"الهريس والمهلبية والسمبوسة والشوربة بالخضار نعم سمعت عنها والفيمتو كذلك، إنها أكلات رمضانية تتزاحم على الموائد لكنك لن تجدها على مائدتي أبدا، فوضعي لا يسمح بذلك، أكتفي ببعض التمر واللبن والخبز إضافة إلى الرز أحيانا كفطور في رمضان، هذا يكفي لشخص مثلي، أليس كذلك؟" بهذه المقدمة الملخصة لحاله، يتحدث لنا أبو الحسن أحد رعاة الأغنام من الجنسية السودانية عن حاله في شهر رمضان وسط الصحراء، بعيدا عن صخب المدن، حيث يعمل في إحدى المزارع الخاصة ومعه ثلاثة من مواطنيه، إضافة إلى ثلاثة رعاة آخرين من الجنسية الهندية، لم نشأ أن نقطع شلال الحديث المنهمر لأبي الحسن الذي قارب العقد الخامس من عمره فتركناه يتحدث عن رمضان الذي يعرفه فقال "الحمد لله الذي أعاد لنا رمضان على أحسن حال، رغم أن تفاصيل يومي لا يتغير الكثير منها في رمضان إلا أن المشاعر الإيمانية تمنحني تلك الأجواء الروحانية الجميلة لهذا الشهر الفضيل، فيومي يبدأ مع صلاة الفجر وبعدها ينطلق كل منا إلى عمله مع القطيع الخاص به قبل أن نعود إلى الراحة قبيل صلاة الظهر بوقت قليل، حيث نأخذ قسطا من الراحة، ثم نتفرغ قليلا لقراءة القرآن حتى صلاة العصر فنصليها ثم ننتشر في الأرض حتى قبل صلاة المغرب، فيما يبقى بعضنا في الخيمة لإعداد الفطور ريثما نعود، الفطور لا يتعدى ما يتوفر لنا من قوت يومي قبل رمضان، وهو اللبن والتمر والخبز، وقد نحصل على اللحم والرز في مناسبات قليلة، حقيقة لا نهتم كثيرا لذلك، لأن رمضان لا يمكن اختزاله في أكلات معينة بل هو قيمة وأجر نحتسبه عند الله، فأرجو من الله المغفرة والثواب، كما قال نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه حين قال في الحديث الشريف (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وهذا أمر يسهل علينا مشاق الصيام وسط عمل صعب في هذه الأجواء الحارة، وبعد فراغنا من صلاة المغرب والفطور نجتمع للجلوس في الخيمة ونتجاذب أطراف الحديث الذي يقطعه صوت المذياع الذي تراه"، يقول ذلك وهو يشير إلى جهاز مذياع اعتلته الأتربة حتى لا يمكن معرفة نوعه عّلق في أعلى الخيمة بواسطة حبل من القماش، فيما ربطت البطاريات من الخلف بواسطة شريط لاصق لكي لا تقع، "نعم هو قديم ولكنه يعمل"، يقولها ضاحكا. فطورهم لسحورهم ماذا بعد ذلك، يكمل صديقنا أبو الحسن حديثه قائلا "عندما يحين أذان العشاء نذهب للصلاة ومن بعدها صلاة التراويح، لنعود مرة أخرى للخيمة، ولكن هذه المرة لوضع تفاصيل اليوم الذي ينتظرنا غداً، ومهام كل شخص منا، ثم نخلد للنوم قبل أن نستيقظ لإعداد السحور، الذي لا يختلف كثيرا عن الفطور، وربما بقي شيء من الفطور فادخرناه لسحورنا"، هكذا، وبعفوية بسيطة يختم أبو الحسن كلامه "منحتنا حياة الرعي البعد عن اللغو والقيل والقال الذي يجرّح الصيام، عسى الله أن يكتب لنا الأجر في هذا الشهر الفضيل". مظاهر الأخوة تخفف عنهم وغير بعيد عنّا جلس سليم بكر، ذلك الراعي الهندي النحيل، الذي يتعجب أحدنا من قدرته على القيام بأعباء عمله المرهق في رعي الأغنام في درجات حرارة قياسية، ورغم مظهره الخارجي الذي يوحي باللامبالاة، إلا أن الحديث معه أظهر لنا أن الأمور لا تقاس مبكرا.. كيف حالك يا سليم؟ الحمد لله، أجاب سليم والابتسامة تعلو وجهه المليء بالتجاعيد، سألناه: "كيف تسير الأمور معك؟" فأجاب: "لا بأس، تعودت على كل شيء هنا إلا الغبار ليس له حل أبدا، تريد أن نتحدث عن أجواء رمضان؟ إنه شهر مبارك، ولكن من الضروري القول إن رمضان سيكون أفضل إذا كنت في بلدي وبين أسرتي، الأجواء هناك تمنحك مزيدا من الراحة، جئت هنا لأكسب لقمة العيش وعلى ذلك فأنا متقبل كل مصاعب الغربة، الحقيقة أن أصدقائي هنا يساعدوني كثيرا، وفي رمضان تزداد مظاهر الأخوة وتجدنا نتداعى للتخفيف عن بعضنا البعض، لا يختلف رمضان كثيرا عن بقية أشهر السنة من حيث الروتين اليومي إلا في بعض التفاصيل التي تختص بصلاة التراويح وإعداد الفطور، انتظر الآن الفرصة فقط للذهاب لأداء الحج والعمرة ما أمكن قبل أن أعود إلى بلادي". بعدها يستأذن الجميع للانتشار في المراعي برفقة أغنامهم، بانتظار حلول موعد العودة لإفطار يجمعهم على الخير في شهر الخير والبركة والمغفرة.