عندما كان ميدان التحرير في القاهرة يزدحم بآلاف المتظاهرين خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، قامت عناصر مجهولة بنسف محطة الضخ التي تنقل الغاز الطبيعي المصري الى إسرائيل. ومع أن ذلك الحادث حرم الدولة العبرية من كمية تشكل 43 في المئة من استهلاكها اليومي، إلا أن ردود فعلها لم تكن في مستوى التوقعات. والسبب أن شركات التنقيب اكتشفت عدة حقول للغاز الطبيعي قبالة شواطئ إسرائيل في البحر المتوسط. وأعلن ناطق باسم شركة «هشارت انرجي» انه تم اكتشاف حقلين للغاز يقدر احتياطهما ب 184 بليون متر مكعب. وقد أطلقت الشركة على هذين الحقلين، اللذين يبعدان مسافة سبعين كيلومتراً قبالة ساحل الخضيرة، اسمي: سارة وميرا. كذلك قال متحدث باسم شركة «نوبيل انرجي» ومركزها تكساس، أن حقلي ليفيثيان وتمار، اللذين اكتشفا على بعد 130 كيلومتراً قبالة الساحل الشمالي من إسرائيل، يقدر احتياطهما ب 238 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. ويتوقع المليونير الإسرائيلي اسحق تشوفا، أن شركته «نوبيل» ستساهم في عملية الاستخراج، الأمر الذي يؤمن حاجات إسرائيل الاستهلاكية لمدة ربع قرن تقريباً. علماً أن هذين الحقلين يقعان في مناطق بحرية متنازع عليها مع لبنان، بخلاف حقلي سارة وميرا. وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل اعترض على عمليات التنقيب في منطقة بحرية لم ترسم فيها حدود مياه لبنان الإقليمية. واعتمد في انتقاداته على تصريح مايكل وليامز، المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، الذي أعلن أن المنظمة الدولية التي يمثلها تدعم حق لبنان في استخراج كل الثروات الطبيعية الموجودة ضمن مياهه الإقليمية. وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قد زار نيقوسيا السنة الماضية، حيث التقى الرئيس القبرصي ديمتريس كريستوفيس، وذلك بهدف توقيع اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وفي المحاضرة التي ألقاها رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة في جامعة نيقوسيا بدعوة من مؤسسة «غالف انتليجنس» لمّح الى الأثر الإيجابي الذي سيتركه اكتشاف النفط أو الغاز على موازنة الدولة اللبنانية. وأكد أمام جمهور من الصناعيين ورجال الأعمال القبارصة أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص مطلع عام 2007 عزز فرص التعاون في مختلف المجالات. ويبدو أن الاتفاق الذي وقعه لبنان مع قبرص قبل أربع سنوات يحتاج الى مستندات إضافية، والى توضيح بعض الأمور التقنية. وهذا ما شرحه رئيس لجنة الأشغال النيابية محمد قباني عندما قال إن الدولة اللبنانية أهملت موضوع التشريعات المتعلقة بالحدود البحرية. لذلك طالب بضرورة استعجال إعداد الوثائق القانونية والفنية المتعلقة بتحديد خط الأساس الذي يفصل البر اللبناني عن البحر. وقال قباني: «إن حماية حقوقنا وحدودنا تشمل الصراع الطويل مع العدو الإسرائيلي». وكان بهذا التلميح يشير الى أن إسرائيل رفضت التوقيع على قانون البحار، بخلاف ما فعل لبنان وقبرص ومصر. وغايتها من الرفض تكمن في نيتها المبيتة استغلال هذه الثغرة القانونية بغرض توسيع انتهاكاتها البحرية، مثلما تنتهك الحدود البرية والجوية. وهذا ما يفسر امتناعها عن توقيع قانون حظر التجارب النووية أيضاً. وتفادياً لهذا الإشكال المحتمل قام مندوب لبنان الدائم في الأممالمتحدة نواف سلام خلال الصيف الماضي بتسليم الدائرة القانونية في المنظمة الدولية خرائط رسمية تظهر الحدود البحرية للبنان. وتوخى سلام من وراء هذه الخطوة تثبيت حق الدولة وسيادتها على كامل حدودها البحرية. كذلك أبلغ أعضاء مجلس الأمن اعتراض لبنان على الخط الذي رسمته إسرائيل في المياه الإقليمية اللبنانية، واعتمدته خطاً نهائياً تعمل شركات التنقيب بموجبه. وكان أول من اعترض على الترسيم اللبناني سكرتير الحكومة الإسرائيلية تسيفي هاوزر، الذي وصف مسار الحدود اللبنانية بأنه يتعارض مع الحسابات الإسرائيلية للمسار. وعندما لمست واشنطن خطورة الوضع عينت الديبلوماسي فريدريك هوب وخبير الخرائط ريموند ميليفسكي من أجل متابعة هذه المشكلة والعمل على حلها. وبعد زيارة إسرائيل قام المبعوثان بزيارة لبنان للوقوف على وجهة نظر الدولة. وقد عقدا سلسلة لقاءات مع مسؤولين في قيادة الجيش اللبناني وأعضاء الوفد اللبناني الى اجتماعات الناقورة. وتبين لهما في نهاية الأمر أن أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون كلف قيادة القوات الدولية «يونيفيل» مهمة تنفيذ عملية ترسيم الحدود، كونها تقع ضمن المهام المنصوص عليها في القرار 1701. وتنص هذه المهام على التالي: أولاً، مراقبة وقف القتال ومساندة الجيش اللبناني خلال انتشاره في الجنوب وتنسيق الأنشطة المتصلة مع كل من الحكومة اللبنانية وإسرائيل. ثانياً، المساعدة على تقديم المعونة الإنسانية والعودة السالمة للنازحين ودعم الجيش اللبناني على إنشاء منطقة مراقبة على الحدود بهدف منع تهريب الأسلحة. وفي هذا السياق سمع مبعوثا إدارة أوباما كلاماً منسجماً مع الموقف الذي اطلع عليه أعضاء مجلس الأمن، وخلاصته أن لبنان ملتزم اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، وأنه رسم حدوده البحرية في شكل لا يتعارض مع شروطها. وادعى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو أن الخط اللبناني يتعارض مع الخط الذي تم الاتفاق عليه مع قبرص. وفجأة دخل على خط الجدل وزير البنى التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو ليطالب بإجراء مفاوضات مباشرة من أجل حسم الخلاف، الأمر الذي رفضه لبنان واعتبره لغماً سياسياً مفتعلاً، خصوصاً أن لانداو اتهم اللبنانيين بمحاولة تقويض كل مشروع تقوم به إسرائيل، لذلك اقترح القيام بإجراء مفاوضات مباشرة مع لبنان بغرض اختصار الوقت واستكشاف النيات المبيتة! وكان من الطبيعي أن يقابل هذا الاقتراح بالرفض القاطع من قبل جميع المسؤولين اللبنانيين الذين بادروا الى استهجانه وتجاهله. وأكد وزير الطاقة والمياه جبران باسيل أن موضوع الحدود البحرية لن يجر لبنان الى أي مفاوضات مباشرة أم ثنائية مع إسرائيل لأن القانون الدولي هو الحكم. عقب التحذير الذي أعلنه الموفد الأميركي فريدريك هوب، وتوقعه أن تتحول أزمة الحدود البحرية الى مشكلة أمنية، علّق وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان بالقول: «لن نسمح بأي استفزاز ضد منشآت الغاز، وسنرد بشدة بالغة ضد دولة لبنان.» تؤكد مصادر موثوقة تعمل في شركة «نوبيل انرجي» أن عمليات المسح الجيولوجي انتهت منذ أكثر من أربع سنوات. بينما بوشرت عملية الاستخراج من الحوض الذي يملكه لبنان وإسرائيل وقبرص قبل ستة أشهر. وقد ضغطت إسرائيل على نيقوسيا من أجل اعتماد شركة «نوبيل انرجي» مع وعد بأن تكون قبرص محطة تصدير الغاز الإسرائيلي الى أوروبا وآسيا. ويعترف وزير خارجية إسرائيل ليبرمان أن التفجيرات المتواصلة التي استهدفت محطات وأنابيب الغاز المصري كانت السبب في اتخاذ قرار استخراج الغاز بصورة عاجلة. واللافت أن أنابيب شبه جزيرة سيناء التي تستخدم لتصدير الغاز المصري الى الأردن وإسرائيل تعرضت للتفجير ثلاث مرات منذ شباط (فبراير) الماضي. ومع أن المجلس العسكري المصري أعلن التزامه تنفيذ كل الاتفاقيات السياسية والاقتصادية الموقعة في العهد السابق، إلا أن ذلك لا يلغي احتمال أن تصدير الغاز المصري الى إسرائيل قد يتوقف نهائياً. والشاهد على ذلك أن الحملة الإعلامية التي يتعرض لها عمرو موسى قد أحرجته الى حد دفعه الى التردد في خوض معركة انتخابات الرئاسة. والمعروف أن صحيفة «اليوم السابع» دشنت حملتها باتهام موسى بالموافقة على تصدير الغاز لإسرائيل يوم كان وزيراً للخارجية. وقال في رده أن غايته الأولى كانت تنحصر في إمداد قطاع غزة بالطاقة قبل إسرائيل، وأن الضرورات الأمنية فرضت ذلك القرار المزدوج. ولكن دوافعه الوطنية لم ترحم سكان القطاع المحاصر الذين شكوا من هيمنة إسرائيل، ومن سرقة الغاز المستخرج عنوة من الحقل الشمالي. وقد اتهم رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في قطاع غزة كنعان عبيد سلطات الاحتلال بمنعه من استقدام شركات عالمية لاستثمار الحقل المشترك. كما وضعت عليه شروطاً تعجيزية يستحيل تنفيذها. نصحت سفيرة بريطانيا لدى لبنان فرانسيس غاي المسؤولين في بيروت بضرورة الاحتكام الى الأممالمتحدة في موضوع ترسيم الحدود البحرية. وهذا ما فعله مايكل وليامز، المنسق الخاص للأمم المتحدة لدى لبنان، عندما توجه الى نيويورك هذا الأسبوع للمشاركة في مناقشة تنفيذ القرار 1701. ومن المتوقع ألا تبدل شهادته المنصفة في طبيعة المواقف السلبية التي يطرحها نتانياهو وحكومته، أي المواقف التي تجرد اللبنانيين والعرب من أسلحتهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، خصوصاً أن الثروة التي ستجنيها إسرائيل من وراء استثمار حقول النفط والغاز ستوظفها لدى واشنطن والرباعية من أجل كسب المزيد من استقلالية القرار في شأن الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها. والثابت في هذا السياق أن الرئيس أوباما لا يستطيع إغضاب نتانياهو قبل مرور عام 2012 أي سنة الانتخابات الأميركية. وعليه يرى المراقبون أن الشلل السياسي الذي تعانيه إدارة أوباما حيال عملية السلام في المنطقة ينسحب على مشكلة الخلاف اللبناني - الإسرائيلي في شأن الاعتداء على حقوق لبنان البحرية. وهذا يعني أن هذه المشكلة مرشحة للتحول الى مشكلة أمنية - عسكرية إذا بقيت إسرائيل معاندة في رفض تحكيم الأممالمتحدة. وهذا ما يعنيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عندما أعلن، من الجنوب، أن استقرار هذه المنطقة يبقى مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط! * كاتب وصحافي لبناني