تشهد منطقة الشرق الأوسط ارتفاعاً ملحوظاً في حدة التوتر بسبب الخلاف بين إسرائيل ولبنان على الحدود البحرية التي تفصل بين البلدين. وقد نشر "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" في 13 يوليو الحالي دراسة حول أسباب هذا الخلاف ووجهة نظر القانون الدولي فيه. تقول دراسة معهد واشنطن إن التوتر بين إسرائيل ولبنان يرتفع بسبب احتياطيات الغاز والنفط الهائلة المحتملة بالقرب من شواطئ البلدين في المناطق الاقتصادية الحصرية شرق البحر المتوسط، التي لم يتم الاتفاق عليها بعد. وقد أعلنت إسرائيل في 10 يوليو الحالي أنها سترفع قريباً دعوى للأمم المتحدة لترسيم حدودها البحرية مع لبنان، وجاء ذلك بعد يوم من قيام صحيفة لبنانية بنشر خبر في صفحتها الأولى يشير إلى أن إسرائيل كانت تقوم بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية. وقد اكتشفت إسرائيل بالفعل احتياطيات بحرية كبيرة من الغاز الطبيعي، مما يُمهِّد الأجواء لقيام نزاعات شديدة على الحدود البرية والبحرية. ومثل هذه النزاعات يُمكن أن تُعرِّض المنشآت البحرية الإسرائيلية لخطر هجوم من قِبل "حزب الله" الذي يُشكل الآن جزءاً من الحكومة اللبنانية. المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الحصرية يمكن إرجاع النزاع الأخير بين إسرائيل ولبنان إلى مفاهيم مختلفة للبلدين حول المعايير التي ينبغي من خلالها ترسيم حدودهما البحرية التي لم تكن قضية استثنائية قبل الاكتشافات الأخيرة من النفط والغاز. كما أن لبنان لم تبدأ بعد بالتنقيب عن غازها الطبيعي بالقرب من شواطئها، لكنها وافقت على خط ملاحي مع جزيرة قبرص، وإن لم يكن ذلك قد أُقرَّ بعد. وهناك تقارير أيضاً بأن بيروت قد أرسلت خريطة إلى الأممالمتحدة توضح رؤيتها حول موقع الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية. وتقوم إسرائيل الآن بعمل الشيء نفسه. وقد أدى العديد من الخلافات الدولية سابقاً حول حقوق الصيد والنفط البحري إلى التوقيع على "اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار" التي تسمح بقيام "مناطق اقتصادية حصرية". وعلى وجه التحديد، يُمكن أن تطالب الدول بحدود بحرية تمتد 200 ميل بحري من علامة المياه المنخفضة على سواحلها. وبالنسبة إلى الدول التي تفصلها أقل من 400 ميل بحري تعرض الاتفاقية مبادئ إضافية لترسيم حدود بحرية متفق عليها. وفي العام الماضي توصلت إسرائيل وقبرص لمثل هذه الاتفاقية مما شجع على القيام بالمزيد من أعمال التنقيب التي أسفرت عن استكشاف كميات حديثة وكبيرة من الغاز في "المناطق الاقتصادية الحصرية" لإسرائيل. وعلى الأرجح لدى قبرص أيضاً مخزون غاز كبير في "مناطقها الاقتصادية الحصرية". قانون البحار إن مفهوم "الحدود" أو الخطوط المستقيمة التي تسير بمحاذاة الساحل، هو المبدأ الرئيسي ل"قانون البحار" الذي يتم من خلاله ترسيم الحدود البحرية بين دولتين ساحليتين متجاورتين. وفي حالة إسرائيل ولبنان يعرض هذا المنهج حدوداً تمتد من الساحل عند 300 درجة تقريباً أو أقل بقليل من الشمال الغربي. وعلى الرغم من أن لبنان لم تُفصح بعد عن رؤيتها الرسمية، إلا أن صحيفة إسرائيلية عرضت خريطة تدعي فيها أن الخط اللبناني يمتد عند 292 درجة. ويبدو أن تقارير وسائل الإعلام العربية تشير إلى أن اتجاه الحد ينبغي أن يكون 270 درجة، مما يعني أنه سيكون ناحية الغرب مباشرة باستمرار الخط التقريبي للحد البري المفترض بين البلدين. وقد أوضحت إسرائيل وجهة نظرها الرسمية للحد البحري في خريطة تصوِّر عقود وتراخيص النفط الحكومية الأخيرة ونشرتها على موقع وزارة البنية التحتية، كما أبرزت صحيفة "السفير" اللبنانية خريطة مشابهة جداً لهذه الخريطة في صفحتها الأولى في 9 يوليو، إلى جانب خبر يقول إن لبنان ستدافع عن حدودها. وبالإضافة إلى عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، فإن التفاوض على الحدود البحرية يمكن أن يتعقَّد بسبب الخلافات على حدودهما البرية. غير أن تلك الاختلافات ربما لا تصل إلى حد بعيد، نظراً لأن أي نزاعات على الأرض عند نقطة حدودية أقرب إلى الساحل يمكن على الأرجح قياسها بالياردات، إن لم يكن بالأقدام. قبرص في موقف لا تحسد عليه بعد أن تفاوضت الحكومة القبرصية مع كل من إسرائيل ولبنان على الحدود البحرية، تجد نيقوسيا الآن نفسها طرفاً محتملاً في نزاع دبلوماسي صعب، حيث يؤكد مسؤولون إسرائيليون أن نقطة الحدود البحرية الشمالية بين إسرائيل وقبرص هي بالضبط نفس النقطة الجنوبية في الاتفاقية بين لبنان وقبرص، مما يشير إلى أن المفاوضين اللبنانيين قد اعترفوا ضمناً برؤية إسرائيل لخط الحدود بين "المناطق الاقتصادية الحصرية" اللبنانية والإسرائيلية. على أن الاعتراف الضمني ب"المناطق الحصرية الاقتصادية" الإسرائيلية يمكن أن يعيق أو يحبط المصادقة البرلمانية اللبنانية على الاتفاق مع قبرص. غير أنه يبدو أن السبب الرئيسي للتأجيل التشريعي هو امتناع لبنان عن إزعاج تركيا التي تعتقد أن لديها مصلحة حيوية في القرارات المتعلقة بقبرص. وهذا الاعتقاد يعود تاريخه إلى عام 1974 عندما قررت أنقرة غزو قبرص لحماية الأقلية في تلك البلاد الناطقة بالتركية. ولا يزال عدة آلاف من الجنود الأتراك يحتلون مواقع في الجزء الشمالي من الجزيرة. و قد دانت أنقرة بالفعل الاتفاقية بين قبرص وإسرائيل رغم أن كلاً من نيقوسيا وإسرائيل قد تجاهلتا على ما يبدو تلك التصريحات. ثروات إسرائيل المتنامية من الغاز من المستبعد أن تؤدي البيانات القوية الآتية من لبنان إلى قيام إسرائيل بإيقاف تطوير مخزونات الغاز الطبيعي التي اكتشفتها مؤخراً. كما أن حقلها الضخم "ليفياثان" وهو أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي تحت البحر في العالم في العام الماضي والذي من المقرر تخصيصه لأغراض التصدير يقع في الكتلتين 349 و350 جنوب ما يقال إنه الخط الذي تطالب به لبنان. أما حقل "تامار" المعد للاستهلاك المحلي فيقع جنوباً أيضاً. وحيث إنه يُقدر حالياً بنحو 750 مليار متر مكعب فإن إجمالي احتياطيات إسرائيل من الغاز الطبيعي يُمكن أن يكون ضعف هذا الرقم، ناهيك عن اكتشافات نفط محتملة أخرى. ويبلغ معدل الاستهلاك الحالي للبلاد نحو 4 مليارات متر مكعب سنوياً، لذا فإن الاحتياطات المكتشفة حديثاً ينبغي أن توسع من استخدامها المحلي بينما تستمر في إعطائها فائضاً كبيراً للتصدير. لكن مشكلة إسرائيل هي الضعف المتزايد لواردات الغاز من مصر بسبب عمليات التخريب المتكررة لخط أنابيب سيناء. كما أن إمداداتها المحلية الحالية ستنفد قبل أن يبدأ الإنتاج من حقل "تامار" وبالتالي فإن الانقطاع على المدى البعيد لإمدادات الغاز المصرية قد يسبب إشكالية من ناحية التنفيذ. وفي غضون ذلك، فإن لدى إسرائيل خططاً سرية لاستخدام حقل غاز "نوا" الصغير وإرساء محطة لإعادة التحويل إلى غاز قبالة الساحل لكي تستطيع استيراد الغاز الطبيعي المسال. الدور الأميركي على الرغم من التصريحات الأخيرة الآتية من إسرائيل ولبنان، إلا أن نشوب أعمال عدائية صريحة حول الغاز البحري يبدو أمراً مستبعداً. لا شك أن إسرائيل سوف ترد بقوة على أي هجوم على أرصفتها البحرية لكن إمدادات الغاز نفسها غير معرضة للخطر على الأرجح. وحالما يبدأ الإنتاج فسيتدفق الغاز عبر خطوط أنابيب في قاع البحر متجهاً نحو الشاطئ. ولا توجد إشارة مرئية على السطح تدل على موقع الحقول، كما أن عمق البحر (أكثر من ألف قدم) سوف يمنع أية محاولات لضربه. ومع ذلك، فلدى واشنطن دور مهم يمكن أن تلعبه لضمان أن لا يصبح الرخاء الاقتصادي المرتقب في شرق البحر المتوسط سبباً جديداً لنشوب حرب.