اتهم القاص والناقد علي فايع الألمعي أبها بأنها "مدينة عاقة لأدبائها وشعرائها"، وأنها لم تحقق حلمهم، على الرغم من تأليفهم العديد من الكتب والقصائد فيها. وأثارت تساؤلات الألمعي في ختام محاضرته أول من أمس بأدبي أبها: "أليس من حقّنا وفاءً لأبها وثقافتها وتاريخها ورموزها وآثارها أن نتساءل: لمصلحة من تغيب أبها التي أريد لها أن تكون متصالحة مع دول ومدن وشوارع عربية وأسماء تاريخية وعربيّة.. لكنها مع الأسف الشديد لم تكن متصالحة مع أبنائها وثقافتها؟! وهل يقف وراء ذلك التغيير من يريد تغييب المكان، أم إنّها اجتهادات موظف عابر أراد أن تكون أبها المختلفة عابرة؟!" أثارت عدداً من حضور المحاضرة التي جاءت تحت عنوان "أبها التي لا نعرفها.. الشوارع والأحياء: قراءة ثقافية"، حيث اعتبر صالح الحمادي الورقة التي قدمها الألمعي "مبتسرة لأبها التاريخية" وقال: لم يكن الجمهور بحاجة إلى بعثرة مسميات الأمانة في نادي أبها الأدبي لأنّ الأسماء القديمة باقية لا تزيلها تعديلات الأمانة، مشيرا إلى أن "دمشق" و"القاهرة" و"صنعاء" و"بابل" حضارات لا يمكننا استغرابها، وذلك على خلفية استغراب الألمعي من تبدل أسماء بعض شوارع وأحياء أبها إلى أسماء أخرى قائلاً: قبل سنوات كانت أسماء أحياء مدينة أبها "مناظر، اليمانية، ضباعة، الطبجية، النمصا، ذرة" تمنحنا فرصة الشعور بأننا نسكن أماكن ليست غريبة علينا، ولا بعيدة عن ثقافتنا التي تشكّلت في أحضان طبيعة وبشر وحياة بديعة، وأكاد أجزم أنّ عشقنا لتلك المسمّيات جاء نتيجة طبيعيّة لتأثير المكان علينا وسطوته، فقد كنّا نشعر بتماهٍ في الحياة، وتآلف قلّ أن نجد له نظيرا!، وأكاد أجزم أنّ الناس هنا كانوا يثقون كثيراً في هذه المسميات، فلا يجهدون أنفسهم في البحث والتنقيب عن المعنى الذي دفع بهذا المسمّى إلى هذا المكان دون غيره، لم تكن لديهم القاعدة التي تقول إنّ الأسماء لا تُعلّل وإلاّ لما أتينا بعدهم نبحث، وننقّب، ونستغرب، ونتألم!. وأضاف: نقف اليوم بعد عقود على مسمّيات أبها: شوارعِها وأحيائها، فلا نكاد نصدّق أنّ شوارع أبها أضحت اليوم خريطة لمدن العالم "دمشق، بغداد، بابل، يافا، حيفا، مكناس، دار السلام، أمّ درماء (هكذا كتبت)، صنعاء، عدن.. وغيرها كثير!، ولا نكاد نصدّق أنّ في أبها شارعاً إلى جواره يسكن شاعر سمّي شارع "جيبوتي"!، ولا نكاد نصدّق أنّ في أبها شارعاً سمّي "المجر" في حيّ سمّي "الأندلس".. ولا نكاد نصدّق أنّ في أبها شوارع اتخذت أسماء "فليكا (والصحيح فيلكا)، المليجي، المعادي"، وحين أقول لا نكاد نصدّق فلأنّ هذه المسمّيات بالنسبة لنا بدت غريبة تنقطع بها الذاكرة، ويموت معها الماضي، وتنتحر بفعلها كلّ الأشواق، فلا نجد مبرراً يقنعنا بأنّ أبها اليوم هي أبها الأمس، وأنّ كلّ ما طرأ على شوارعها وأحيائها من مسمّيات غريبة يتجاوز اجتهاد موظف اقتنع باسم فوضعه دون أن يحسب حساب تاريخ المكان وثقافة أهله، وبراعتهم في التسمية!. ورد الألمعي على مداخلة الحمادي بالقول: إنّني قارئ ثقافي ولست كاتب تاريخ.. أما الحضارات، فأبها تحتاج إلى أن تعترف بذاتها قبل أن تبحث عن شرعية غيرها.. كما أنّ التشويه في الكتابة والجهل في المسمّى يرسّخ هذا العبث في ذاكرة الجيل ولن تكون لدى أبنائنا قدرة على الصمود أمام هذه المسميات المكتوبة خطأ والمكتوبة ارتجالاً، وهو الأمر الذي اتفق معه الناشط الاجتماعي حسن مخافة في مداخلته حيث اعتبر هذه المسميات في الأحياء تضييعا لممتلكات الناس وتاريخ مدينة أبها، بينما أثنى الدكتور عبدالله حامد على الورقة واعتبر الترميز غير مرض إن كان هناك تراجع من قبل الأمانة وسيدخلنا في اختلاف آخر... وأشار إلى أنّ هناك بدائل عملية غير المسميات، ومنها الترقيم. المحاضرة التي قدم لها الكاتب محمد علي البريدي، وشهدت فيلما عن مسميات أبها الجديدة أعده المحاضر، حضرها الأمير سعود بن محمد بن مساعد (مدير الأسابيع الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام) الذي قدم درع النادي للمحاضر.