تشهد سورية منذ أربعة أشهر انتفاضة واسعة تشوبها أحداث عنف دامية، ويتوقع المراقبون أن تزداد حدة المواجهات بين قوى الأمن السورية والميليشيات الموالية للنظام وبين المحتجين السوريين خلال شهر رمضان المبارك لأسباب متعددة من أبرزها إمكانية التجمع اليومي في صلاة التراويح التي قد يستغلها المحتجون لتنظيم مظاهرات يومية بدلاً من المظاهرات الأسبوعية كل يوم جمعة. هذه الاضطرابات في سورية لم تؤد فقط إلى سقوط مئات، بل ربما آلاف الضحايا حتى الآن، لكنها تسبب أيضاً إبطاء عجلة الاقتصاد السوري الذي يكاد يتوقف بشكل كامل. هذا الجانب الاقتصادي قد يُشكل مخاطر للنظام السوري ويؤدي إلى انقطاع الروابط بينه وبين رجال الأعمال، لاسيما في دمشق وحلب. وعلى الرغم من أن إيران لم تتوان عن دعم النظام السوري اقتصادياً، إلا أنها هي نفسها تعاني من ضائقة مالية ولن تستطيع دعم النظام السوري إلى ما لا نهاية، خاصة إذا نظَّمت الولاياتالمتحدة الجهود الغربية للضغط على سورية اقتصادياً، وبالتحديد في مجال الطاقة. نشرَ "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في يوليو الحالي تقريراً كتبه خبير شؤون الشرق الأوسط، أندرو تابلر، عن أوراق الضغط التي تستطيع الولاياتالمتحدة استخدامها للتأثير على النظام السوري وإضعافه اقتصادياً. يقول التقرير إن سورية تنتج حوالي 390 ألف برميل من النفط يومياً، وهذا معدل منخفض عما كانت تنتجه في عام 1996، حيث بلغ الإنتاج حينها 600 ألف برميل يومياً، ونحو 6 مليارات قدم مكعب من الغاز سنوياً. وتصدّر سورية من ذلك الإنتاج نحو 148 ألف برميل يومياً من الخام الثقيل والحامض "سويدي"، حيث تؤول العائدات مباشرة إلى الدولة، أما الغاز فيجري استهلاكه بأجمعه على المستوى الداخلي. ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي والحكومة الأميركية، تمثل مبيعات النفط نحو ثلث عائدات الدولة، حيث تأتي النسبة المتبقية بشكل متزايد من ضرائب الموظفين في الشركات والقطاع العام. إلا أن الاحتجاجات أصابت الاقتصاد السوري وعملته بقوة، وهي حقيقة من المتوقع أن تخفض إيرادات الضرائب بشكل كبير. وبالتالي، فمن المرجَّح أن تصبح سورية معتمدة بصورة متزايدة على عائدات النفط. وهذا بدوره سيحد من قدرة النظام على تمويل أجهزته الأمنية والجيش والحفاظ على دعم السوق. كما أن تراجع العائدات سوف يُرغم النظام إلى اللجوء إلى المزيد من الإنفاق لسد العجز. ويمكنه أن يقترض مقابل احتياطاته البالغة 17 مليار دولار في مصرف سورية المركزي، لكن سيكون ذلك بصفة أساسية عن طريق طباعة النقود، مما يؤدي إلى حدوث تضخم يضعف الليرة السورية والثقة في النظام المصرفي. وبإمكان النظام أن يقترض أكثر من المصارف المملوكة للدولة والقطاع الخاص، التي تضع فيها نخبة رجال الأعمال في دمشق وحلب مدخراتها. لكن مع استمرار تصاعد المظاهرات وتزايد تكلفة التعامل مع نظام بشار الأسد بشكل كبير، فمن المرجح أن يسحب التجار ورجال الأعمال السوريون ودائعهم. تمتلك واشنطن أدوات لحرمان نظام الأسد من أرباح جوهرية من عائدات النقد الأجنبي. وفيما يلي ست طرق لزيادة الضغط: 1- الضغط على مشتري النفط الخام السوري: تستطيع إدارة أوباما أن تحفز المشترين الرئيسيين للنفط السوري - الشركات في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا - من أجل التوقف عن شراء النفط الذي يبيعه النظام. وبالنظر إلى موقف أوروبا القوي بشأن حقوق الإنسان والمسار الدموي للقمع حتى الآن، فمن المحتمل أن يزداد الدعم لاتخاذ إجراء من هذا القبيل. 2- الضغط على شركات النفط الأجنبية في سورية لتصفية استثماراتها: تستطيع إدارة أوباما، جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي، أن يضغطا على شركات الطاقة الغربية متعددة الجنسيات العاملة في مجال الطاقة في سورية – مثل "رويال داتش شيل"، و"توتال"، وشركة "نافتا INA الكرواتية" و"بيترو كندا"- لتصفية استثماراتها في سورية. والأهم من ذلك، يجب على الإدارة الأميركية أن تطلب من بريطانيا إيقاف عمليات "جالف ساندز بتروليوم"، الشركة التي كان مقرها في هيوستن وانتقلت إلى بريطانيا في عام 2008 لكي تتجنب العقوبات الأميركية المفروضة على ابن خال بشار الأسد والشريك التجاري السوري لشركة "جالف ساندز"، رامي مخلوف. 3- عرقلة آليات سداد رسوم ناقلات النفط: إن "المصرف التجاري السوري" المملوك للدولة هو المسؤول إلى درجة كبيرة عن معالجة مبيعات النفط السورية، وهو المصرف الأكبر في سورية من حيث الأصول. وفي عام 2004، فرضت واشنطن عقوبات على "المصرف التجاري السوري" بسبب الإجراءات غير الكافية لمكافحة غسيل الأموال، مما أرغم المصرف على إغلاق حسابات المراسلات الخاصة به في الولاياتالمتحدة. وقد قامت كثير من المصارف الأوروبية أيضاً بإغلاق حساباتها للمراسلات مع هذا المصرف لحماية أنفسها من انتهاكات العقوبات الأميركية المحتملة، لكن هناك عدداً من المصارف الأوروبية لم تفعل ذلك. وإذا استطاعت إدارة أوباما الضغط على الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على المصرف التجاري السوري، فقد تغلق الطريق فعلياً أمام قيام النظام بتحويل النفط إلى أموال نقدية. ويمكن اتخاذ خطوات مماثلة لاستهداف تمويل شحنات ناقلات النفط وآليات التأمين. 4- فرض عقوبات على الناقلات التي تحمل النفط السوري: في الماضي، استهدفت الولاياتالمتحدة سفن الشحن كجزء من تشديد العقوبات على خصومها، بما في ذلك من خلال "قانون هيلمز– بيرتون" على كوبا، فضلاً عن "قانون العقوبات الشاملة على إيران"، والمحاسبة، و "قانون تصفية الاستثمار". وتستطيع واشنطن، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، إصدار قرار يمكن بموجبه منع أي سفينة تنقل النفط السوري من أي عمل مستقبلي في الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي. 5- الضغط على بلدان الشرق الأوسط من أجل حجب دعم النفط والأموال النفطية: غالباً ما تلجأ سورية إلى حلفائها الإقليميين للحصول على النفط الخام أو المنتجات المكررة أو التبرعات عندما تكون في محنة، وأبرز هؤلاء الحلفاء هم العراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدةوإيران. فعلى سبيل المثال، في السنوات التي سبقت الغزو الأميركي للعراق خالفت سورية العقوبات التي فرضتها الأممالمتحدة على العراق في عهد صدام حسين إلى حد استيراد 200 ألف برميل يومياً. وفي التسعينيات من القرن الماضي، وهي جهود قامت بها أيضاً إيران وقطر في السنوات الأخيرة. 6- استهداف المنتجات المستوردة من الديزل والبنزين المكرر: منذ أربع سنوات، أصبحت سورية مستورداً خالصاً للنفط. فالمصفاتان اللتان تملكهما الدولة لا تستطيعان معالجة النفط الخام المحلي الثقيل في سورية لإنتاج ما يكفي من وقود الديزل والبنزين للوفاء بالطلب المحلي المتزايد بشكل سريع. وهكذا، فإن الديزل هو نقطة ضعف في سورية. في كل شيء، بدءاً من مضخات الري وحتى الأفران المنزلية والشاحنات، يستخدم الديزل المدعوم بشكل كبير من قبل الدولة. وفي غضون ذلك، تعتمد الطبقات العليا والمتوسطة في سورية بشكل أكبر على البنزين، لتزويد الوقود لسياراتها. وإذا ما سُحبت هذه الواردات من الوقود المكرر فسيؤدي ذلك إلى غضب الشعب. ورغم أن عائدات الطاقة لا تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد السوري كما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، إلا أن النفط لا يزال يُشكل عاملاً حاسماً في سياسات الشرق الأوسط. وبغض النظر عن السياسة التي تختارها واشنطن وحلفاؤها، فإن استهداف قطاع الطاقة السوري سوف يقطع خط نجاة حيويا عن النظام السوري ويساعد على تحفيز عملية التحول إلى حكومة تكون أكثر إنسانية في تعاملها مع الشعب السوري.