يحن كبار السن بمنطقة نجران إلى ذكريات رمضان في العقود الماضية التي تخللها العديد من المصاعب والمتاعب والذكريات الجميلة لتحفر في ذاكرتهم حياة كلها جلد وصبر وضيق ذات اليد تجاوزوها بقوة العزيمة واللجوء إلى الله الذي يعين عباده على صيامه وقيامه وتوفير لقمة العيش الكريمة لهم. وفي درس ميداني يتجول عدد من كبار السن وسط مزارعهم ليتذكروا من خلالها الإمكانات الصعبة آنذاك وهم يعملون تحت حرارة الشمس دون كلل أو ملل ويسكنون بيوتاً من الطين تتكيف في الصيف بالبرودة وفي الشتاء بالدفء، وكان يرحل بعضهم عن قريته طلبا للأجواء الباردة في كثير من الأماكن التي تتوفر فيها أشجار السدر وهم يبللون ثيابهم بالماء ويستخدمون "المهفة" اليدوية المصنوعة من سعف النخيل ويضيئون بيوتهم الطينية وخيامهم بالفوانيس ويفطرون ويتناولون السحور على ما تزرعه أيديهم وما تنتجه حقولهم. ويقول المسن ظافر بن حبصان البالغ من العمر 106 أعوام ل "الوطن" إنهم كانوا يصومون رمضان في الماضي وهم يرعون الأغنام والإبل ويبحثون عن الحطب ولا يكلون من العمل الدءوب بين مزارعهم وحقولهم التي يباشرونها منذ الصباح الباكر وحتى مغيب الشمس وذلك في ري الزرع وتوفير المياه لبيوتهم ومواشيهم بواسطة "السواني" التي يجذبون من خلالها المياه من أسفل البئر بواسطة"الدلو" ويبللون ثيابهم بالماء لمواجهة حرارة الشمس التي تعد بمثابة المكيفات التي نستعملها في زمننا الحالي حتى يأتي وقت الإفطار ليذهبوا بعدها لمنازلهم الطينية وخيامهم ويجتمعون حول سفرة الطعام يفطرون على القهوة العربية وقليل من التمر الذي تنتجه نخيل مزارعهم إلى جانب القليل من الخبز اليابس والسمن واللبن والحميس والإقط. وأضاف أن المشراب المصنوع من جلد الماعز كان هو الثلاجة الوحيدة لتبريد الماء في ذلك الوقت حيث يملؤونه بالماء ثم يعلقونه في أشجار السدر أو النخيل ليتعرض للهواء الطلق ليزداد برودة، مشيراً إلى أنه لا يزال البعض من كبار السن محتفظا به حتى اليوم. ويصف حبصان لحظات قضاء ليل رمضان فيقول: كنا نجتمع لتبادل الأحاديث والقصص القديمة ومن ثم نخلد إلى النوم حتى وقت السحور الذي يشبه الفطور فلا غير الخبز والحليب والإقط وأحيانا نكتفي بالخبز اليابس مع القليل من اللبن بعكس ما نراه اليوم على مائدة الطعام من أشكال متعددة من الأصناف التي يذهب معظمها مع الأسف لحاويات النفايات التي لا وجود لها قديماً، بينما تجدها اليوم أمام كل منزل ومحل وتمتلئ بالخيرات دون أن تذهب لمستحقيها من الفقراء والمحتاجين. ويؤكد المسن ناجي سالم البالغ من العمر 73 عاماً أنه عندما يحل الصيف على أهل القرية تجد بعضهم يرحل إلى المصيف وهو واد مجاور للقرية تكثر فيه أشجار السدر هرباً من شدة الحر ويرتبطون ارتباطا وثيقاً بمزارعهم التي يذهبون لها من الصباح الباكر، مشيراً إلى أنهم بعد العمل الشاق وسط مزارعهم يأخذون قسطاً من الراحة تحت أشجار النخيل حيث الهواء البارد، مبيناً أنهم قديماً لا يعرفون العديد من الأمراض المنتشرة اليوم كمرض السكر, والضغط, مرجعاً ذلك إلى الجهد الذي يبذلونه طوال اليوم في مزارعهم ورعيهم للأغنام والإبل وطعامهم الصحي الذي يعتمدون عليه. ويذكر المسن محمد آل سفران البالغ من العمر 116 عاماً أن البلاغ عن دخول شهر رمضان المبارك يتأخر بعض الوقت لانعدام وسائل الاتصال التي ننعم بها اليوم، مشيراً إلى أن الاعتماد كان على إرسال أشخاص يقومون بمهمة الإعلان على ظهور الخيول لسرعتها، مضيفاً أن التبليغ كان بذلك حتى توفرت أجهزة الراديو لدى عدد قليل من سكان القرية فيجتمعون حولها لسماع الخبر.