بعدما أُعلن أن "بن علي هرب" و"القذافي شرد" و"مبارك حبس" أحس مواطنو 3 دول عربية بطعم آخر للعيد لم يحسوه منذ عقود طويلة، لخصتها تغريدة مناف زارع على تويتر ب "عيد عزيز يا تونس.. عيد خالد يا مصر.. عيد جليل يا ليبيا..". وفي الجهة الأخرى لم يزل مواطنو اليمن وسورية يرددون "عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد"، فالمشاهد الصادمة التي تعرض في القنوات الفضائية عن سورية أذهبت الفرحة من نفوس كثير من المشاهدين خلال العيد، فإعلان رؤية العيد لم يثن النظام الحاكم في سورية عن تنفيذ المجازر البشرية تجاه العزل المسالمين، لا سيما الأطفال والنساء والكهول. يمكن القول إن العيد حمل دلالات مهمة على الصعيد العربي فرئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل يمهل القذافي وقواته الموالية في سرت والبلدان الأخرى حتى غد السبت للاستسلام، وإلا فالعمل العسكري سيكون هو الرد. عيد قبل الحسم فوض الرئيس علي عبدالله صالح في أول أيام العيد إلى قيادة حزبه الحاكم في صنعاء (المؤتمر الشعبي العام) التفاوض مع المعارضة من أجل تنفيذ المبادرة الخليجية، فناقوس خطر الحرب الأهلية يدق أبواب اليمن السعيد، وهو ما يفسره ظهور اللواء علي محسن الأحمر "الموالي لشباب التغيير في اليمن" في كلمة خاصة بالعيد بدعوته الرئيس صالح إلى ضرورة التنحي وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق والتشظي. وأشار المحلل السياسي اليمني من الدوحة نجيب اليافعي في حديثه إلى "الوطن" إلى أن الحسم العسكري سيكون هو "المفصل الأخير بين القوات الموالية للرئيس صالح (معسكرات الحرس الجمهوري)، والقوات الموالية لشباب الثورة اليمنية، مع ضرورة الإشارة إلى أن ميزان التفوق العسكري يقع لصالح الرئيس صالح. إلا أن دراسة حديثة أصدرها مركز الجزيرة للدراسات في 22 أغسطس الماضي حذرت من أن الخيار العسكري سواء كان بشكل جزئي أو شامل يحمل مخاطر للطرفين، ومن المستبعد أن يكون مدخلا لتسوية الوضع المتأزم والمسدود في اليمن، لصعوبة أن ينجح أي من الطرفين في إحراز نصر عسكري حاسم على الآخر بأسلوب الحروب الجزئية، أما الدخول في مواجهة عسكرية شاملة فيعد بمثابة هرولة سريعة نحو الفوضى والانهيار. ونصحت الدراسة شباب الثورة اليمنية بضرورة توحيد نفسها، ووضع كل ثقلها خلف خيار الثورة السلمية الذي يعد أجدى لها من المراهنة على الخيار العسكري، فالثورة تحمل قضية عادلة لا تتوفر لدى النظام، وتطالب بمطالب مشروعة في الديموقراطية والحرية والعدالة، هي حديث المنطقة في الوقت الراهن، وستستمر كذلك لسنوات قادمة، كما أن أوضاع اليمن المتردية، والمتغيرات الجديدة التي فرضتها الثورة، بالإضافة إلى الزخم الثوري القادم من المحيط الإقليمي، من الثورات الناجحة في مصر وتونس، أو الثورات النشطة في ليبيا وسورية، سيجعل من الصعب على النظام تجاوز متغير الثورة أو العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انطلاقها، واستمرار فعاليات الثورة السلمية مهما طالت مدتها سيجبر النظام السياسي في الأخير على الاستجابة الطوعية نتيجة تفسخه الداخلي، أو تحت الضغط القادم من الخارج. الزلزال السوري ما يحصل في سورية يتصدر مشهد العيد الذي اختفت ملامحه العامة، ففي الوقت الذي يحصد فيه العسكر أرواح المدنيين، يصر نظام سورية على مواصلة تنفيذ مخططه، ويتجاهل نداءات العرب، خاصة ما أطلقه خادم الحرمين الشريفين في السابع من رمضان الماضي، مطالبا بحقن دماء المسلمين، وتحكيم صوت العقل الذي شكل في مضمونه "إنقاذاً سياسياً" ووصفته وسائل الإعلام أيضاً "بالخطاب التاريخي للشعب السوري"، والذي جاء فيه "إن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سورية، والي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء، الذين أريقت دماؤهم، وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهما يدرك أن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم، والأخلاق. فإراقة دماء الأبرياء لأي أسباب ومبررات كانت، لن تجد لها مدخلاً مطمئناً، يستطيع فيه العرب، والمسلمون، والعالم أجمع، أن يروا من خلالها بارقة أمل، إلا بتفعيل الحكمة لدى القيادة السورية، وتصديها لدورها التاريخي في مفترق طرق الله أعلم أين تؤدي إليه". وأضاف في الكلمة "أن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، مطالباً بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء قبل فوات الأوان" وأكد الملك عبدالله "أن ما يحدث في سورية لا تقبل به المملكة، وأن بإمكان القيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة وسريعة، وأن أمام دمشق خيارين لا ثالث لهما إما الحكمة أو أن تنجرف للفوضى والضياع". حرق أوراق الكاتب السياسي المصري فهمي هويدي يعطي تفاصيل أخرى مهمة في رسم الملمح الاستنتاجي السوري إذ إن مشكلته أنه بدد رصيده وحرق أوراقه وحاصر نفسه في نهاية المطاف، وطوال الأشهر الستة الماضية أعطته الأطراف الإقليمية والدولية فرصا كثيرة لكي يستعيد توازنه ويتصالح مع شعبه ويبقي على علاقاته الإيجابية مع أصدقائه، ولكنه أهدر تلك الفرص واحدة تلو الأخرى. الكاتب هويدي رصد أيضاً تداعيات الثورة السورية خاصة على حليفيها الاستراتيجيين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله اللبناني اللذين أعلنا وقوفهما بجانب نظام دمشق السياسي، حيث أكد هويدي أنه في حال سقط نظام الأسد الابن فإن ذلك السقوط سيحرم حزب الله من حليف وداعم أساسي، وبالتالي سيضعفه في مواجهة الفريق الآخر، الأمر الذي يهيئ مناخا لتفجير الموقف الداخلي في لبنان، ذلك أن فريق 14 آذار الذي يقوده سعد الحريري، سيجد الظرف مواتيا لتشديد انقضاضه على حزب الله، الذي يواجه موقفا حرجا الآن بعد توجيه الاتهام إلى أربعة من أعضائه في قضية مقتل رفيق الحريري. وأما إرهاصات التداعيات على الحليف الرئيسي الآخر طهران، التي تقف بقوة إلى جانب النظام السوري، وأن هذه المساندة استتبعت تأييدا واسعا له من جانب أغلب الشيعة فإن سقوط نظام دمشق سوف يؤدي مباشرة إلى فض تحالفه الاستراتيجي مع طهران، وهو ما سيرتب نتيجتين إحداهما إضعاف موقف إيران وزيادة عزلتها بصورة نسبية، والثانية إضعاف موقف حزب الله. وإذا ما حدث ذلك فإنه سيشكل فرصة قد تغري إسرائيل بأن توجه ضربتها العسكرية لإجهاض المشروع النووي الإيراني. وأما عن الحالة العراقية فيرى هويدي أصداء السقوط المفترض ستسمع هناك أيضا، ذلك أنه إذا ما أصبح الشيعة في الموقف الأضعف، بعد إنهاء التحالف الاستراتيجي لإيران مع سورية في ظل إضعاف دور حزب الله وحصاره، فإن ذلك سيخل بموازين القوى داخل العراق، ومن ثم سيغل يد إيران فيها، الأمر الذي قد يقوي من ساعد أهل السنة وينعش تطلعهم إلى زيادة حصتهم وتحسين أوضاعهم. وهو ما قد يجدد الصراع في الساحة العراقية. تساؤلات حول تركيا الدور التركي فيما يحدث في المشهد العربي أثار تساؤلات كثيرة خاصة إزاء الثورتين الليبية والسورية، وتكرر الموقف التركي المعارض في ليبيا، عندما رفضت الدعوات الدولية لفرض منطقة حظر جوّي على ليبيا لأنها غير "مفيدة وتنطوي على مخاطر"، وتكرر هذا الموقف أيضاً برفضها التدخل العسكري الأجنبي في سورية، وهو ما يبرره المحلل السياسي العربي في العاصمة أنقرة الدكتور محمد العادل في حديثه إلى "الوطن" بأن الساسة الأتراك لا يريدون إدخال المنطقة في أتون الحروب، وأيضاً للحفاظ على مصالحها القومية خاصة في الحالة السورية التي تمتد حدودها معها بطول 800 كيلو متر. وأشار الدكتور العادل إلى أن سبب معارضة تركيا لأي عمل عسكري على سورية أنها تخشى من فراغ كبير في السلطة، مع اقتناعها التام "بنفض يدها من نظام الأسد" الذي ظهر جلياً في تصريحات الرئيس التركي عبدالله غول الذي قال صراحة "فقدنا المصداقية تماماً في النظام السوري"، وهو الأمر الذي رأى فيه العادل محاولة أنقرة تجميع وتأهيل المعارضة السورية في أراضيها حتى تستطيع سد الفراغ السياسي لمرحلة ما بعد الأسد. العادل تطرق إلى مفصل آخر مهم وهو أن القيادة التركية تضع في حسبانها "الحالة العراقية" ووقوفها في خانة المتفرج، وهو ما سمح للإيرانيين بإدارة الملف العراقي والاستحواذ عليه، وهي وبمساعدة أطراف إقليمية لن تسمح بحدوث ذلك في المسألة السورية خاصة أنها حليف مقرب من دمشق. موقف متطور وفي سياق أشارت دراسة حديثة صادرة منتصف الشهر الماضي إلى أن الموقف التركي لا يزال يتطور، فبالرغم من كل التعقيدات التي تحيط بالأزمة السورية، فإن حكومة إردوغان تتمتع بحساسية بالغة تجاه الرأي العام الإقليمي والتركي، فاستمرار سياسة القمع في سورية وتصاعد الضغط الشعبي على حكومة إردوغان سيؤديان إلى تطور حثيث في الموقف التركي، ولعل صدور أمر، في 11 أغسطس الماضي، باستدعاء كل الضباط الأتراك الذين تقاعدوا في السنوات الخمس الماضية للخدمة، وتوزيعهم على المراكز العسكرية الحدودية مع سورية، ينبئ بمواصلة الاستعدادات التركية لكل طارئ. وأشارت الدراسة إلى أن وصول تركيا لموقف تغيير سياسي فوري في سورية، لا يعني بالضرورة بدء عمليات عسكرية تركية ضد قوات الرئيس الأسد، فتدخل عسكري خارجي في سورية هو تطور بالغ الخطورة والتعقيد، ويتطلب غطاء قانونياً دولياً، ودعماً سياسياً عربياً على وجه الخصوص، وكلا هذين الشرطين يصعب توفرهما. ولكن المتوقع أن يؤدي تطور الموقف التركي إلى تطور مشابه في الموقفين الأميركي والأوروبي، ويشكل قوة ضغط كبيرة على روسيا والصين، باتجاه تغيير في سياسة الدولتين من الحدث السوري؛ وأن تتعهد تركيا بدور إيجابي لتعزيز وضع المعارضة السورية، وتوفير مزيد من الدعم للحركة الشعبية في سورية؛ بكل ما يعنيه هذا من أثر على اتساع نطاق الحركة الشعبية وبداية تفكك جسم النظام وقوى المجتمع التي تقف إلى جانبه.