلت: نزلت فريضة واعتمدت رسول الله فسألته عن الإسلام، فأسلمتُ، وعلمني الوضوء والصلاة، وصلّى، فصليت معه، وحمى النقيع واستعملني عليه». ( الإصابة / 5359). وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى الصبح في المسجد، بأعلى عسيب وهو جبل بأعلى قاع النقيع. ثم أمر رجلًا صيتًا، فصاح بأعلى صوته فكان مدى صوته بريدًا، هو أربعة فراسخ، فجعل ذلك حمى طوله بريد، وعرضه الميل، وفي بعضه أقل. (أبو علي الهجري لحمد الجاسر ص 285). وحمى النقيع الذي حماه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثم عمر بن الخطاب، هو الذي يضاف إليه في الحديث «غَرَز» فيقال: غَرَزُ النقيع، وهو يختلف عن «نقيع الخضمات» الذي حماه عمر بن الخطاب، وهو من أودية الحجاز أيضًا. وروى البخاري في الصحيح أن عمر رضي الله عنه حمى غرز النقيع ونقيع الخضِمات. ووردت بعض الروايات أن خيل دولة الخلافة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغت (40) ألف رأس، وتعتبر قوة للمسلمين. ورُوي أن عمر بن الخطاب رأى رجلًا يعلف بعيرًا، فقال له: أما كان في النقيع ما يكفيك؟ ورُوي أن عمر بن الخطاب رأى في روث فرس شعيرًا في عام الرمادة، فقال: «لأجعلنّ له من غرز النقيع ما يكفيه، ويغنيه عن طعام المسلمين». (معالم طابة ص 417). وقد عاب الناس على عثمان أنه «حمى الحمى» وهو إنما زاد فيه، كما زاد عمر بن الخطاب على ما حماه رسول الله، وعلى الشروط نفسها التي وضعها رسول الله، وسار عليها عمر بن الخطاب وهو أنه «لا حِمى إلا لله ولرسوله». وقد اضطر عثمان لزيادة الحمى لكثرة الحاجة إلى الإبل والخيل التي تُستعمل في سبيل الله، وقد قال عثمان معتذرًا: «إن عمر حمى الحمى وإن الصدقة زادت فزدتُ في الحِمى، فمن شاء أن يرعى فليرع». (تاريخ المدينة لابن شبة 3/1129). يرسخ هذا الكم من الأدلة الموثقة هذا الوادي (وادي النقيع) أو (وادي الحمى) مهما اعتدي عليه بكلام يُنشر في الإعلام بغير دليل، حمى الله تاريخ وادي النقيع وتاريخ وادي العقيق وتاريخ المدينةالمنورة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العابثين قصدًا أو جهلًا. صخر.. موقع وفاته: بالنسبة لموقع مقتل صخر وما أورده الشنقيطي ردًا على المحاضرة بالجامعة الإسلامية من معلومات موجودة سابقًا في بعض المراجع ولكنه ناقل فقط وكما أضاف إلى ما نقل أخطاء أخرى كعادته وقفت عليه أو قال لي أحدهم أو وجدت علامة له ودائمًا يذكر المعلومة ويحاول ربطها بنفسه وقد أخطأ في تحديد موقع مقتل صخر، وما أكثر خطأ الشنقيطي، ولا سيما أنه لا يعلم كما يظهر من رده مواقع قبائل العرب، كما أخطأ بعض من طبّق عليه دراسات علمية وهذا أخطر، ذلك لأنهم لا يعلمون مواقع بعض القبائل العربية ولا أين تسكن بنو سليم ولا يعلمون حتى ربما أسماء القبائل المحيطة بها ولا اسم من طعن صخرًا لذلك يمنحون رسائل علمية ولا أعتقد أنها مكتملة الشروط وللتاريخ نذكر اعتمادًا على الله ثم اعتمادًا على أصحاب من يصف المواقع مثل ياقوت الحموي أو البكري أو من طبق مواقعها حديثًا كعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر (يرحمه الله) والمؤرخ الميداني الشيخ عاتق بن غيث البلادي (يرحمه الله) ما يلي: (1) لا علاقة لوادي العقيق بالمدينةالمنورة الذي طعن به (صخر) نهائيًا، حيث إن بني سليم تسكن في الجزء الشمالي بوادي عقيق عشيرة الذي يأتي من الجنوب (من جهة الطائف) إلى الشمال وتصدّه حرة (أرن) في قاعٍ واسعٍ جدًا (الصحراء) ويطلق عليه أحيانًا قاع (حاذة) يبلغ عرضه (40) كيلًا وقد يمتد إلى (60) كيلًا والقبائل التي تحيط ببني سليم هي قبائل هوازن جنوب قبائل بني سليم وتشاركهم وادي عقيق عشيرة وتصل إلى الطائف ومنهم دريد بن الصمة شاعرٌ وقد خطب الخنساء ولكنها تمنّعت عليه شهد الإسلام ولم يسلم وهو القائل: أَمَرْتُهُمْ أمرِي بمنعرجِ اللِّوى فلم يستبينوا النُصْحَ إلا ضُحى الغدِ فلما عصَوني كنتُ منهمْ وقد أرى غِوَايتَهم وأنني غيرُ مهتدي وهل أنا إلا من عريَّة إنْ غوتْ غوَيتُ وإن ترشَدْ غزيةُ أرشُد (2) معلوم أن مقر بني سليم (صفينة) ومعدن بني سليم (المهد) وغيرها من القرى التاريخية ويجاور بني سليم شمالًا قبيلة غطفان التي تصل إلى ذات نخل (الحناكية) حاليًا. أما قبيلة بني أسد فتجاور بني سليم شرقًا من جبل قطن وتمتد إلى الجنوب بمسافات واسعة. (3) دخل صخرٌ أراضي بني أسد - وهي قبيلة تسكن جزءًا كبيرًا من أرض نجد حول جبل قطن وتمتد جنوبه حتى شرق وادي عقيق عشيرة أي شرق منازل بني سليم- (كما قلت سابقًا) واكتسح صخر إبلهم فخرج رجالٌ من بني أسد ليلحقوا به فطعن ربيعة بن ثور الأسدي صخرًا طعنة في جنبه مرض منها حولًا حتى ملّه أهله، وكان الناس من قومه يعودونه، فإذا سألوا امرأته سلمى (سُليمَى) عنه قالت: لا هو حيٌّ فيُرجى ولا ميت فيُنعَى وكان صخر يسمع كلامها، فشق عليه ذلك، وكانوا إذا سألوا أمه: كيف صخرٌ اليوم، قالت: أصبح صالحًا بنعمة الله، ويقال: إنه عزم على قتل امرأته فطلب منها أن تناوله السيف فناولته إياه فلم يُطِق حمله فقال: أرى أُمَّ صخرٍ لا تَمَلُّ عيادتي وملَّتْ سُلَيْمَى مضجعي ومكاني فأيُّ امرئٍ ساوى بأُمٍّ حليلةٍ فلا عاشَ إلا في شقًا وهوانِ والمؤكد أن صخرًا لم يقتل رأسًا وإنما جُرِح واستمرّ عامًا كاملًا ثم مات من إثر هذا الجرح، ودُفن إما في صفينة حيث أتى نعي وفاته فقد أشارت الخنساء إلى ذلك. طَرَقَ النعيُّ على صُفينةَ غدْوَةً ونَعى المعمَّمَ من بني عمرو حامي الحقيقة والمجيرَ إذا ما خيفَ حدُّ نوائبِ الدهر أو في بعض القرى البعيدة شرقًا (قرية تَمْرَة) بالقرب من وادي الدواسر، كما قال بذلك المؤرخ الميداني الشيخ عاتق بن غيث البلادي (رحمه الله). والمؤكد أنه لم يمت بعقيق المدينة، ولم تمرّضه زوجته (سلمى) عاما كاملًا في هذا الوادي نهائيًا. هذه حقيقة صخر، أما (من يهرف ما لا يعرف) فلا عبرة لقوله وبالنسبة لعقيق عشيرة له ارتباط بالمحرم ولا سيما محرم أهل العراق قال الإمام الشافعي رحمه الله: «لو أهلّوا من العقيق كان أحب إلي - أي قبل ذات عرق - كما أن عقيق عشيرة يذكر كثيرًا في الشعر، (4) أن من نقل أو قال بموت صخر في عقيق المدينة وما أكثرهم فقد رسّخ الخطأ ولا أستطيع أن أقول أنه أجرم في حق التاريخ مهما كان الناقل ولكنه نقول لمن انتقل منهم لرحمة الله: ( اللهم ارحمهم واغفر لهم خطأهم) ولمن بقي منهم نقول لهم: «اتق الله ولا تنشر الجهل وأعط القلم احترامه وقيمته». (6) لا يهمّ الكاتب صخرًا ولكن يهمه تعديل المعلومات ولأن صخرًا هو أخ للخنساء من أبيها والخنساء لقبٌ غلب على الشاعرة (تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد من بني سليم)، ويرجح أنها ولدت سنة 575م في أواخر العصر الجاهلي، وأدركت الإسلام وأسلمت، ولها أربعة أولاد استشهدوا جميعًا في القادسية سنة (14ه) وكانت وفاتها في عام 24 للهجرة وعاشت هي في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لم يكن لصخر أي تاريخ لو لم تذكره الخنساء. طول العقيق (85كم) بينما لا يتجاوز طوله (12كم) وإذا أضفنا إليه عقيق الحسا ربما يصل إلى (20كم) كأقصى طولٍ له وهذه المراجع بأكملها حددت طول العقيق بمواصفات وكذلك طول وادي النقيع بمواصفات أيضًا وهذه المعلومات مهداة لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله - وهو على علم بها لأنه المحب الأول للمدينة المنورة. بداية وادي العقيق كما وصفته المراجع قديمًا وحديثًا: حيث يبدأ ما بين جبل عير الحد الجنوبي للمدينة المنورة وبين حمراء الأسد، سواء أطلق على التربة الحمراء الموجودة حول الجبل أو على الجبل ذاته: 1- المدينة بين الماضي والحاضر، إبراهيم بن علي العياشي 2- آثار المدينةالمنورة، عبدالقدوس الأنصاري 3- أخبار الوادي المبارك (العقيق) محمد محمد شراب 4- المغانم المطابة في معالم طابة، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي تحقيق: حمد الجاسر ينقسم عقيق المدينة إلى أربعة أقسام: 1- عقيق الحسا أو عقيق قبيلة مزينة أقطعه النبي صلّى الله عليه وسلّم لبلال بن الحارث المزني رضي الله عنه يمتد حتى قبل آبار الماشي بقليل (حصير) ويطلق عليه العقيق الأكبر. 2- عقيق الوادي المبارك: وهو الذي ببطن ذي الحليفة. (مسجد الميقات). 3- العقيق الكبير: فيه بئر عروة وهو في عمومه واقع بين الحرة والجماوات.